نتائج رهان البعض على واشنطن : استخفاف بالسيادة العراقية وتوغل التركي نموذجاً
في وقتٍ يسعى البعض للترويج للسياسة الأمريكية، يتخطى آخرون ذلك، مؤكدين على الحاجة لبناء التحالفات مع واشنطن. فيما يستغرب الكثيرون حالة تراجع الوعي لدى بعض الأطراف أو اللاعبين السياسيين العرب، والذين لم يتعلموا من التاريخ بأنه لا يوجد لأمريكا حلفاء. ولعل هذه المسألة تأخذنا الى العراق، كنموذجٍ للبلد الذي دمرته السياسة الأمريكية، وما تزال تسعى لذلك. فيما يحاول البعض الخروج عن الإجماع الوطني بالإعتماد على القوى والفعاليات الشعبية سياسياً وعسكرياً، ويُصر على العودة لواشنطن. وهو الأمر الذي خلَّف المعاناة للشعب العراقي، والتي كان آخرها أعمال داعش الإرهابية، الى جانب جعل العراق ضعيفاً أمام التوازنات الإقليمية، مما ساهم في دخول تركيا ونشرها قواتٍ لها في الشمال العراقي.
من خلال المراجعة التاريخية السريعة نجد أن العراق كان هدفاً لواشنطن وما يزال. لكن التاريخ أيضاً يُخبرنا عن حجم الدمار والخرَّاب الذي خلفته السياسة الأمريكية والإعتماد عليها. وهنا يمكن إيجاز ذلك بالتالي:
شكّلت واشنطن وضمن سياستها الإستراتيجية في العراق، أرضية الإرهاب. ولكي تضمن ذلك، قامت بضرب مؤسسات الدولة والجيش العراقي. وهو ما أدى بالنتيجة الى إنحلال المؤسسة العسكرية، مما جعل العراق بدون قواتٍ متماسكة قادرة على حمايته.
ولعل الخطر الأكبر جاء بعد الإنسحاب الأمريكي، والذي خلَّف وراءه العديد من المخاطر. في حين اكتفت أمريكا بإستثمار الإرهاب الذي أسسته. ليكون أداتها في حربها ضد الشعب العراقي لإخضاعه. وهنا فإن حرب التحالف على الإرهاب كانت خير دليلٍ لذلك. إذ أن واشنطن كانت السبب في تأخير تحرير عددٍ كبير من المدن، بسبب دعمها المباشر والعلني للقوات الإرهابية في الميدان وعبر الجو. مما كلَّف العراق فاتورة كبيرة على الصعد كافة لا سيما الإنساني.
وهنا فإن آخر ثمرات الإعتماد على واشنطن، والإستخفاف بالمصلحة الوطنية، كان نشر تركيا لقواتٍ لها في شمال العراق. فيما قد يسأل البعض عن مصلحة واشنطن في ذلك. وهو ما سنذكره فيما يلي.
لدى تركيا ما يقارب 3000 جندي في العراق حالياً بحسب المعلومات. لكن وعلى الرغم من أنه لا يوجد لهذه القوات القدرة اللازمة على القيام بعمل عسكري حالي خصوصاً كونها يمكن أن تُصبح مُستهدفة، إلا أن تواجدها يخدم المصلحة الأمريكية وهو ما يمكن الإشارة له بالتالي:
لم يكن تواجد هذه القوات، إلا نتيجة للإستخفاف بالمصلحة الوطنية العليا والإعتماد على الخارج لا سيما واشنطن. فالعراق يمتلك مقدرات النهوض، دون الحاجة للخارج. لكن رهان البعض على الأمريكي، دفع الأمور بإتجاه نزع عوامل الردع المحلية والإقليمية. وهو ما ساهم في استخفاف الكثيرين في احترام سيادة العراق. الأمر الذي يخدم واشنطن بشكلٍ كبير.
من جهةٍ أخرى، فقد سعت تركيا لتسليط الضوء على موقعها السياسي والعسكري في شمال العراق، وهو الأمر الذي دفعها لنشر آليات عسكرية لها كدبابات وكتيبة مغاوير بالقرب من المواقع التي يسيطر عليها تنظيم داعش في الموصل. وهي صرَّحت فيما سبق، بأنها مستعدة لإستخدام قواتها في العراق عبر التعاون مع حكومة إقليم كردستان، محاولةٍ بذلك إيصال رسائل عسكرية الى كلٍ من حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش الإرهابي (والتي تضعهم تركيا في نفس خانة الإرهاب). وهنا وبغض النظر عن البراغماتية التركية في التعاطي مع إرهاب داعش، فإن هكذا واقع ميداني يمكن أن يستخدمه الأمريكي لصالحه في العراق في حال قرَّر ذلك.
من الناحية العسكرية، فإن ما يُسمى بـ “الإنتشار الأمامي” يُعتبر مُقدمة للتوغل البري الأوسع أو الرد التكتيكي السريع. وهو الأمر الذي قد تُفكِّر فيه تركيا، في حال شعرت بضرورة العملية البرية. وهو الأمر الخاضع للمصالح التركية، وموازين القوى الإقليمية. وهنا فإن هذا الأمر يعود ليخدم الطرح السابق.
من الناحية الجيوسياسية، فإن مراكز الإنتشار العسكري التركي، هي قرب الموصل، والتي تعتبرها تركيا حلماً يجب إعادته لما يُسمى الإمبراطورية العثمانية. وهو الأمر الذي دفعها لتقوية علاقاتها مع أثيل النجيفي المحافظ السابق.
إذن يبدو واضحاً حجم النتائج التي خلَّفها الإستخفاف بالسيادة. فيما يجب القول بأن البعض ذهب أبعد من ذلك. بل يرهُن البعض مستقبله السياسي للأمريكيين. وهنا نسأل، ألم يقرأ هؤلاء تاريخ واشنطن في التعاطي مع الوعود والعهود؟ وهل خلَّفت السياسة الأمريكية غير الخراب والدمار للمنطقة؟
لم يعد الوقت كافياً، للمخاطرة أو المقامرة بمستقبل الشعب العراقي. فيما يجب الإيمان بأن العراق يمتلك مقومات النهوض على كافة الصعد. ولعل الأهم هو أنه أصبح يمتلك لجاناً شعبية كالحشد الشعبي، قادرة على المساهمة في ردع أي محاولةٍ للإستخفاف بسيادة العراق. لكن الأهم من ذلك، هو ضرورة وقوف العراقيين أنفسهم في وجه المؤمرات التي تُحيكها أمريكا لتقسيمه وإفقاده أواصر الوحدة والتماسك.
لذلك، فإن وجود الرادع العسكري، هو الأهم في المرحلة الحالية. مع ضرورة أن يوازيها في الوقت نفسه، مواقف سياسية تمنع الإستغلال الأمريكي، لكل الإستحقاقات القادمة، وفي مقدمتها معركة الموصل، والتي لن تعمل فيها واشنطن إلا وفق مصالحها. فلماذا يُصر البعض على الإرتهان لأمريكا؟ ألم يكن من نتائج ذلك، الإستخفاف بالسيادة العراقية، وهو ما أدى للتوغل التركي؟
المصدر / الوقت