الأمريكيون يصفون النظام الرئاسي الانتخابي في بلادهم بالفاسد ويطالبون بتغيره
أفرزت نتائج الإنتخابات الرئاسية التمهيدية التي جرت مؤخراً في عدد من الولايات الأمريكية حقائق تستحق الإهتمام بينها الفوز الذي حققه السيناتور “بيرني ساندرز” على منافسته من الحزب الديمقراطي وزيرة الخارجية السابقة “هيلاري كلينتون” في ولاية “نيوهامشير” شمال شرق أمريكا.
وقبل الخوض في هذا الموضوع لابد من إلقاء نظرة على النظام الإنتخابي في أمريكا وكيفية إنتخاب الرئيس؟
تجرى الإنتخابات الرئاسية في أمريكا كل أربع سنوات بنظام الإنتخاب غير المباشر، فالمواطنون في حقيقة الأمر لا يختارون الرئيس مباشرة بل يختارون الممثلين أو المندوبين الذين يشكلون ما يسمى بالكليات أو المجمعات الإنتخابية (Electoral College) والتي تقوم بدورها بإنتخاب الرئيس من خلال عملية تتم بمرحلتين:
أولاهما، إنتخاب المرشح من كل من الحزبين الرئيسيين (الديموقراطي والجمهوري) عن طريق إنتخابات أولية (primary elections)، إذ يجري الحزبان إنتخابات في كل ولاية يصوّت فيها عادة المنتمون للحزب. ثم يختار المرشح من كل حزب نائباً له ويتم التصديق عليهما رسمياً في مؤتمر الحزب.
المرحلة الثانية هي الإنتخابات العامة التي يصوّت فيها المواطنون الأمريكيون للمندوبين الذين يدلون بأصواتهم لصالح أحد المرشحين. والمرشح الذي يحصل على أكثر الأصوات الشعبية في ولاية معينة يحصل على عدد أصوات مندوبي الكلية الإنتخابية (Electors) المخصصة لتلك الولاية والمتناسبة مع عدد سكان الولاية. أمّا عملية إختيار مندوبي الكلية الإنتخابية أنفسهم، فيَسمح الدستور للنظام التشريعي في كل ولاية أن يحدد كيفية إختيارهم.
وتجدر الإشارة الى أن مندوبي الكلية الإنتخابية ليسوا مجبرين قانونياً على الإلتزام بإنتخاب المرشح الذي صوّت له غالبية المقترعين في الولاية.
الإنتخابات التمهيدية في ولاية “نيوهامشير”
على الرغم من أن النتائج التي تظهرها الإنتخابات الأمريكية، هي نتائج تمهيدية، فإن أهميتها تكمن في تبيان حجم وقوة المرشحين. وهو الأمر الذي يبدو أنه لا يمكن حسمه بسهولة، نتيجة المفاجآت التي تظهرها الإنتخابات التمهيدية.
وجاء تفوّق “ساندرز” في مرحلة حسّاسة من الحملة الإنتخابية، الأمر الذي جعل بعض المحللين يتوقعون أن تتكرر تجربة الرئيس الحالي “باراك أوباما” عام 2008 بإزاحته لهيلاري كلينتون من حلبة التنافس إنطلاقاً من ولاية “أيوا”.
وأظهر آخر استطلاع لآراء الناخبين أجرته جامعة “مونتانا” في ولاية “نيوهامشير” تجاوز “ساندرز” بحصوله على نسبة 53 في المائة، فيما حصلت كلينتون على 39 في المائة فقط من أصوات الناخبين المحتملين.
وفي ولاية “أيوا” كان الفارق متقارباً ولكن بتفوّق لصالح “ساندرز”، إذ حصل على نسبة 49 في المائة، وهي النسبة الأعلى له منذ بدء الحملات الإنتخابية، فيما حصلت “كلينتون” على 44 في المائة. الأمر الذي رفع من سخونة التنافس بين المرشحين الديمقراطيين، بعد أن كان بارداً مقارنة مع التنافس والتنوع بين المرشحين الجمهوريين.
من هنا برز “ساندرز” كمنافس قوي يخشى أنصار “كلينتون” أن يسلبها حلم الرئاسة، خصوصاً بعدما فرضت آراؤه نفسها على الساحة الأمريكية بشكل غير متوقع، ومكّنته من التفوق على منافسته التي أقرت بعد هزيمتها الإنتخابية الأخيرة في “نيوهامشير” بعلاقتها المأزومة مع الشرائح الشبابية التي إختارت تأييد “ساندرز”، حيث أظهرت النتائج ان 85 في المئة من الناخبين الشباب تحت سن 29 صوتوا لصالح “ساندرز” الذي كان قد حصل قبل أسبوع من ذلك في ولاية “أيوا” على تأييد أكثر من 70 في المئة من هذه الفئة العمرية.
وساهمت النساء الشابات كذلك بشكل كبير في خسارة “كلينتون” التي أقرت بأنها وجدت صعوبة مع الناخبين الشباب الذين وعدهم “ساندرز” منذ اليوم الأول بأن التعليم سيصبح مجانياً، إلى جانب الرعاية الصحية. وتكمن أهمية ولاية “نيوهامشير” في الإنتخابات الأمريكية في رمزيتها، حيث تعطي دفعة للفائز لتعريف الناخبين على من يحمل حظوظاً أكبر.
وبعد تمكن “ساندرز” من كسب أكبر عدد من أصوات الناخبين في “نيوهامشير” طالب أنصاره بتغيير النظام الإنتخابي في أمريكا ليكون الحسم بيد الشعب وليس بيد مندوبي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مشددين على إن الشعب الأمريكي لن يستمر في قبول نظام تمويل الحملات الإنتخابية الفاسدة وإقتصاد يتم التلاعب فيه لمصلحة الكبار ويعمل فيه عامة الأمريكيين ساعات طوال مقابل قليل من المال، ما يشير إلى بداية ثورة سياسية على النخبة الحاكمة، ويؤكد بأن الشعب الأمريكي ليس بغافل عمّا يجري خلف الكواليس وفي أزقة الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وأفضل وصف للديمقراطية الأمريكية التي تديرها مافيا المال والتكتل الصناعي العسكري هو ما ذكره الكاتب الأمريكي “وليم غريدر ” الذي أكد أن هذه الديمقراطية تعاني من مشاكل عميقة تقبع خلف الوجه الزائف الذي أفرغ معارك الإنتخابات الإعتيادية من مضامينها بعد أن سُحبت سلطة إتخاذ القرار من أيدي الكثرة الى القلة، داعياً الى خفض التأثير المضر للمال على الحياة السياسية الأمريكية عبر تطوير قواعد العملية الانتخابية لتجنب سيطرة حفنة من العائلات والمصالح الخفية على تمويل الإنتخابات.
المصدر – الوقت