امریکا ومحاربة داعش فی العراق بین الإدعاء والواقع المیداني
الوقت- ” أمريكا لا تساعد في حل مشاكل العالم ولكنها لابد وأن تمسك بخيوط هذه المشاكل لتديرها نحو مصالحها القومية”، بهذه العبارة يوصّف عرّاب السياسة الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر واقع تعاطي واشنطن مع الأزمات العالمية.
الإستراتيجية الامريكية التي تحدّث عنها كيسنجر تنطبق على مواقف بلاده العملية من الازمات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، وتحديداً العراق البلد الذي دخلته واشنطن تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل إلا أنها إعتذرت عنها لاحقاً، وخرجت منه بالقوّة، بعد عدّة أعوام نتيجة الضربات التي تلقّتها على أيادي المقاومة العراقية، ولكن بعد تدمير هذا البلد وإدخاله في فتنة مذهبية فتكت بعشرات الألاف من أبناء الشعب العراقي، إضافة إلى نهب ثروة أحد أغنى بلدان العالم في النفط.
اليوم، تسعى واشنطن للعودة من نافذة تنظيم داعش الإرهابي إلى الداخل العراقي تحت عنوان دعم الجيش العراقي وإستعادة الموصل الأمر الذي وجده العديد من أبناء الشعب العراقي “إحتلال مبطّن” بإعتبار أن “استقدام قوات امريكية الى العراق يحتاج إلى موافقة البرلمان العراقي، والحكومة لم تعطِ تخويلا لهم”، وفق مصدر برلماني عراقي.
خيوط اللعبة الأمريكية تظهر من خلال نشر الفوضى في المنطقة وإضعاف الدول كافّة سواءً عبر دعم الجماعات الإرهابية، أو دعم الجماعات التي تواجهها، أي دعم الجميع مقابل الجميع. تدعم واشنطن تنظيم داعش الإرهابي ضد الجيشين العراقي والسوري، مع سعيها لنشر بذور الفتنة بين الجيش والحشد، الأكراد ضد العشائر السنية وقوات الحشد، والعشائر ضد الحشد وداعش، ما يسمّى بـ”الجيش الحر” و”جيش الاسلام” والنصرة واحرار الشام ضد الرئيس الاسد، والحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ضد اردوغان وحكومته، وعلى العكس أيضاً.
إن طائر السياسية الأمريكية يهدف إلى تحقيق مصالح واشنطن من خلال جناحين رئيسيين هدفهما العبور إلى مرحلة “الدمار الشامل” للمنطقة في حال عدم تحكّم واشنطن بزمام أمورها كاملة. الجناح الأول يتعلّق بالإستهداف المباشر، كما حصل إبان إحتلال العراق، أو كما يحصل اليوم من تدمير للبنى التحتية تحت غطاء “التحالف الدولي” وذريعة تنظيم داعش الإرهابي، فعلى سبيل المثال “بلغ حجم الدمار الهائل الذي خلفته القوات الأمريكية وتنظيم داعش الإرهابي في مدينة الرمادي، 80% والمدينة باتت مدمرة بالكامل وكأنها هيروشيما في سيناريو معد مسبقًا وأن هذا الدمار كان يستهدف المدنيين بالدرجة الأولى”، وفق ما يؤكد مصدر ميداني عراقي. المصدر نفسه يضيف “لم يرفع العلم العراقي حتى على بناية واحدة من المباني الحكومية بسبب حجم الدمار الذي خلفته القوات الأمريكية والذي كان يستهدف المدنيين..ولا نعلم لماذا هذا السكوت من جانب حقوق الإنسان ولماذا هذا السكوت الدولي والسكوت حتى من قِبل الحكومة لأن الكثير من العوائل قُتلت بالقصف الأمريكي المتعمد لأنهم وقعوا ما بين المطرقة والسندان، ما بين داعش والأمريكان”. فلماذا لم تكن معارك الحشد الشعبي في بيجي وجرف النصر (الصخر) وآمرلي كذلك؟ الإجابة واضحة واشنطن تريد إضعاف العراق الذي يسعى كل من الحشد والجيش والعشائر لصونه بالغالي والنفيس. الجناح الثاني يتعلّق بالإستهداف غير المباشر عبر دعم الجماعات الإرهابية، ونشر الفتنة المذهبية بغية تنفيذ مشروعها التقسيمي الذي يصب في خانة إضعاف دول المنطقة. ومن خلال هذه النفطة تحديداً تأتي الإجابة على سبب تضارب الأراء الأمريكية في القضاء على التنظيم الإرهابي الأبرز، ففي حين يؤكد البعض أن الامر بات وشيكاً يرى آخرون أن المسألة قد تطول لسنوات عدّة، وكلاهما محقُّ من وجهة نظر واشنطن. ففي حال وافق العراقيون على مشروع التقسيم يخرج التنظيم الإرهابي بالسرعة التي دخل بها إلى الموصل عام 2014، وفي حين رفضوا مشروع “الأقاليم الثلاث” سيكون الخيار الثاني هو العنوان.
إن تجربة الرمادي كانت أليمة لناحية الدمار والشهداء المدنيين الذين سقطوا بنيران الطائرات الأمريكية، وهذا ما يجب معالجته في معركة الموصل التي يصرّ الحشد الشعبي على المشاركة بها، رغم “الفيتو” الأمريكي، لان غيابه يعني ما يعنيه لناحية قطف الثمار من قبل واشنطن، وأبرزها التقسيم الذي لا يطيقه العراق.
هكذا تسعى واشنطن لتطبيق نظرية كيسنجر في إمساكها بخيوط المشاكل العالمية، إنها الإستراتيجية نفسها التي نشات عليها الإمبراطورية الأمريكية من خلال 12 مليون من الهنود الحمر، وتسعى اليوم لتعزيزها في منطقة الشرق الأوسط عبر دماء مئات الألاف من المسلمين والعرب.
المصدر / الوقت