عندما تصبح جدران الشوارع ساحة الحرب الإعلامية ضد النظام البحريني
الوقت ـ خرج الشعب البحريني في 14 من فبراير عام 2011 إلى الشوارع ليعبر عن الغضب ويبدأ ثورته ضد الإجراءات القمعية لنظام آل خليفة ولم تزل تستمر هذه الثورة في ظل مواصلة إعتداءات قوات النظام وعدم تلبية العائلة الملكية لمطالب الشعب المشروعة مما دفع المواطنين بإستخدام شتى أنواع المعارضة والتعبير عن المخالفة ضد النظام البحريني ووجد البحرينيون في الفن سبيلا لمواجهة سياسة النظام القمعية ضدهم ويفرغون بها مطالبهم وشعاراتهم على الجدران وكفى بعبارة “لو كان هناك من يسمعنا ما كتبنا على الجدران” لتبيين أسباب تحويل جدران الشوارع إلى منابر للإحتجاج ومنصات التعبير عن الرأي وتحمل شعارات الجدران معاني بسيطة، لكنها كفيلة بأن تعبر عن مكنونات شعب ثائر على مدى عقود من تمثيل عائلة الملكية غير المشروعة له.
ويُستخدم هذا الفن للتعويض عن حالة قمع يشعر بها شعب البحریني وقام كتاب “جدران 14 فبراير.. غرافيتي ثورة البحرين”، الصادر حديثاً عن صحيفة “مرآة البحرين” بتوثيق هذه الكتابات والشعارات والرسوم. وأنتجت حرب الجدران بين السلطة والمعارضين طبقات من الشعارات؛ حيث يكتب الثوار شعارا على الجدران فتمحوه السلطة ثم يعودون إلى كتابة آخر في المكان ذاته.
وتقع صور الشهداء والثوار في صلب التصاوير والرسوم التي ترسمها ريشة الفنانين على جدران الشواع ويخلد الشعب البحريني بهذا ذكرى الشهداء حيث ترتبط فكرة الشهادة بالانتصار متأثرا من المكون الثقافي الشيعي الذي يعلي من قيمة شهادة الثوار على الظلم وتزداد شعارات مثل “عشاق الشهادة”، “أنتم تقاتلون قوما عشقوا الشهادة” ومثيلاتها بالتزامن مع ذكرى عاشوراء الحسينية.
وتنوّعت الأساليب للثوار البحريني في إستخدام لوحات الجدران ومنهم من يرسم عبارات أو كاريكاتير، فيما بعضهم يرسمون وجوه الثوار والأطفال، الذين قتلوا إما بالرصاص الحي أو اختناقا بالغاز المسيل للدموع، وإما تحت وطأة التعذيب، لكن الهدف واحد؛ “نريد الحرية” وهو أكثر الشعارات انتشاراً على الجدران.
كذلك، تتصدر شارة النصر المشهد “الغرافيتي”، وشعار دوار اللؤلؤة الذي أنشئ عام 1982، وهدمته السلطة في 2011 لرمزيته “السيئة” في نظرها. فقرر النظام البحريني إخراجه من جغرافيا الجزيرة، ولكنه دخل تاريخ الثورة البحرينية، وأصبح رمزاً خالداً لها ونرى أنه مرسوم على معظم جدران مدن وشوارع المملكة، بعدما كان يوماً في العاصمة المنامة.
وفيما يقتصر عمل السلطة على إخفاء الأصوات المطالبة بالحقوق، وكمّ أفواه الإعلاميين، والحرص على منع الصحافة من التطرق إلى ما يمس أمن المملكة القومي، تزداد الشعارات على الجدران، التي يريد منها الشعب إيصال صوته. “إن نجحتم في إسكاتنا فلن تنجحوا في إيقافنا عن الكتابة”؛ “إن قطعتم يدنا فسنكتب باليد الأخرى”؛ “إن منعتم كل الألوان من الأسواق فسنكتب بدمائنا”.
ثمة قراءة فنية وسياسية متعددة تشرّح الفضاء الغرافيتي داخل المدن والقرى البحرينية. كتابات ثورية شاهدة واعادة تجسيد لرسوم كاريكاتورية عالمية، منها رسم للفنان البرازيلي ماركوس، صوِّر فيه الملك البحريني “حمد آل خليفة” يقود سيارة “فورمولا” برفقة مدير سباق “الفورمولا 1” البريطاني بيرني إيكلستون، فيما الدخان المتصاعد من سيارة السباق يقتل المتظاهرين البحرينيين، في إشارة إلى الحملة التي قادها ثوّار “14 فبراير” ضد إقامة سباق السيارات العالمي على حلبة البحرين الدولية لسباق السيارات في العامين الماضيين. جدارية أخرى تظهر طائفية النظام وتجسّده على شكل مسخ مخيف. لعبة قذرة حاولت الملكية العجوز ضرب الثورة بها.
وعجزت السلطة البحرينية عن وقف ثورة الجدران ضد النظام رغم إستخدامها شتى أساليب القمع والعقاب وإعتقال عدد كبير من الثوار بذريعة كتابة الشعارات ورسم الصور المعبرة عن ثورة الشعب البحريني ومعارضته إستمرار سياسة القمع والخنق وكبت الحريات ولاعجب أن نسمع أن نظام آل خليفة يقوم بسحب الجنسيات ممن يخط الشعارات ويرسم كاريكاتيرات وصور يحسبها النظام مسيئة له فضلا عن هدم الجدران وإعادة طليها زعما منه أن هذه الإجراءات تمحو الذاكرة الجماعية للشعب البحريني الثائر، لكنه يتجاهل حقيقة أن إرادة الشعب كبيرة فهو إختار لنفسه نهجا سلميا وحضاريا ويستمر ثورته حتى تحقيق مطالبها المشروعة إما بالخروج في تظاهرات تعم الشوارع والمقاومة ضد إعتداءات قوات النظام وإما عبر الحرب الإعلامي والتعبير عن الرأي على الجدران ومواقع التواصل الإجتماعية.
المصدر / الوقت