الفكر التكفيري ؛ داء مشترك بحاجة لدواء وعلاج مشترك
تبلور الفكر التكفيري الظلامي في السنوات الأخيرة بظهور التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي إرتكبت أبشع الجرائم بحق الأبرياء في مختلف بقاع الأرض لاسيّما في منطقة الشرق الأوسط. وتحول هذا الفكر – إن صحّ التعبير عنه بأنه فكر – إلى آفة خطرة وداء عضال يهدد بآثاره المدمرة كافة أبناء الجنس البشري مهما كانت إنتماءاتهم وألوانهم وطوائفهم ومناطق سكناهم.
وتحولت الصور البشعة التي تتداولها وسائل الإعلام بشكل مستمر عن مشاهد القتل والذبح وترويع البشر وحرق وتدمير ممتلكاتهم ومدنهم وقراهم من قبل الجماعات التكفيرية والإرهابية الى شيء مألوف بسبب كثرتها وإنتشارها في كل مكان من العالم تقريباً.
وكان الإعتقاد السائد في السابق أنّ الفرق التكفيرية والسلفية والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة تنتشر في منطقة الشرق الأوسط فقط نتيجة بعض الخلافات المذهبية أو الطائفية، ولكن الأحداث التي شهدتها السنوات الأخيرة دللت بشكل واضح على أن الإرهاب ومن يقف وراءه من سلفيين وتكفيريين لا يقتصر على هذه المنطقة ولا يستهدف المسلمين فقط؛ بل ينتشر في مناطق أخرى من العالم ويهدد أتباع كافة الأديان سواء في دول المنطقة أو باقي الدول ومنها الغربية لاسيّما الدول الأوروبية. بل يمكن القول إن الجماعات التكفيرية والإرهابية إستهدفت بأعمالها الإجرامية جميع من يخالفها في أفكارها المنحرفة والضالة، وحتى الذي لا شأن له بها لا من قريب ولا من بعيد قد تعرض لإرهابها لمجرد أن طريقه أو مكان سكناه يقع في المناطق التي إجتاحتها تلك الجماعات عن طريق القتل وهتك الأعراض ونهب وتخريب الممتلكات.
كما لم تقتصر الأعمال الإجرامية للتيارات التكفيرية والإرهابية المتطرفة على قتل البشر وترويعه بشتى الوسائل الشنيعة؛ بل تعدته إلى تدمير وتخريب كل ما يمت إلى المقدسات والحضارة البشرية بصلة وفي مقدمتها المساجد والكنائس وباقي دور العبادة سواء في سوريا أو العراق أو دول أخرى في المنطقة والعالم.
وما حصل من إنفجارات إرهابية في فرنسا قبل نحو ثلاثة أشهر والتي أدت إلى مقتل وجرح المئات من الأشخاص، وما حصل من قتل شنيع للأبرياء على يد جماعة “بوكو حرام” الإرهابية في نيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية، وكذلك ما حصل من أعمال إرهابية في اندونيسيا والعديد من دول جنوب وجنوب شرق آسيا، دليل واضح على إنتشار الإرهاب في كافة أرجاء العالم وعدم إقتصاره على منطقة الشرق الأوسط أو أتباع الدين الإسلامي أو المسيحي أو غيرهما من الأديان.
ومن يرى السلوكيات الشاذة والغريبة والمتطرفة للجماعات الإرهابية والتكفيرية وارتباط هذه الجماعات ببعض القوى الغربية وفي مقدمتها أمريكا والأطراف الحليفة لها في المنطقة لاسيّما الكيان الإسرائيلي يدرك تماماً أن هذه الجماعات لا تمت بصلة للإسلام وكل ما تقوم به من أعمال إجرامية إنما يهدف إلى تشوية صورة الإسلام لدى الرأي العام العالمي لتحقيق أهداف إستعمارية تصب في صالح الكيان الإسرائيلي وحماته الغربيين وعلى رأسهم أمريكا.
من هنا نعلم أن الفكر التكفيري والإرهابي المتطرف لا يواجه رفضاً مطلقاً من أتباع الدين الإسلامي فقط؛ بل يرفضه أتباع كافة الديانات السماوية أينما كانوا في شرق الأرض أو غربها أو شمالها أو جنوبها أو أي بقعة أخرى من العالم، وترفضه كذلك جميع القوانين والأعراف الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
ولهذا بات على جميع الملل والشعوب وأتباع كافة الديانات وكذلك المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والحكومات المستقلة وجميع أحرار العالم التكاتف والتنسيق فيما بينهم لمواجهة هذا الخطر المحدق بالبشرية لوقف نزيف الدم المستمر والحد من الخراب الهائل الذي تسببت به الجماعات الإرهابية أينما حلّت.
ولابد من إعطاء دور خاص للعلماء والمفكرين والنخب الثقافية والأكاديمية من مختلف الجنسيات للمساعدة في التوصل إلى العلاج الناجع لظاهرة الإرهاب، وعدم الإكتفاء بالخطط العسكرية لمواجهة هذه الظاهرة. كما لابد من العمل على حل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية وتطوير الجوانب الثقافية في الكثير من الدول التي تصدر العناصر الإرهابية باعتبار أن جزء كبير من الأسباب التي تدعو هؤلاء للإلتحاق بالجماعات الإرهابية نابع من هذه المشاكل.
ويتحمل علماء الإسلام الواعون والمخلصون مسؤولية مضاعفة في الوقت الحاضر لمواجهة هذا الخطر من خلال بيان الوجه الناصع للإسلام كي يفهم العالم لاسيّما الغربي ان الدين الإسلامي لا علاقة له بالإرهاب أو الجماعات التكفيرية والإرهابية التي تتخفى وراء بعض الشعارات الإسلامية كذباً و زوراً لتحقيق مآربها من خلال إستدراج السذج والمنحرفين من شتى بقاع الأرض وإغرائهم بتنفيذ رغباتهم وشهواتهم الحيوانية مقابل قتل وترويع الأبرياء وتحطيم كل ما يمت للإنسانية بصلة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية فضح الجهات التي تموّل وتدعم الإرهاب وفي مقدمتها أمريكا والكيان الإسرائيلي وحلفائهما الغربيين والإقليميين لاسيّما تركيا وقطر والسعودية، لما لذلك من أثر بارز في تعرية حقيقة هذه الأطراف من جهة وبيان حقيقة الجماعات الإرهابية من جهة اخرى.
وهناك أدلة و وثائق كثيرة تثبت إرتباط الجماعات التكفيرية والإرهابية وفي مقدمتها تنظيم “داعش” بالمخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما إعترف به العديد من المسؤولين الأمريكيين ومن بينهم وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة للإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة “هيلاري كلينتون”.
المصدر / الوقت