التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

بين الديمقراطية الإيرانية وديكتاتورية الرياض ( الجزء الثاني ) 

– في الجزء الأول من مقالنا كنت قد تناولت أوجه الديمقراطية في الجمهورية الاسلامية في إيران ومصاديقها التطبيقية على أرض الواقع، بدءاً من حق الشعب بتقرير مصيره، والانتخابات في مختلف أوجهها، وانبثاق كل أشكال السلطة عن الشعب، اضافة لحرية المعتقد والدين وتأدية الطقوس وبناء دور العبادة لأصحاب الديانات المختلفة، فضلاً عن تداول السلطة و تعددية الأحزاب. وفيما يلي سنطرح مسألة نظام الحكم السعودي مع بعض المقاربات التي سيكون بعضها مقارنة مع ما جاء في الجزء الأول.

قبل الدخول في موضوعنا نعرّج على مفهوم طالما سمعناه وهو الديكتاتورية، اذاً ما هي الديكتاتورية؟

في بحث بسيط في بعض الكتب أو المواقع العلمية يمكن إيجاد مطالعات كثيرة حول هذا المفهوم والذي بشكل مختصر يمكن أن نشرح مفهومه العام بأن الديكتاتورية هي شكل من أشكال الحكم المطلق حيث تكون سلطات الحكم محصورة في شخص واحد كالملكية أو مجموعة معينة كحزب سياسي أو ديكتاتورية عسكرية، وللديكتاتورية أنواع حسب درجة القسوة فالأنظمة ذات المجتمعات المغلقة التي لا تسمح لأي أحزاب سياسية ولا أي نوع من المعارضة وتعمل جاهدة لتنظيم كل مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية وتضع معايير للأخلاق وفق توجهات الحزب أو الفرد الحاكم تسمى أنظمة شمولية، ويمكن اعتبارها نسخة متطرفة من السلطوية حيث أن الأنظمة السلطوية لا تتحكم في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية للبلد من الناحية النظرية على الأقل. الأنظمة السلطوية بشكل أدق هي الأنظمة التي لا تحكم وفق أيدئولوجية سياسية محددة ودرجة الفساد فيها أعلى من تلك الشمولية.

السعودية

من السهل جداً تصنيف بعض الأنظمة في بعض دول العالم إن كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية، وذلك لوضوح نظام الحكم فيها، وسهولة استبعاد الكثير من سمات وشروط احدى الصفتين أعلاه، والسعودية هي واحدة من تلك الدول التي صنفت على لسان الكثير من المفكرين والكتّاب والسياسيين الكبار في الغرب بأنها دولة مستبدة ديكتاتورية. ولمقاربة الموضوع بشكل تحليلي مختصر نتناول بعض النقاط الأساسية التي تعتبر من سمات وشروط الأنظمة الديكتاتورية أو الديمقراطية، ونرى توافرها في نظام حكم السعودية أو انعدمها.

سمات الأنظمة الديكتاتورية: وهل هي متوفرة في السعودية؟

بناء جهاز استخباراتي قوي ونشيط يتخلل الشعب. Description: yes

قمع الشعب في الداخل، وشن الحروب على الجوار. Description: yes

تشكيل الشعب بقالب معين، وتدجينه وفق أيدئولوجية معينة. Description: yes

استغلال الدين لتثبيت حكمه. Description: yes

شروط الديمقراطية: وهل هي متوفرة في السعودية؟

وجود دستور محكم وشامل للدولة. Description: no

وجود الانتخابات في الدولة (تكون انتخابات نزيهة يختار الشعب ممثليه بحرية كاملة). Description: no

تكون مؤسسات الدولة مستقلة استقلالاً كاملاً. Description: no

تثقيف الشعب وإطلاق حرية التعليم. Description: no

حرية التعبير والمعتقد. Description: no

اذاً باختصار إن السعودية من تلك الدول الواضح للعيان أنه لا تتوفر فيها أدنى شروط ومقومات الديمقراطية، لذا لنبحث في بعض هذه المقومات والشروط لنرى إن كان العكس صحيحاً.

الانتخابات

من البديهي جداً أن نظام الحكم في السعودية هو ملكي، ولكن السؤال هل هذا النظام الملكي هو شكلي، ويندرج ضمن الأنظمة التي توارثت اسم الأنظمة على مرّ التاريخ أما في المضمون فهي أنظمة ديمقراطية تجري فيها انتخابات دورية لكل أشكال الحكم كبريطانيا مثلاً؟

الجواب هو لا، بل نظامها ملكي تقليدي، أي أن الحكم كله يختصر بيد الحاكم أو الملك، ومن يريد ويختار من حاشيته وأفراد أسرته الملكية. لذا لا يوجد أي شكل من أشكال الانتخابات الشعبية، إلا تلك البلدية التي تُعد بدورها حديثة العهد اذ أنها لا تزال في دورتها الثالثة فقط، وحتى هذه الانتخابات لا ينبثق عنها أعضاء المجلس بالكامل بل جزء منهم فقط والباقي يعيَّنون تعييناً، وقبل هذه الدورة لم يكن يحق للنساء الاقتراع أو الترشح في هذه الانتخابات، وصلاحية الأفراد المنتخبين شكلية جداً قد تصل الى المعدومة، فضلاً عن عدم اقبال المواطنين على هذه الانتخابات التي تعد نسب الاقبال عليها قليلة جداً وهذا معيار آخر على عدم ايمان الشعب بهذه الانتخابات وجدواها وصدقيتها، اذ أن كل منطقة سعودية تعد إمارة، يترأسها أمير من أمراء ال سعود يعينه الملك، وهم بدورهم يعينون المسؤوليين في هذه الإمارة وغالباً ما يكونوا أيضاً من العائلة الحاكمة أو مقربين منهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، لذا يمكن الاستنتاج أنه لا يوجد أي شكل من أشكال الانتخابات الشعبية الواقعية النزيهة.

تشكيل الأحزاب والتيارات أو المعارضة السياسية:

من وجوه الاصلاح والتعددية والديمقراطية هو وجود أحزاب مختلفة في الشكل والمضمون لضمان المنافسة السياسية والمحاسبة ولكن الحكومة السعودية تمنع العمل السياسي داخل أراضيها بما فيه العمل الحزبي وتواجهه بالإعتقال والمحاكمات لكن الأحزاب في السعودية بسبب التضييق عليها في الداخل تمارس عملها السياسي كمعارضة في الخارج أو تمارس نشاطها في الداخل السعودي بشكل سري وغير علني بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية.

والجدير بالذكر أن الكثير من المعارضين وأصحاب الرأي في السعودية لاقوا مصيراً كارثياً من حيث التنكيل والقتل والاستبداد الذي مارسته السعودية عليهم، كان آخرها اعدام الشيخ النمر الذي عارض الحكم في السعودية وطالب بتغييره وجاء اعدامه بعد أعوام من الترهيب والاعتقال للشيخ النمر وكل من يحيط به، هذا فضلاً عن المئات من المواطنين السعوديين الذين لاقوا مصيراً مجهولاً بسبب فتح أفواههم بكلمات ربما لا تعجب الحاكم فقط أو حتى بمجرد تغريدة هنا أو هناك.

حرية التعبير والمعتقد

من الأمور غير المتوفرة أيضاً في السعودية هي العدالة (القضاء العادل)، وحقوق المرأة، وحرية التعبير عن الرأي، وحرية التجمع، وحرية الدين أو المعتقد.

ففي المملكة لا يمكن لأصحاب الديانات الأخرى ممارسة طقوسهم أو الاعلان عن دياناتهم وبناء دور العبادة الخاصة بهم الا اذا كانوا مسلمين، وعلى وجه الخصوص مسلمين “سنة”، لأنه حتى المسلمين من المذاهب الأخرى يمنعون من ممارسة بعض المراسم والشعائر الدينية الخاصة بهم. هذا فضلاً عن منع المرأة عن قيادة السيارة وغيرها من الحقوق البديهية للمرأة في أي دولة أخرى، ناهيك عن انعدام امكانية التعبير عن الرأي في أي مجال كان والعقوبة في حال فعلت قد تصل الى الاعدام. علاوة على وجود نظام قضائي شكلي يدعي اقتباس أحكامه من الاسلام في حين أن أحكامه يجب أن تصب في خدمة العائلة الحاكمة فقط والأدلة على ذلك كثيرة ووفيرة.

صلاحيات الملك حسب قوانين السعودية:

الملك هو رئيس مجلس الوزراء ويعاونه في أداء مهامه أعضاء مجلس الوزراء، ويبين رئيس مجلس الوزراء صلاحيات المجلس فيما يتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية وتنظيم الأجهزة الحكومية والتنسيق بينها. كما يبين الشروط اللازم توافرها في الوزراء وصلاحيتهم وأسلوب مساءلتهم وكافة شؤونهم. ويستطيع الملك ان يعدل نظام مجلس الوزراء واختصاصاته.

كما يعين الملك نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء الاعضاء بمجلس الوزراء (الذين بمعظمهم من العائلة الحاكمة أو مقربين منها) ويعفيهم بأمر ملكي، وللملك حل مجلس الوزراء وإعادة تكوينه. كما يعين الملك من في مرتبة الوزراء ونواب الوزراء. ومن في المرتبة الممتازة، ويعفيهم من مناصبهم بأمر ملكي، ويبين النظام وفقاً لأوامر الملك أو من يعينه أحكام الخدمة المدنية، بما في ذلك المرتبات والمكافآت والتعويضات والمزايا والمعاشات التقاعدية، كما أن الملك هو القائد الأعلى لكافة القواعد العسكرية وهو الذي يعين الضباط وينهي خدماتهم، ويمكنه أيضاً أن يعلن حالة الطوارئ والتعبئة العامة والحرب، وأن يصدر الأنظمة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات ويتم تعديلها أيضاً بموجب مراسيم ملكية … و غيرها الكثير من الصلاحيات غير المحددوة.

باختصار بيد ملك السعودية مع من يعينه من أمراء هم من عائلته بالأصل، كامل الصلاحيات بكل أشكالها وأنواعها المختلفة في حكم المملكة، وهذا طبعاً مصداق آخر على أوجه الديكتاتورية في الحكم، هذه فضلاً عن مصاديق ودلالات عديدة أخرى لم نتطرق إليها لأن ما ورد يكفي لاثبات السمة العامة للحكم في السعودية.

النتيجة

لذا نستنتج من كلا جزئي مقالنا، أن السياسات التي تتبعها المملكة الديكتاتورية داخلياً وبالخصوص خارجياً ما هي إلى سعي لتثبيت شكل الحكم فيها، وإبعاد أي شكل من أشكال الخطر الذي تعارضه سياسات الحكام في هذه المملكة، وعداواتها الخارجية مبنية على ذلك، لا لأن السعوديين يريدون أن ينشروا الديمقراطية في تلك البلدان كما يدّعون، ففاقد الشيء لا يعطيه، والكأس بما فيه ينضحُ.

محمد حسن قاسم
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق