التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

النفط … نعمة حولها الإقليم الى نقمة 

تعاني السياسة الاقتصادية التي تعتمد على النفط في إقليم كردستان من اضطرابات كبيرة وخصوصاً بعد الهبوط الحاد الذي تشهده أسعار النفط حالياً، ومن الممكن بأن تضع هذه السياسة الإقيلم على حافة الهاوية إذا لم تقم حكومة الإقليم باتخاذ إجراءاتٍ إسعافية فعالة تحد من تدهور الأوضاع وانفلاتها ودخولها في نفقٍ يصعب الخروج منه بسهولة وخلال فترة قصيرة.

أعمال التنقيب والحفر والإستخراج وإنتاج النفط والتصدير وعقود بيع النفط في إقليم كردستان العراق كلها لم تمر عبر برلمان الإقليم ولم تخضع للرقابة المطلوبة، ولذلك فقد وقعت الثروات الطبيعية في إقليم كردستان في يد الشركات الكبرى عن طريق توقيع عقود طويلة الأجل ولمدة 25 عاماً.

ووفقاً للخبراء ومراقبون في مجال النفط، يعود القسم الأكبر من الديون التي تثقل كاهل حكومة كردستان العراق إلى مابعد عمليات استخراج وتصدير النفط في الأعوام السبعة الماضية، وحالياً تقوم حكومة الإقليم بالسعي للحصول على المزيد من القروض الأجنبية دون أن يكون لديها حتى أي برنامج أو رؤية واضحة لتسديد ديونها السابقة.

وحسب مسؤلين في حكومة الإقليم بأن ديون الإقليم للدول والشركات الأجنبية بلغت حوالي 20مليار دولار، هذا وتعاني حكومته من عجز في دفع الرواتب للموظفين، إذ أن الحكومة لم تستطع تسديد الأجور ودفع الرواتب لموظفيها للشهر الخامس على التوالي. وتعود بداية أزمة الديون إلى العام 2009 مع بدء استخراج النفط وتصديره.

ووفقاً للدراسات التي أجراها رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان العراقي “أحمد حاجي رشيد” بأن الحكومة العراقية تواجه 81 مليار دولار من الديون الأجنبية، وتبلغ مستحقات الدول الخليجية ما يقارب الـ 40 مليار 700 مليون دولار من مجمل ديون الحكومة المركزية العراقية، ويبلغ حجم الديون الخارجية ما يقارب الـ 15 مليار دولار أمريكي، حيث يعود 12 مليار دولار من الديون الأجنبية إلى ماقبل سقوط النظام السابق. ومن جهة أخرى تعاني الحكومة المركزية من ديونٍ داخلية تبلغ مايقارب الـ28 تريليون و100 مليار دينار عراقي والتي أضيف إليها مؤخراً 2 ترليون دينار عراقي، ليصبح مجمل ديون العراق 81 مليار دولار أمريكي.

وأضاف “أحمد حاجي رشيد” في هذا السياق، بأن الفوائد المترتبة على مجمل ديون إقليم كردستان يبلغ 2مليار و100 مليون دولار أمريكي يعود أغلبها إلى شركة “دانا غاز”.

وقال أمين لجنة الشؤون الاقتصادية الكردي في البرلمان العراقي: بأن أغلب ديون الحكومة المركزية تعود إلى زمن النظام البعثي السابق بينما تعود ديون إقليم كردستان العراق إلى عام 2009 وما بعد البدء بإنتاج وتصدير النفط. واستناداً إلى التقديرات والحسابات، تبلغ حصة كل مواطن عراقي من الديون المترتبة على الحكومة العراقية مايقارب الـ 2500 دولار أمريكي، بينما تبلغ حصة كل مواطن في إقليم كردستان العراق 5000 دولار أمريكي في الحد الأدنى.

والنقطة المهمة في المقارنة بين ديون الحكومة المركزية وحكومة الإقليم ألا وهي العقود الطويلة الأجل للحكومة المركزية، لدى الحكومة العراقية وقتٌ حتى عام 2053 لسداد ديونها بالإضافة إلى حجم الفائدة القليل بالنسبة لهكذا عقود، بينما القروض التي تحصل عليها أربيل تعتبر قصيرة الأجل إذ ينبغي على أربيل تسديد ديونها خلال مدة قصيرة بالإضافة إلى الفوائد الضخمة المترتبة عليها.

ومن جهة أخرى، لدى الحكومة العراقية ميزانية جيدة وبرامج مستقرة ومنسجمة مع الواقع الاقتصادي لسداد ديونها وتسديد مستحقات قروضها، وطبقاً لتلك البرامج تقوم الحكومة العراقية بتسديد 2 مليار و500 مليون دولار من ديونها بالإضافة إلى مليار ونصف من الفوائد المترتبة عليها.

حتى الأن قامت وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان بتوقيع أكثر من 25 مسودة تعاون مع الشركات الأجنبية الكبرى وذلك لاستخراج وإنتاج النفط. مما أثارة موجة انتقادات كبيرة داخل الإقليم على هذه العقود سيما أن مشاكل الإقليم الاقتصادية تعود إلى مثل هذه العقود مع الشركات الأجنبية، وخصوصاً خلال الأشهر القليلة الماضية حيث لم تستطع حكومة الإقليم دفع رواتب الموظفين خلال الخمسة أشهر الماضية.

ومن ناحية أخرى، أيد “شيركو جودت” “رئيس لجنة الطاقة والصناعة في البرلمان الكردستاني” كلام أمين اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي، وأكد على أن أساس مشكلات الإقليم الاقتصادية والديون هي السياسة النفطية الخاطئة.

وأضاف بأن “إدارة قطاع النفط حالياً تسودها إضطرابات كبيرة، وأعمال التنقيب والحفر والإستخراج وإنتاج النفط والتصدير وعقود بيع النفط في إقليم كردستان العراق كلها لم تمر عبر برلمان الإقليم ولم تخضع للرقابة المطلوبة، ولذلك فقد وقعت ثروات الإقليم الطبيعية في يد الشركات الكبرى عن طريق توقيع عقود طويلة الأجل لمدة 25 عاماً”. و”وصف شيركو جودت” إدارة قطاع النفط بالفاشلة وقال: الإضطرابات التي يشهدها قطاع النفط في كردستان هي من العوامل الأساسية التي أدت إلى زيادة ديون الإقليم، وأيضاً لم تأخذ العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية المصلحة الوطنية بعين الاعتبار، مما أدخل عامل الفساد إلى تلك العقود التي كان من المقرر بأن تفيد اقتصاد الإقليم لا أن تضره كما حدث فعلاً كما يقال بأن النفط بدلاً من أن يكون نعمة على إقليم طردستان العراق أصبح نقمة ولعنة تلاحقه.

هذا وقد قام برلمان الإقليم في 2014 بإصدار قانون يجيز للحكومة اقتراض 5 مليار دولار من مصادر أجنبية، ولكن شيركو جودت يقول بأن الإقليم يفتقد حالياً إلى المؤهلات التي تخوله إقتراض مبلغ كبير كهذا، هذا لإنعدام الثقة والاستقرار وأيضاً عدم قدرة حكومة التنظيم على إدارة الأزمات الاقتصادية. وأضاف بأن الإقليم يعاني من مشاكل كثيرة وهو في وضعٍ لا يحسد عليه وهذا هو السبب الحقيقي في عدم رغبة المقرضين إعطاء قروض لأربيل.

يعاني إقليم كردستان من أزمة مالية واقتصادية خانقة اشتدت حدتها منذ عامين وخصوصاً بعد أن اتخذت قيادات الإقليم قراراً بعدم تصدير النفط عن طريق شركة النفط العراقية “سومو” والبدء بتصدير النفط الكردستاني بشكل مباشر إلى المستهلكين، مما دعا الحكومة المركزية إلى اتخاذ اجراءات تأديبية بحق الإقليم حيث قامت بقطع حصة الإقليم من الميزانية العراقية ما أدى إلى تفاقم أزمة إقليم كردستان الاقتصادية بشكل كبير.

ومن جهة أخرى، قام كل من “فرست صوفي” النائب في برلمان الإقليم عن قائمة الحزب الديمقراطي الكردستاني و”غوران آزاد” النائب في البرلمان والممثل للإتحاد الوطني والحزب الكردستاني بتقديم خطة لحل المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الإقليم، حيث تحدثت الخطة فقط عن الديون والمستحقات المترتبة على عاتق الحكومة حيث لم يتم التطرق إلى كيفية سداد هذه الديون وآلية حل المشكلات الاقتصادية.

وفي هذا السياق يقول “غوران آزاد”: بأن حكومة إقليم كردستان ليس لديها أي برنامج أو خطة لحل مشكلة الديون وسداد المستحقات المترتبة عليها، لأنها في الحقيقة غير قادرة على دفع الرواتب للموظفين فكيف تستطيع أن تسدد ديونها الهائلة.

لم تقر حكومة الإقليم أي ميزانية لا في عامي 2014-2015 ولا في هذا العام، وهذا الأمر يعد من العوائق التي تقف في وجه الحكومة ومنعها من سداد ديونها، وأكد “غوران آزاد” بأنه في حال تم إقرار الميزانية العامة يمكننا بعدها أن نضع آلية عمل فعالة تضمن سداد الديون والفوائد المترتبة عليها، ولكن للأسف فإن انعدام وجود قانون يحدد الميزانية العامة هو في ذاته خلل قانوني يمنع من تنفيذ أي خطة في هذا السياق، وأضاف، بأن “تذرع الحكومة بعدم وجود سيولة هو غير صحيح ولا يمت للحقيقة بصلة”.

وسعىت حكومة إقليم كردستان في الأسابيع الماضية إلى اتخاذ سياسة مغايرة لسياستها السابقة من خلال القيام بإصلاحات اقتصادية، ولكن حتى الأن لم تتخذ الحكومة أي قرار بخصوص كيفية سداد الديون الحكومية. وفي السياق نفسه يقول خالد حيدر ” الخبير الاقتصادي، لا تستطيع حكومة الإقليم بأن تسدد ديونها إلا إذا قامت بإصلاح البنية التحتية والهيكل الاقتصادي وخفض النفقات وزيادة الإيرادات.

ويعتقد “خالد حيدر” الأستاذ في جامعة السليمانية بأن القانون الذي أصدره البرلمان الذي يجيز للحكومة الإقتراض سيضع الحكومة في مأزق الفوائد الضخمة، مما سيؤدي إلى الضغط بشكل مضاعف على الاقتصاد وإضعاف الإقليم وسيكون لها تبعات سلبية على الوضع بشكل عام. وتستطيح الحكومة بأن توجد مخرجاً للأزمة الاقتصادية الحالية التي يعاني منها الإقليم في حال استفادت من الطرق العلمية لتقليل النفقات وزيادة الإيرادات، بحيث يمكنها الإستفادة من الفارق بين النفقات والإيرادات لسداد ديونها.

وأشاد حيدر بالخطوات الإصلاحية التي أعلنتها الحكومة حيث قال: بأن خفض التكاليف وزيادة الإيرادات يحتاج إلى بذل جهود كبيرة في هذا المجال، حيث يعتمد تنفيذ هذه الخطة على مدى جدية الحكومة وإصرارها على تلافي الأخطاء السابقة، ولكن في الوقت الحالي تعتبر أولوية الحكومة هي تأمين رواتب الموظفين.

أدى تراكم الديون على إقليم كردستان العراق بالتوازي مع الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الإقليم منذ سنتين إلى توقف العديد من المشاريع التجارية والعمرانية في الإقليم الأمر الذي أدى إلى إيجاد ركود في الأسواق والتجارة المحلية.

ومع كل هذا لا يوجد أفق واضح للخطط والبرامج التي ستعمل عليها حكومة الإقليم لحل أزمتها الداخلية والتخلص من عبیء الديون الخارجية الثقيلة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق