الرسائل التي يحملها تحريك الكيان الإسرائيلي لجبهة ال
يمكن وصف دعم الكيان الإسرائيلي لجماعات الغرب الإستعماري على الأراضي السورية بأنه انتقل مؤخراً من ما وراء الستار إلى المتدخل بقوة، ففيما سبق كان الكيان الإسرائيلي يقدم المعلومات والمال والأجهزة القتالية والتدريب والعلاج في المستشفيات بالإضافة إلى التدخل بسلاح الطيران والصواريخ في أكثر من مناسبة، لينتقل مؤخراً هذا الشكل من الدعم إلى آلية القيادة ووضع الخطط والتي برزت بوضوح أكبر خلال الأيام القليلة الماضية، وهذا خلق واقعاً لهذه الجماعات وبالتحديد على طول الخط الفاصل مع الجولان المحتل من القنيطرة وجوارها إلى الريف الشرقي لدرعا.
آخر ما برز من مخططات دعم الكيان هو قيادة عملية “وإن عدتم عدنا” والتي أطلقتها مجموعة الفصائل والجماعات المنتشرة في القنيطرة وجوارها، المخطط القريب على ما يبدو يهدف إلى السيطرة على بعض مراكز الجيش السوري المنتشرة هناك والإنطلاق من خلال ذلك إلى التقدم بإتجاه استعادة خط الإمداد من درعا وفتح ثغرة نحو الريف الدمشقي. الجدير ذكره أن الجماعات المنتشرة على طول الشريط الموازي للجولان السوري المحتل يصفها الغرب بأنها معتدلة وتمثل شكلاً من أشكال المعارضة السورية وهو ما يجعل من تحركهم الأخير وبرعاية اسرائيلية موضع تأمل. ما سنحاول عرضه هو الحديث عن الأسباب التي دفعت الكيان الإسرائيلي بالإستنفار وتحريك جبهة الجنوب السوري بوتيرة أقوى مما كانت عليه سابقاً.
أولاً: التقدم الملموس للجيش السوري وحلفائه في ريف حلب الشرقي واستعادة منطقة الحرارية وفي ريف اللاذقية الشمالي وإدلب والتقدم على سلسلة جبال الروس والوصول إلى تخوم البلدة الشرقية، وبموازاة ذلك هناك تقدم سوري على خط المصالحات وحالة شعبية متزايدة نحو حلحلة الأمور والتمسك بالجيش السوري كقوة جامعة ورفض للجماعات الإرهابية المدعومة من الغرب الإستعماري، إلى قيام سلاح الطيران الروسي السوري بفتح جبهة وإن ثانوية على تواجد هذه الجماعات في درعا والقنيطرة، كلها أمور أقلقت الكيان الاسرائيلي وجعلته متخوّفاً من أن يفقد ورقته في هذه النقطة الموازية للجولان السوري المحتل، وبالتالي فإن سير المعارك سيؤدي بلا شك إلى استعادة الجيش السوري للمدن الأربع الرئيسية دمشق وحلب وحماة وحمص، وبالتالي الإقتراب من درعا ومجريات الأحداث في الجولان تطرح لدى الكيان الإسرائيلي علامات استفهام عن شكل المنطقة هناك خاصة مع وجود تشكيلات مقاومة ظهرت مؤخراً.
ثانياً: المخطط الإسرائيلي البعيد من دعم الجماعات المنتشرة في درعا والقنيطرة وبالإضافة إلى تشكيل جيش كـ “لحد اللبناني” لحمايته فإنه كان على ما يبدو فتح ثغرة للوصول إلى دمشق من بوابة ريف دمشق درعا القنيطرة، لكن تقدم الجيش السوري على هذه الجبهة أضعف المخطط وهو ما أقلق الكيان الإسرائيلي ودفع به نحو تحريك الجبهة الجنوبية لسوريا.
ثالثاً: استعادة الجيش السوري للشيخ مسكين والتي كانت تعتبر طريق الإمداد الرئيسي للجماعات من درعا بإتجاه القنيطرة، وبعد فشل الجماعات في إعادة السيطرة على الشيخ مسكين وجوارها ومع وجود غارات روسية على الجماعات المنتشرة في محيطها ومع انقطاع الإمدادات عن الجماعات في القنيطرة برزت الحاجة الاسرائيلية لتحريك جبهة الجنوب السوري، وما عزز الأمر هو التوافق الروسي الأردني الذي اثر على غرفة العمليات المشتركة في الأردن والتي تضم اسرائيليين وخليجيين وبالتالي اقتصرت الإمدادات مؤخراً على تقديم المساعدات الغذائية وما شابهها للجماعات الإرهابية هناك من دون المساعدات العسكرية، خاصة وأن الأردن مؤخراً أدرك أنه ومع تقدم الجيش السوري على هذه الجبهة ومع الدعم الروسي فإنه حال سيطرت الجماعات على تلك المنطقة وتمكّنت فيها فإن ذلك سيشكل خطراً بلا شك مستقبلاً على الجانب الشمالي من الأردن من خلال انتقال عناصر الجماعات الإرهابية اليه، أما في حال تمكّنت ضربات الجيش السوري وحلفائه من ضربهم فإن ذلك سيدفع بعناصر الجماعات الإرهابية للهروب نحو الأردن من قسمه الشمالي وبالتالي لتفادي خطر ذلك كان الأردن أمام خيار التعاون مع الجيش السوري في هذا الخصوص.
رابعاً: على أغلب الظن يدرك الكيان الإسرائيلي أن خيار التحرك الروسي في سوريا إلى جانب جيشه وضرب الجماعات الإرهابية فيه بما فيها المنتشرة في القسم الجنوبي هو خيار استراتيجي لا رجعة عنه، ولهذا يرى الكيان أن الحل لتفادي مخاطر هذا التحرك يكمن بتحريك جبهة الجنوب السوري تمهيداً لإجراء اتفاق مع الروس يشمل هذا القسم من سوريا، فالإتفاق الروسي الإسرائيلي لم يتطرق إلى وضع الجماعات المنتشرة في القسم المحاذي للجولان السوري المحتل وعليه فلا مانع أن يلجأ الطيران الروسي مستقبلاً لتحويل هذه الجبهة من ثنوية وضربات محدودة إلى عمليات للقضاء على تواجدهم فيها.
بناءً على ما سبق يمكن اعتبار أن الإنجاز الاكبر الذي حققه الجيش السوري في الجنوب السوري هو المتعلق بإستعادة “الشيخ مسكين” وان القلق الاسرائيلي الأساس هو المتعلق بما ترتب عليه من قطع الإمدادات من درعا باتجاه المسلحين في القنيطرة وما قد يترتب عليه من محاصرة للجماعات على الخط الممتد بين الجولان والقسم السوري وإضعافهم في ريف درعا الشرقي، وما الإعتبارات الأخرى وراء تحريك الكيان للجنوب السوري إلى اعتبارات ثنويّة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق