كيف سعى صدام لتبرير الحرب على ايران ؟!
الوقت- عُقدت في معهد دراسات الشرق الأوسط بالعاصمة الإيرانية طهران ندوة خاصة تحت عنوان “الأمن في الخليج الفارسي.. من الماضي حتى الحاضر” بمشاركة رئيس مركز الدراسات الإيرانية وأستاذ الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن البروفيسور “آرشین أديب مقدم” ورئيس كلية العلوم السياسية في جامعة “ألاباما” الأمريكية البروفيسور”نادر إنتصار”.
وخلال كلمته في هذه الندوة التي جرت عبر الدائرة الفيديوية المغلقة تناول البروفيسور “آرشین أديب مقدم” مفهوم “المشروعية” الذي ذكره في كتابه “السياسة الدولية في الخليج الفارسي” إستناداً إلى الوقائع التي حصلت خلال العقود الأخيرة في الشرق الأوسط، ومن وجهة نظر السياسة الدولية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتطرق “أديب مقدم” في بداية حديثه إلى أهمية التعرف على مفهوم “الشرعية” الذي يعطي الحق لأيّ دولة في رسم وتنفيذ السياسة الخارجية الخاصة بها، مشيراً في هذا الخصوص إلى الحروب التي شهدتها منطقة الخليج الفارسي في العقود الأخيرة، وتحديداً حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق في ثمانينات القرن الماضي، وغزو العراق للكويت عام 1990، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وأضاف بأن صدام عندما شنّ الحرب على إيران سعى إلى تبرير ذلك من خلال إثارة عدّة قضايا بينها قضية تقسيم مياه شط العرب بين البلدين، مستفيداً من الظروف الحرجة التي كانت تمر بها إيران بعد إنتصار ثورتها الإسلامية عام 1979 والظروف الإقليمية والدولية في ذلك الوقت، ودعم الأطراف التي سوّغت له شنّ هذه الحرب ومهّدت الطريق لذلك.
كما سعى نظام “صدام” إلى تحريك بعض العناصر من العرب في محافظة خوزستان (جنوب إيران) لأثارة النعرات القومية والوقوف بوجه النظام الإسلامي الفتي في إيران، في وقت كان يشعر فيه نظام “صدام” أيضاً بالقلق من تحرك السكّان العرب الشيعة ضد حكمه خصوصاً في وسط وجنوب العراق.
وبيّن “أديب مقدم “أن هذه التحركات لم تكن تهدف إلى خلق تبريرات عقلية لشنّ الحرب على إيران فقط؛ بل كانت تهدف أيضاً إلى توفير غطاء “شرعي” دولي لهذه الحرب، وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه من دون توفر أرضية محددة و واضحة لهذا التحرك على الساحة السياسية العالمية. أي بمعنى آخر يجب أن يتبلور مفهوم “الشرعية” لهذه الحرب في إطار المجتمع الدولي، والذي تمثل بعدم إعتراض الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي على شنّ هذه الحرب من قبل نظام صدام.
ومن الإجراءات الأخرى التي كانت تهدف إلى تبرير شنّ هذه الحرب على إيران تمثل بإخراج العراق من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى الدعم الذي حصل عليه نظام “صدام” من بعض الدول العربية لاسيّما المطلة على الخليج الفارسي والتي شكلت فيما بعد “مجلس التعاون” في عام 1981، إلى جانب دعم أمريكا والدول الغربية الحليفة لها لذلك النظام وتزويده بالمعدات والذخيرة اللازمة لصناعة أسلحة الدمار الشامل.
وأضاف أستاذ الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن أن الدعم الذي حصل عليه نظام “صدام” لشنّ هذه الحرب في مطلع ثمانينات القرن الماضي يبيّن ان الحصول على “الشرعية” للقيام بمثل هذا العمل الخطير لم يكن أمراً صعباً ومعقداً في ذلك الوقت، ولم يكن يخضع لمعايير دولية صارمة.
وأعرب “أديب مقدم” عن إعتقاده بأن الإجراءات التي إعتمدها نظام صدام لتبرير حربه على إيران و”المشروعية الدولية” التي حصل عليها في ذلك الوقت هي التي هيّأت له الأرضية وجرأته على غزو الكويت في آب / أغسطس عام 1990. ولكن الدول التي دعمت “صدام” أثناء حربه مع إيران إختلفت نظرتها هذه المرّة، ولم تمنحه “الشرعية” لتبرير هذا الغزو الذي تزامن مع حصول تغييرات أساسية في النظام العالمي والذي تحول فيما بعد من نظام ثنائي القطب إلى أحادي القطب بزعامة أمريكا، والتي عملت على تكريس هذا النظام من خلال تبرير تصرفاتها في الشرق الأوسط عبر محاولة إسباغ “الشرعية الدولية” على هذه التصرفات.
وأشار أستاذ الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن إلى القواعد العسكرية التي أقامتها أمريكا في عدد من دول المنطقة قبل أن تضع الحرب العراقية – الإيرانية أوزارها والمساعي التي كانت تبذلها واشنطن لإسباغ “الشرعية الدولية” على إجراءاتها العسكرية والسياسية في المنطقة والتي تجلت بوضوح خلال الضربة العسكرية الجوية الأمريكية للعراق في 16 ديسمبر / كانون الأول عام 1998 والتي عرفت بإسم “ثعلب الصحراء”، وكذلك الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وأشار البروفيسور “أديب مقدم” في جانب آخر من حديثه إلى أنه ورغم التعاطف الدولي الذي حصلت عليه أمريكا بعد إستهداف مركز التجارة العالمي بنيويورك في 11 أيلول / سبتمبر عام 2001 إلاّ أنها لم تتمكن من الحصول على “الشرعية” الدولية لإجتياح العراق عام 2003، وهو ما أكدته قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة في هذا المجال والتي وصفت هذا الإجتياح بأنه إنتهاك لسيادة بلد مستقل وعضو في الأمم المتحدة، وقد تم دون الحصول على أيّ سند قانوني من المجتمع الدولي.
المصدر / الوقت