الحوار العربي الإيراني؛ أكثر من ضرورة لدرء الفتنة وإنهاء الصراع
شعوب منطقتنا ونحن كجزء منها سئمنا جميعا من إستمرار النزاعات والخلافات السياسية الطاحنة التي غرقت فيها هذه المنطقة منذ أكثر من خمسة أعوام، ولهذا صرنا جميعا نتطلع الی الیوم الذي يحل فيه التضامن والتعاون، بدل الحروب والتناحر وتشهد فيه منطقتنا نهاية سفك الدماء دون رجعة. في هذه الاثناء تقول إيران إنها لا تسعی الی اي توترات مع جيرانها، بل علی العكس من ذلك فانها تدعو هؤلاء الجيران وخاصة العرب منهم الی بدء تعاون مشترك في شتی المجالات، وعلی رأسها المجال الإقتصادي والأمني والسياسي، ناهيك عن التعاون في المجالات الاخری مثل التعاون العلمي والثقافي. لكن وللاسف فان هذه الدعوة من قبل إيران، لم تلق حتی الآن آذاناً صاغية من قبل الكثير من الدول العربية، وذلك بسبب العراقيل التي تصنعها السعودية في هذا الصدد. حيث أدت الخلافات السياسية المصطنعة بين دول المنطقة الی ويلات وكوارث مدمرة علی جميع شعوب المنطقة، واستنزفت الكثير من طاقاتها البشرية والإقتصادية، فيا تری متی نشهد نهاية هذه الخلافات؟
الیوم ايضا لاتزال دول منطقتنا وعلی رأسها سوريا والعراق ولبنان تنزف ليل نهار علی اثر استمرار هذه الخلافات السياسية بين دول المنطقة. وبالرغم من أن إيران تعتقد أن حل أزمات المنطقة لابد أن يمر عبر طاولة الحوار بين جميع دول المنطقة، فانه علی العكس من هذا، لا تبدي السعودية أي مرونة لبدء هذا الحوار. بل لازالت الرياض تصر علی الحلول الامنية والعسكرية التي أودت بارواح الملايين من البشر في هذه المنطقة خلال العقود الثلاثة الاخيرة. وسقط هؤلاء الملايين من الأبرياء في سوريا وقبل ذلك في إيران والعراق من خلال دعم السعودية للجماعات الإرهابية والنظام البائد في العراق، ضد الشعب الإيراني.
السياسات الخاطئة من قبل السعودية، لم تضر بدول المنطقة فحسب، بل إنها باتت تكلف السعودية نفسها عشرات المليارات من الدولارات سنويا، وهذا ما ينذر بوقوع أزمة إقتصادية مدمرة في المجتمع السعودي، في ظل إنخفاض أسعار النفط في الاسواق الدولية.
إذن بما أن استمرار الخلافات بين دول المنطقة وخاصة بين إيران والسعودية، بات يضر بجميع الاطراف، فمن المعقول جدا أن تجلس طهران والرياض علی طاولة حوار مشترك لحلحلة الخلافات بينهما وبالطبع ستزول بعد ذلك معظم الأزمات التي نشهدها الیوم في سوريا والعراق والیمن ولبنان ومناطق اخری. لا شك أن إيران دولة عقلانية ويمكن التوصل معها الی نتائج إذا ما بدأ الطرف الآخر حوارا معها وخير شاهد علی ذلك هو الإتفاق النووي الذي توصلت الیه طهران مع السداسية الدولية.
الكثير من الشخصيات السياسية في منطقتنا باتوا يدعون الی بدء الحوار بين إيران والعالم العربي، نظرا للارضية الخصبة الموجودة بين الطرفين بسبب الكثير من الإشتراكات الدينية والثقافية بين الجانبين، فضلا عن أن إيران والدول العربية جيران لبعضهم البعض منذ آلاف السنين بحكم التصاق الجغرافيا. السيد «محمد البرادعي» المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، دعی خلال تغريدة له علی حسابه في تويتر، الدول العربية الی بدء الحوار مع إيران. وقال البرادعى متسائلا: “هل نستطيع كذلك كعرب أن نبدأ حوارا مع إيران، قد يضم تركيا، لوقف التدمير الممنهج للمنطقة ووضع أسس للأمن الإقليمى، أم أننا سنظل في انتظار جودو؟”.
بالطبع فان البرادعي يعرف الإيرانيين جيدا عندما كان مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خلال مفاوضاته مع الجانب الإيراني حول الملف النووي الإيراني، ولهذا فانه يعرف جيدا أن الحوار مع الإيرانيين من جانب العرب إذا ما حدث، فانه من الممكن أن يصل الی نتائج إيجابية علی غرار ما أنتجته المفاوضات النووية.
إيران وعلی عكس إتهامات بعض الدول العربية لها، فانها لم تحتل أرض أي دولة عربية، أو أرض أي دولة اخری في المنطقة والعالم، بل إنها علی العكس من ذلك تعتبر صمّام الأمان لشعوب المنطقة في مواجهة الإرهاب وأطماع الدول الغربية وكذلك جرائم الكيان الإسرائيلي. لذا فان الحوار بين إيران والعرب فضلا عن أنه سينهي الخلافات السياسية بينهما، فانه سيعود بالكثير من المنافع الإستراتيجية لشعوب منطقتنا، من بينها مواجهة إنخفاض أسعار النفط، أو علی الاقل تزويد دول المنطقة بالبترول رخيص الثمن. وإذا ما إنتهت الخلافات بين إيران والعرب، فان الجميع سيستطيع أن يستفيد من موارده المالیة لغرض التنمية وحل مشاكله الإقتصادية وصرف هذه الأموال علی تنمية قطاعي الصحة والتعلیم في البلاد. بدل أن تهدر هذه الأموال الیوم كما نری من قبل السعودية والكثير من الدول العربية الاخری علی صفقات السلاح، بذريعة مواجهة ما تسميه هذه الدول بـ “الخطر الإيراني”!.
لا شك أن استمرار الخلافات بين العرب وإيران لم يكن في يوم من الايام لصالح أي من طرفي النزاع، بل علی العكس من ذلك فقد كان هذا النزاع فقط يساعد الكيان الإسرائيلي علی مواصلة جرائمه ضد الشعب الفلسطيني. وعلی ما يبدو فان الخلافات السياسية والصراعات العسكرية والأزمات الامنية والمشاكل الإقتصادية الناجمة من هذه الخلافات، جعلت الجميع يشعر بالتعب، ودفع التكاليف الباهضة.
ولهذا صار من الضروري أكثر من اي وقت مضی أن تفكر جميع دولنا بالحوار السياسي فيما بينها علی أساس قاعدة «رابح ـ رابح» فقد ولى زمن نظرية «رابح ـ خاسر» كما سمعنا ذلك علی لسان «محمد جواد ظريف» وزير الخارجية الإيراني، قبل أسابيع، حين كان يتحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن. وبما أن الطرفين الاساسيين في معادلات المنطقة وهما إيران والسعودية، غير قادرين علی التغلب علی بعضهم البعض بسهولة، ويمكن مشاهدة ذلك في فشل السعودية في جميع حروبها في المنطقة، بسبب اصطدامها بالموقف الإيراني، فالافضل للرياض التخلي عن فكرة الصدام وإعتماد فكرة الحوار. وإذا ما قررت الرياض دخول قاعة الحوار مع إيران فانها دون شك ستجد أجواءً من التعاون البناء من قبل الإيرانيين الی أبعد الحدود.
المصدر / الوقت