أمريكا ومؤامرة الانتقام من جماعة الاخوان
دائما ما نسمع الذين لهم تجربة کافية حول السياسات والمواقف الامريكية يتحدثون عن أن أمريكا لم تبق صديقة دائمة مع اي طرف يتخذها صديقة له، وسرعان ما تنتهي الصداقة من قبل أمريكا مع ذلك الطرف، عندما تنتهي المصالح الامريكية. وهذه المواقف من قبل أمريكا تجاه حلفائها لم تكن قضية غير معروفة، بل أنها معروفة للجميع وحتی الامريكيين أنفسهم يصرحون بذلك علنا. عندما شهدت منطقتنا قبل حوالی خمسة أعوام، أحداث سياسية، تم اطلاق مسمی “الربيع العربي” علیها من قبل المنظرين الغربيين، ونحن من جانبنا أسميناها بـ “الصحوة الإسلامية”، حاولت أمريكا أن تقترب الی جماعة الاخوان المسلمين، الی أبعد الحدود، خلال تلك الفترة.
وحتی سعي البعض الی أن يشوه سمعة جماعة الاخوان المسلمين في مصر، علی أنها أصبحت تسير في الفلك الامريكي والغربي علی خلفية تلک العلاقات مع الغرب وأمريکا. واستمرت هذه المساعي من قبل واشنطن للتقرب من جماعة الاخوان وإزدادت حدتها عندما فاز الاخوان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بعد خلع “حسني مبارك” من السلطة علی يد الشعب المصري خلال ثورة الـ25 من يناير.
نعلم جيدا أن أمريكا لا تريد الخير لأي جماعة تحمل إسم الإسلام، حتی إن كانت هذه الجماعة هي جماعة الاخوان المسلمين الموصوفة بالمعتدلة من قبل الدول الغربية آنذاك. لكن وعلی مايبدو فان الامريكيين كانوا يعتقدون بان الامور بعد ثورة الـ25 من يناير قد انقلبت رأسا علی عقب في مصر، ولهذا بات من الضروري جدا ركوب موجة الثورة المصرية من خلال بناء علاقات حسنة مع جماعة الاخوان.
لانه بعد ثورة يناير عام 2011، أصبح الغرب بشكل عام وأمريكا وكذلك الكيان الإسرائيلي بشكل خاص، يخشون أن ترمي مصر معاهدات السلام التي أبرمتها في عهد السادات مع الكيان الإسرائيلي، في سلة المهملات، وهذا سيكون بمثابة إنهيار كامل للأمن في “إسرائيل”. لهذا عملت أمريكا علی إرتداء ثوب الصداقة مع الاخوانيين وجعلت من نفسها أنها ستكون حليفا لهم كما كانت لمبارك عندما كان في السلطة. وللاسف فقد انخدعت الكثير من قيادات الاخوان آنذاك، وصدقوا بان أمريكا أصبحت حليفة داعمة لسياساتهم ليس في مصر فحسب، بل في جميع أنحاء المنطقة، حتی ظن البعض من الاخوان أنه بات بوسعهم أن يشكلوا إمبراطورية اخوانية من خلال الوصول الی السلطة في تونس ومصر وسوريا والیمن وتركيا والكثير من الدول الاخری في العالم العربي والإسلامي.
لكن سرعان ما إنکشفت الخدع الأمريكية وانجلت الحقيقة حتی عرفت جماعة الاخوان المسلمين أنه تم إخداعها من قبل أمريكا ودُس لها السم في العسل، لكن هذه المعرفة من قبل الاخوان حصلت متأخرة جدا وكان الوقت قد فات علیها كثيرا. حيث تآمرت أمريكا علی الاخوان في مصر ودعمت جهات معادية لهم، لينقلبوا علی الاخوان بدعم أمريكي وعربي، وهذا ما حصل بالفعل. حتی وجد الاخوان أنفسهم إما في قفص الاتهام وإما مطاردون ومشردون خارج البلاد حتی الیوم.
وفي غضون ذلك فقد صدّقت اللجنة القضائية في الكونغرس الأميركي قبل عدة أيام على مشروع قرار ينص على لزوم إدراج إسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، في قائمة الإرهاب. و وافقت اللجنة المشار الیها على مشروع القرار بأغلبية 17 صوتا مقابل رفض القرار من قبل عشرة نواب. وزعم في هذا السياق، رئيس اللجنة “بوب غودلاتي” أنه كان من المفترض إدراج جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة في قوائم الإرهاب، بسبب ما اسماه تهديداتها الإرهابية ضد الأميركيين والأمن القومي الأمريكي.
وطالب داعموا هذه المسودة، وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” وكذلك وزيري الخزانة والأمن الداخلي الامريكي، اعتماد جميع صلاحياتهم لوضع جماعة الإخوان المسلمين علی قائمة المنظمات المصنفة بالارهابية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية. وإذا ما تم إقرار هذا المشروع، فسيكون ممنوعا علی أي مواطن أجنبي الدخول الی الأراضي الامريكية، إذا ما ثبت أنه علی صلة بجماعة الاخوان المسلمين، فضلا عن حظر جميع ممتلكات وأموال الجماعة في أمريكا. اللافت في الموضوع هو صمت تركيا وقطر تجاه هذه المساعي الأمريكية لتصنيف جماعة الاخوان ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية. فلحد الآن غير واضحة الأسباب في ما يخص هذا الصمت، وبات الكثير يتسائل هل أن قطر وتركيا أيضا باتوا يشعرون بان جماعة الاخوان أصبحت سلعة منتهية الصلاحية بالنسبة لهم؟.
وفي النهاية نقول أنه بالرغم من أن جماعة الاخوان المسلمين أصبح دورها السياسي مهمشا، بفعل ما تعرضت له من مؤامرة داخلية وخارجية، لكن لازالت هذه الحركة ورغم سجن معظم قياداتها وخروج الكثير منهم الی خارج مصر، لكن رغم كل ذلك، فان الحركة لازالت تحظی بمكانة رفيعة في المجتمع المصري ولها الملاين ممن يناصر سياساتها داخل وخارج مصر. ولهذا فلا يمكن إعتبارها جماعة إرهابية من قبل أمريكا، بسبب هذه الشعبية المليونية التی تؤيدها في معظم دول العالم خاصة في مصر.
المصدر / الوقت