التنسيق السعودي الاسرائيلي : حاجة ملحة للتأمين استمرارية الطرفيين
بقي التعاون السعودي الإسرائيلي سرياً، لسنواتٍ طويلة، لسببٍ يعود لحماية مصالح الطرفين. فمن جهة بقيت السعودية تروج لنفسها كدولةٍ إسلامية عروبيةٍ، تسعى لقيادة وتعزيز مكانتها في العالمين العربي والإسلامي. أما بالنسبة للكيان الإسرائيلي، فهو كان يستفيد من سياسة الرياض من جهة، ويسعى للإبقاء على سرية علاقته بها من جهةٍ أخرى. لكن اليوم، فقد أضحى الطرفان في موقعٍ يحتاج فيه الواحد للآخر. وهو الأمر الذي تؤكده تسريبات الصحف الإسرائيلية والروسية، عن زياراتٍ متبادلة جرت في الآونة الأخيرة بين الطرفين، وهدفت للتنسيق المباشر لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية. فماذا في خروج العلاقات السعودية الإسرائيلية للعلن؟ وأين تكمن المصلحة المشتركة بينهما؟
خروج العلاقات الى العلن، والهدف الإسرائيلي
كشفت تل أبيب، عبر القناة العاشرة وبعد سماح الرقابة العسكرية الإسرائيلية بذلك، عن زيارة قام بها وفدٌ رسمي إسرائيلي رفيع للرياض قبل أسابيع، جاءت ضمن سلسلة من الزيارات المماثلة للمملكة في الفترة الأخيرة. ويأتي هذا الإعلان في ظل التطورات الأخيرة على الساحتين السورية والإقليمية، مما يجعل مصالح الجانبين مشتركة، كما بات أعداؤهم مشتركين. وهنا فإن الهدف الواضح من إعلان الزيارة، جاء لرفع العلاقات من مستواها السري الى العلني، وجعل ذلك واقعاً مُرسخاً على الصعيد العربي. خصوصاً في ظل وجود إيمانٍ أسرائيلي بضرورة التنسيق مع من تعتبرهم حلفاءها من العرب. الى جانب محاولة تل أبيب الترويج لمساعيها فيما يخص القضية الفلسطينية، مع من تعتبرهم “دول الإعتدال العربي”، مما قد يمكنها من فرض تسوية على السلطة الفلسطينية من دون تنازلات إسرائيلية. فيما يبقى التساؤل حول المصالح المشتركة بين البلدين.
أين تقع المصلحة المشتركة، بين الرياض وتل أبيب؟
لا شك بأن التحولات الإقليمية والدولية، أعادت خلط الأوراق وبالتالي أظهرت حالةً جديدة من الإصطفافات. فيما يبدو واضحاً، تواجد الطرفين الإسرائيلي والسعودي، على نفس الجبهة. وهنا نُشير للتالي:
– يمكن القول بأن المصالح المشتركة تتقاطع بين البلدين اليوم على الصعيد الإقليمي تحديداً. فلم يعد الكيان الإسرائيلي كما كان من قبل، لا سيما بعد حروبه الخاسرة في لبنان وفلسطين. كما أن السعودية فشلت في حروبها في كلٍ من سورية واليمن. في ظل منطقةٍ عادت فيها إيران الى واجهة القيادة. لينظر كلا الطرفين، السعودي والإسرائيلي الى التطورات الإقليمية والتي لا تصب في مصلحته. واشنطن لم تستطع أن تُرسِّخ هيمنتها في المنطقة. روسيا أصبحت لاعباً إقليمياً ودولياً أكبر. إيران أضحت محط إحترام الطرف الأمريكي، واهتمام الطرف الروسي. محور المقاومة أصبح أقوى. والرهانات في سورية واليمن سقطت. وبالتالي فلا مهرب من التنسيق بين الرياض وتل أبيب.
– وهنا فإنه وعلى الرغم من التعاون السعودي الإسرائيلي، واقتناعهم بالتراجع الأمريكي، فالضعف في قدرتهم يتجلى في عدم استطاعتهم الخروج عن السياسة الأمريكية. بل يتعاطى الطرفان بمنطق واشنطن، وينتقلان معها الى سياسة الإحتواء ومحاولة غربلة الواقع الحالي، منعاً للخسائر وليس تحقيقاً للإنجازات. وبالتالي فإن الإعتراف بالدور الروسي، لم يغب عن الطرفين. في حين يبدو أن الرضوخ للصعود الإيراني، أضحى أيضاً من المسلمات.
– وبالتالي فإن الخيارات التي يملكها كلٌ من الطرفين الإسرائيلي والسعودي محدودة. مع الأخذ بعين الإعتبار سياسات الطرفين التي تختلف في التكتيك، والتطبيق. بينما يبدو واضحاً، بأن تل أبيب ومنذ العدوان السعودي على اليمن، باتت تُرحِّب بشكلٍ علنيٍ بالأداء السعودي، وصولاً الى حد استغلاله. لكن الرياض باتت مُقتنعةً أيضاً، بأنها لم تعد تملك ميداناً رحباً للمناورة. في ظل اختلافاتها مع الأطراف العربية الأخرى. وهو ما قد يكون السبب الأساسي في محاولة ترجمة السعودية لسياستها، في الميدان السوري، في وقتٍ ظهرت الى العلن بوادر، بإسقاط خيمة الإستقرار عن لبنان، وإدخاله في معمعة الجنون السعودي.
– وهو ما يمكن من خلاله استنتاج السبب الذي يدفع الطرفين اليوم، لرفع وتيرة التنسيق بينهما. فيما يجد الطرفان بأن السعي للنيل من حزب الله، يمكن أن يكون الخطوة الأكثر فعاليةً، تماشياً مع الخطوط الحمراء الأمريكية. فليس خفياً الدور المركزي لحزب الله في كل من الأزمة السورية والحرب على اليمن. وهو الأمر الذي ساهم في تغيير المعادلات في الميدان. وتحديداً على الصعيد السوري، فنجاحات حزب الله كانت السبب الأساسي في تأهيل الأرضية للتدخل الروسي. وبالتالي فإن الإنتقام من حزب الله، يُعتبر مُبرراً لدى الطرفين، لما ساهم في إلحاقه بمشاريعهم من هزائم.
– لذلك يبدو جلياً بأن محاولات تطويق حزب الله، تأتي في هذا السياق، في حين يسود الحذر الطرف الأمريكي، الرافض لضرب استقرار لبنان. بينما يُرحب بكل ما يمكن أن يُضعف حزب الله. في وقتٍ تختلف فيه القراءات حول إمكانية نجاح ذلك.
إذن يبدو جلياً حجم المصالح المشتركة التي يمكن أن تجمع الطرفين السعودي والإسرائيلي. على الرغم من وجود العديد من القراءات حول نجاعة ذلك. فيما يبدو حزب الله الطرف الأكثر ملايمةً، لوجوده قاسماً مشتركاً يُرحِّب الطرف الأمريكي بضربه. فيما أسقطت السعودية مشاريعها العربية، وداست على القضية الفلسطينية، وباعت شعوب المنطقة لأجل مغامراتٍ قد تساهم في تأمين استمراريتها. بينما يمكن القول أن كل تلك المخططات لن تنجح ولمن يراهن عليها، فعليه أن يُدرك بأنه، لا يُجيد الحسابات الدقيقة.
المصدر / الوقت