مصالح روسيا في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.. الفرص والتحديات
تحظى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأهمية خاصة لدى روسيا، وتضاعفت هذه الأهمية في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد التغييرات التي طرأت على العديد من دول المنطقة لاسيّما العربية وبالأخص سوريا وتحديداً منذ إندلاع الأزمة في هذا البلد قبل نحو خمس سنوات.
وتنبع هذه الأهمية من عدّة عوامل يمكن إجمالها على النحو التالي:
1 – منع الدول الغربية بقيادة أمريكا من الإستحواذ على مقدرات المنطقة في إطار ما يسمى “مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” الذي طرحته واشنطن بعد غزوها للعراق عام 2003.
2 – منع إنتشار خطر التنظيمات الإرهابية في عموم المنطقة خشية وصوله إلى داخل روسيا عن طريق الجماعات المتطرفة التي تعشعش في العديد من دول آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز ومن بينها الشيشان.
3 – التنسيق مع الدول النفطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف السيطرة على أسعار النفط في الأسواق العالمية، باعتبار ان روسيا تمثل أحد أهم البلدان المصدرة للنفط والغاز إلى الدول الأوروبية.
4 – تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أهم المناطق في العالم في مجال شراء الأسلحة والتقنيات النووية الروسية في ظل التنافس الشديد الذي تسعى الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا لكسبه في هذا المجال. وتجدر الإشارة هنا إلى أن موسكو تسعى بالدرجة الأولى لبيع السلاح والتقنيات النووية الحديثة إلى الدول التي تربطها معها مصالح مشتركة في المنطقة، لكنها لازالت تواجه مشاكل في هذا المجال بسبب علاقة الغرب القوية بالعديد من دول المنطقة لاسيّما دول مجلس التعاون.
5 – تسعى روسيا لمواجهة التحالف الغربي – العربي الرامي إلى إسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد الحليف الإستراتيجي لموسكو في المنطقة. وتجلت هذه المساعي في الآونة الاخيرة بالمشاركة الواسعة للقوات الروسية في ضرب الجماعات الإرهابية المعارضة لحكومة الأسد والتحرك الدبلوماسي الواسع في المحافل الدولية والإقليمية للحيلولة دون تحقق مساعي الغرب والدول الإقليمية الحليفة له الرامية إلى إسقاط الحكومة السورية بقيادة الأسد.
6 – عززت روسيا علاقاتها مع العديد من دول غرب آسيا لاسيّما ايران لمواجهة المشروع الغربي بقيادة أمريكا في المنطقة، كما طرحت العديد من المبادرات الدبلوماسية لتسوية الأزمات في هذه المنطقة لاسيّما في اليمن الذي يتعرض لعدوان سعودي – أمريكي متواصل منذ أكثر من 11 شهراً لمنع تفاقم الصراع في الشرق الأوسط والذي يهدد مصالح روسيا في هذه المنطقة.
7 – سعت موسكو إلى إقناع العواصم الغربية والإقليمية التي لها علاقات غير مباشرة مع التنظيمات التكفيرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للحيلولة دون إنتشار خطر هذه التنظيمات في عموم المنطقة والذي يهدد كذلك مصالح روسيا في هذه المنطقة.
من خلال قراءة هذه المعطيات يتبين أن روسيا جادّة في مواصلة مساعيها لتعزيز دورها الدبلوماسي والعسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلاّ إنها تواجه العديد من التحديات والعقبات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف من بينها صعوبة التوفيق بين الأطراف المتنازعة في المنطقة، وقلّة عدد الدول المتحالفة معها في هذه المنطقة مقارنة مع عدد الدول المتحالفة مع الغرب.
كما تواجه روسيا عقبة آخرى تتمثل بعدم قدرتها على إقناع بعض دول المنطقة لاسيّما دول مجلس التعاون وفي مقدمتها السعودية بشأن أسعار النفط في الأسواق العالمية بسبب رضوخ هذه الدول للإملاءات الغربية لاسيّما الأمريكية التي تعمل على خفض أسعار النفط لتحقيق مصالحها على حساب دول المنطقة.
ويعتقد الكثير من المراقبين ان روسيا باتت تسعى لفرض نفسها كقوة لا غنى عنها على الصعيدين الإقليمي والدولي انطلاقاً من إدراكها لعدم وجود ما تخسره أمام الغرب، تمهيداً لإرساء نظام عالمي جديد يحترم إرادة موسكو وقدرتها على لعب دور مهم في رسم المعادلات السياسية والعسكرية والأمنية والإقتصادية في المنطقة والعالم ويخشى في الوقت ذاته من ردّة فعلها في حال تم تجاهلها أو كانت هناك مساعٍ لتحجيم دورها وتقليص نفوذها إقليمياً ودولياً.
من هنا يمكن التوصل إلى نتيجة مفادها أن روسيا لا يسعها أن تتخلى عن لعب دور مؤثر وفعّال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شتى المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والعسكرية بعد أن تمكنت من إستعادة نفوذها وهيبتها في هذه المنطقة الحساسة والمهمة من العالم، خصوصاً وأنها تعد الأقرب جغرافياً وجيوبولوتيكياً لهذه المنطقة ويهمها كثيراً عودة الأمن والإستقرار إلى ربوعها كونه يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على أمنها واستقرارها، فضلاً عن إنه يوفر الأرضية المناسبة لتحقيق مصالحها على المديين القريب والبعيد والتي تضررت كثيراً نتيجة محاولات الدول الغربية لاسيّما أمريكا للإستحواذ على مقدرات هذه المنطقة.
المصدر / الوقت