جنوب سوريا والحلم الامريكي الجديد
تتحدث الاوساط السياسية في هذه الايام عن ايجاد منطقة حظر طيران في سوريا بالاتفاق بين روسيا وامريكا ورغم ان صحة هذه المعلومات لم تتأكد بعد لكن في حال حدوث هذا الامر فإن الملف السوري سيشهد تطورا نوعيا.
ان الغرب كان يريد في البداية فرض منطقة حظر للطيران في شمالي سوريا لكن بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري والقوات الحليفة معه في غرب حلب في عمليات نصر لم يستطع الغربيون تنفيذ هذه الخطة في الشمال والان ربما يريدون تنفيذها في الجنوب في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء بهدف الامساك بالملف السوري من جديد مع العلم بأن هذه المناطق محاذية لفلسطين المحتلة وهي قريبة ايضا من العاصمة السورية دمشق.
يحاول الامريكيون الان ايهام الروس بأن حظر الطيران في الجنوب يختلف عن حظر الطيران في الشمال بعدما كان الروس قد اعلنوا ان حظر الطيران في الشمال يشكل خطرا على دمشق، لكن في الحقيقة لا يوجد هناك فرق بين منطقي حظر الطيران هاتين وان امن الكيان الاسرائيلي ايضا ليس في خطر هناك لأن سوريا ظلت ملتزمة بوقف اطلاق النار مع الكيان الاسرائيلي في الجولان وجبل الشيخ كما التزم حزب الله ايضا بهذا الامر بشكل عام، ومن جهة اخرى يمكن الجزم ان الجماعات المسلحة مثل جبهة النصرة ايضا لم تشكل تهديدا لامن الكيان الصهيوني الذي يداوي جرحى هؤلاء المسلحين في مستشفياته في الجولان وقد انتشرت صورهم في وسائل الاعلام.
ان الامريكيين يستغلون الان العلاقات التاريخية بين روسيا والكيان الاسرائيلي لأنهم يعلمون ان موسكو تولي اهمية لعلاقاتها مع تل ابيب على عكس علاقاتها مع انقرة، فالكيان الاسرائيلي الذي يعيش فيه 2 مليون يهودي روسي بامكانه ان يمارس الضغط على روسيا في هذه القضية وعبر كبار قادة الصهاينة في العالم، ومن جهة اخرى يظن الروس ان علاقاتهم مع الاسرائيليين تنظم علاقاتهم مع العرب وتعطيها قيمة عالية ولذلك نجد بان الروس يرغبون دوما في اللعب بهذه الورقة.
ان جنوب سوريا يختلف اساسيا مع شمالها واذا استطاع الامريكيون فرض منطقة حظر طيران في المحافظات الجنوبية في سوريا فإن عدد اللاعبين الدوليين في هذا المجال سيقل وهذا سيساعد الامريكيين على التفرد بالقرار وحينها سيتمكن الامريكيون من التخلص من دور الاتراك والاكراد وداعش والعلويين لأن جنوب سوريا بيئة عربية بحتة وان حذف باقي القوميات عن اللعبة يوفر امكانية ادارة اللعبة بشكل افضل للامريكيين.
لكن طرح موضوع حظر الطيران في جنوب سوريا في هذا الوقت بالذات له اهمية خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار فزع الاسرائيليين من الانتصارات التي حصلت في عمليات نصر في شمال سوريا وقد اعلن القادة الاسرائيليون معارضتهم الصريحة لحل الاوضاع في سوريا لصالح الرئيس “بشار الاسد” فلذلك نجد ان الامريكيين يغيرون الان جغرافيا التهديد لكنهم يحافظون على اصل هذا التهديد و رغم هذا لاتزال هناك شكوك قوية حول جدية الامريكيين في فرض منطقة حظر للطيران في جنوب سوريا.
وقد تطرق الامريكيون الى دور الدول الاخرى في هذا المشروع وخاصة الاردن ويقول الامريكيون أنهم سيوكلون مهام ادارة هذه المنطقة للاردنيين في النهاية لتكون الترتيبات الامنية هناك تجري بالتنسيق بين الاردنيين والاسرائيليين واذا حصل هذا الامر فمعنى ذلك هو تمدد الكيان الاسرائيلي لعشرة آلاف كيلومتر مربع اضافية داخل الاراضي العربية وحينها سيعلم الجميع ان زج اسم الاردن في هذه اللعبة كان بهدف التمويه فقط وان الامر هو اعطاء هذه الاراضي والسيادة عليها للكيان الاسرائيلي.
ورغم هذا كله يجب القول ان ايجاد منطقة لحظر الطيران في جنوب سوريا ليس بالامر السهل فصحيح ان روسيا لعبت دورا بارزا في منع فرض منطقة حظر الطيران في شمال سوريا لكن دور ايران والقوى الاقليمية ايضا كان بارزا في هذا المجال ولذلك اذا عارض الايرانيون فرض منطقة حظر الطيران في جنوب سوريا فإن اقامة تلك المنطقة لا يمكن تحقيقها، كما ان الاردنيين ايضا ليسوا راغبين للتدخل في الملف السوري وقد ابلغوا هذا الموقف للمسؤولين السوريين مرارا وتكرارا.
ان محور المقاومة والممانعة يعتبر اقامة منطقة حظر الطيران مؤامرة كبيرة وقد استعد هذا المحور لضرب هذا المشروع كيفما كان وهنا يجب على المسؤولين الروس ان يدركوا ان لافرق بين الشمال والجنوب وان الهدف الغربي الاساسي من وراء هذا المشروع هو اسقاط النظام السوري بعمليات مشتركة.
المصدر / الوقت