عملية الموصل ومغامرة إبعاد الحشد الشعبي؛ ماذا ستكون العواقب؟
ليست هي القوة العسكرية التي يمتلكها تنظيم داعش الإرهابي، هي التي مكّنته من الاستيلاء علی مدينة الموصل وكذلك البقاء فيها منذ إحتلالها في منتصف عام 2014 حتی الیوم، بل هي الخلافات السياسية التي يعاني منها العراق منذل غزوه عام 2003 علی يد القوات الأمريكية، هي السبب الرئيسي التي مزقت العراق ومكّنت تنظيم داعش من دخول الموصل والمكوث فيها حتی هذه اللحظة. ولاتزال هذه الخلافات الشائكة بين مختلف المكونات السياسية العراقية تعترض أي خطة يتقدم بها الجيش لتحرير مدينة الموصل من لوث عناصر داعش. الاكراد لهم طموحاتهم وأهدافهم الخاصة من تحرير الموصل، والأمريكان كذلك، كما للحكومة العراقية أيضا مخطط ومشروع يختلف مع الآخرين حول تحرير الموصل. ومادامت هذه الخلافات سارية، ستظل داعش تعبث دمارا وفسادا بالموصل. إذن كيف يمكن إنقاذ الموصل من داعش وعودة هذه المدينة الی سيادة الحكومة العراقية؟.
الحكومة العراقية تصر علی لزوم تواجد قوات الحشد الشعبي في عملية تحرير الموصل القادمة وهي محقة في ذلك، وبالرغم من أن الجيش العراقي تمكن أن يستعيد الرمادي ودون السماح لقوات الحشد الشعبي أن تشارك في معركة الرمادي، لكن عمليات إستعادة الموصل ستختلف تماما عن الرمادي وذلك بسبب أن مدينة الموصل أكبر من الرمادي أربع مرات. لذا فان عناصر داعش والذي يقدر عددها علی أقل تقدير بـ عشرة آلاف عنصر، منتشرون في مختلف مناطق الموصل الشاسعة، ولهذا فان القضاء علی عناصر داعش، يحتاج الی الكثير من القوات العراقية، وفي حال عدم مشاركة قوات الحشد الشعبي، فانه من المحتمل أن تكون الخسائر في صفوف القوات العراقية أكثر من المتوقع.
للاسف فان بعض دول المنطقة وعلی رأسها تركيا والسعودية، وبسبب قضايا طائفية، وكذلك أمريكا، تعمل علی منع مشاركة قوات الحشد الشعبي في عملية تحرير الموصل، دون أن تكون مببرات مقنعة لهذه الدول، لكي تبرر بها مساعيها لمنع الحشد عن المشاركة، خاصة اننا نعلم أن قوات الحشد هي قوات عراقية وتتشكل من مختلف النسيج العراقي، لهذا لا يوجد مبرر لإستبعادها عن عملية تحرير الموصل.
هنالك من يقول أن الاكراد ايضا لا يريدون مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل وذلك بسبب مساعي محتملة من قبل الاكراد للاستيلاء علی بعض مناطق الموصل بعد تحريرها من داعش لتكون مناطق تحت نفوذهم، بهدف ضمها الی اقليم كردستان العراق لاحقا. وبالاضافة الی الاكراد، تتداول بعض المحافل أنباء تتحدث عن أن الدول السنية مثل تركيا والسعودية أيضا لها أهداف تشبه الاهداف الكردية، حيث أنهم يريدون تمزيق وحدة أراضي العراق، من خلال تشكيل اقليم سني علی نحو الاقليم الكردي، وإنطلاقا من هذا، تسعی مثل هذه الدول الی عدم السماح للحشد الشعبي بالمشاركة في عمليات تحرير الموصل، حتی يتسنی لها العمل علی تشكيل هذا الاقليم السني باعتبارة مقدمة لتجزئة العراق.
جميع هذه الاطراف التي تسعی الیوم الی عدم السماح للحشد الشعبي بالمشاركة في عمليات تحرير الموصل، ستكون مسؤولة عن أي فشل يحدث في مساعي الجيش العراقي لتحرير هذه المدينة. وكذلك ستكون مسؤولة عن كل قطرة دم تسقط من قوات الجيش العراقي. لان كل ما كانت قوات الجيش العراقي أقل عددا في مقاتلة داعش، باطبع فانها ستتحمل مزيدا من الخسائر البشرية. من يتطلع في أهداف قوات الحشد الشعبي للمشاركة في عمليات تحرير الموصل، يتضح الامر امامه أن اهداف هذه القوات ليست طائفية او حزبية، بل أنها أهداف وطنية بامتياز، تهدف الی الحفاظ علی وحدة العراق.
قائد ما يعرف بقوات “التحالف الدولي”، “كريستوفر كارفر” زعم أن 30 الفا من القوات العراقية تستعد لبدء معركة الموصل ضد تنظيم داعش. وستشارك بضعة آلاف من قوات البيشمركة الكردية أيضا في هذه العمليات. حيث خاطبت القوات العراقية سكان الموصل من خلال اسقاط منشورات علی سكان المدينة نهاية الاسبوع الفائت، إن “قوات أمنكم أنهت معركة الرمادي لصالح العراق، والآن تستعد للمعركة الأكبر (تحرير الموصل)… كونوا على استعداد”. في خضم ذلك فقد أعلن “عكيد كلاري” أحد قيادات حزب العمال الكردستاني ان قوات البيشمركة والقوات الحكومية العراقية لا تستطيع تحرير الموصل بمفردها!، وهذا إعتراف صريح يؤكد احتمال فشل العمليات القادمة ضد داعش في حال عدم مشاركة قوات الحشد الشعبي فيها.
حتی إذا أردنا ان نقبل بان تنظيم داعش بات يشعر بشيء من الضعف وتقلصت مصادره المالیة الی حد ما، ويمكن الاستشعار بذلك من خلال دفع مرتبات أقل مما كان يدفعها لعناصره خلال الشهور الماضية، بسبب تضيق طوق الحصار علیه من قبل الجيش العراقي، لكن هذا لا يعني أن معركة تحرير الموصل ستكون سهلة، بل علی العكس من ذلك فان معظم عناصر داعش يعرفون أن الطرق مغلقة أمامهم ويصعب عليهم الفرار من الموصل، وأن الموت ينتظرهم، فانهم مضطرون علی القتال بشراسة إذا ما بدأت المعركة، ولهذا يجب الاستعداد جيدا لمعركة تحرير الموصل. وبناء علی هذا فكل ما كانت عناصر الجيش العراقي المشاركة في عملية الموصل أكبر، كل ما كان إحتمال حسم المعركة أسرع وفي وقت أقصر، لذا نعود ونكرر مرة اخری أن مشاركة الحشد الشعبي في هذه العملية أكثر من ضرورة، ومن يعوق هذه المشاركة فانه سيكون المسؤول عن أي خسارة او فشل يحدث، لا سمح الله.
المصدر / الوقت