كيف نشأ تيارا ( 8 آذار ) و ( 14 آذار ) في لبنان
تنقسم القوى السياسية في لبنان بين تیارین أساسيين، هما (14 آذار/مارس) و(8 آذار/مارس)، وتعود التسمية إلى تاريخ الحدث المؤسس لكل تيار، حيث أقام التحالف الأول تظاهرة كبرى في ذلك التاريخ عام 2005، بعد صدور دعوات تطالب سوریا بالخروج من لبنان، إثر إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فرد التحالف الثاني بتظاهرة مضادة.
وفیما يلي نبذة مختصرة عن كلا التيارين:
تيار (8 آذار)
نشأ هذا التيار بعد إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان، وذلك عندما أقامت الأحزاب التي تربطها علاقة مع سوريا مظاهرة حاشدة بتاريخ 8 أذار/مارس للتعبير عن شكرها وتقديرها لما قدمته سوريا للبنان والمقاومة في دفاعها عن التراب اللبناني.
ويضم تيار (8 آذار) قوى شيعية وأحزاباً مسيحية ودرزية وسنيّة من أبرزها:
(حزب الله) الذي تأسس عام 1981 ويقوده السيد حسن نصر الله، وهو التشكيل الأكبر والأقوى تنظيماً وعسكرياً في لبنان، وخاض عدّة مواجهات ضد قوات الكيان الإسرائيلي إنتهت بتحرير جنوب لبنان من الإحتلال عام 2006. وقرر حزب الله دخول الحياة السياسية في لبنان بشكل مباشر عام 2005.
حركة أمل: تأسست عام 1975 على يد الإمام السيد موسى الصدر، ويقودها نبيه بري منذ عام 1980، كما يرأس بري مجلس النواب اللبناني منذ عام 1992.
تيار المردة: تأسس عام 1968 على يد آل فرنجية في مدينة زغرتا، معقل المسيحيين الموارنة شمالي لبنان، ويقوده الآن سليمان فرنجية.
التيار الوطني الحر: بزعامة ميشال عون، وإنضم هذا التيار إلى تحالف (8آذار) بعد توقيعه إتفاق 6 فبراير/ شباط 2006 مع حزب الله.
الحزب الديمقراطي: تأسس عام 2001، لتأطير الشريحة الدرزية المؤيدة لما يعرف بـ”التيار الأرسلاني” في سياق الإنقسام التاريخي للدروز بين نفوذ عائلتي جنبلاط وأرسلان، ويقود الحزب الآن طلال أرسلان.
كما يضم تيار(8 آذار) مجموعات أخرى مثل تيار التوحيد والحزب السوري القومي الإجتماعي ورابطة الشغيلة وجبهة العمل الإسلامي.
تيار (14 آذار)
يضم هذا التيار في صفوفه قوى سنيّة ودرزية ومسيحية، أبرزها “تيار المستقبل” بزعامة سعد الحريري و”القوات اللبنانية” بزعامة سمير جعجع و”حزب الكتائب” بزعامة الرئيس السابق أمين الجميل. ويتلقى هذا التيار الدعم من عدد من الدول في مقدمتها فرنسا وأمريكا والسعودية.
كما يضم تيار “14 آذار” كلاً من حركة اليسار الديمقراطي، وحركة التجدد الديمقراطي، ولقاء قرنة شهوان، وحزب الوطنيين الأحرار، والكتلة الوطنية اللبنانية. وكان “الحزب التقدمي الاشتراكي” بزعامة وليد جنبلاط في مقدمة مؤسسي هذا التيار إلاّ أنه إنسحب منه معلناً حياده السياسي بعد أحداث 7 أيار وإنتهاء إنتخابات 2009.
ونتيجة للإنتخابات التي جرت عام 2005، حصلت قوى “14 آذار” على غالبية نسبية من مقاعد البرلمان، علماً أنها خاضت هذه الإنتخابات بالتنسيق مع (حزب الله) في بعض المناطق، تحت شعار “منع الإحتقان المذهبي.”
وتجدر الإشارة إلى أن الإنقسام السياسي في لبنان لم يشهد خروقات واضحة طوال السنوات الماضية، بل تمترس كل طرف ضمن تحالفاته، بإستثناء خروج “التيار الوطني الحر” بزعامة ميشال عون من تحالف (14 آذار) وإعلانه التفاهم مع (حزب الله) الذي يقود قوى (8 آذار).
النظام السياسي في لبنان
نظام لبنان السياسي هو نظام جمهوري توافقي توزع فيه المناصب الأساسية بنسب محددة بين أعلام الطوائف المختلفة، وهو قائم على مبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية). وبحسب الدستور اللبناني يختار الشعب ممثليه في البرلمان عن طريق الإقتراع السرّي مرة كل 4 سنوات. ويقوم البرلمان بدوره بإختيار رئيس الجمهورية كل 6 سنوات لفترة رئاسية واحدة لا تمدد. ويقوم رئيس الجمهورية بتسمية رئيس مجلس الوزراء بعد إستشارة النواب.
والتطبيق الفعلي لنصوص الدستور شابته العديد من الإشكاليات التي تراكمت مع مرور الزمن ليمر لبنان بعدّة محن خصوصاً الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 بالإضافة إلى الإنقسام السياسي الحاد القائم منذ تاريخ 2005 مروراً بأحداث حرب تموز 2006 والإعتصام المدني في وسط بيروت بين أعوام 2006 و2007 و2008 إلى ما جرى في 5 أيار 2008 وما تبعها من أعمال عسكرية في 7 أيار 2008 ثم إتفاق الدوحة، وأخيراً تباين الأطراف اللبنانية في تعاطيها مع الأزمة السورية. كل هذه الأحداث تظهر مدى هشاشة النظام السياسي اللبناني.
ويدخل النظام الحزبي اللبناني عموماً في إطار النمط التنافسي التعددي، لكن ما يمكن ملاحظته بشأن دراسة الظاهرة الحزبية اللبنانية هو كثرة الأحزاب والتنظيمات التي تعددت وتشعبت بشكل واسع جداً، بفعل عوامل عديدة، تاريخية أو طائفية، عقائدية أو خارجية، إلى درجة يصعب معها وصف النظام الحزبي في لبنان بالتعددية مقارنة بالنماذج القائمة في البلدان الديمقراطية المتطورة، ولكن بنظام “التفتت الحزبي” أو ما يسمى “التشرذمية الحزبية”.
ومن الصعب كذلك تصور أنّ لبنان سيبقى بمنأى عن أيّ ترتيبات سياسية قد تطال بؤر التوتر في المنطقة، وبالتالي قد تشكل الإصطفافات الجديدة التي شهدها لبنان أرضية لقيام نظام جديد فيه عاجلاً أو آجلاً. وهذا لا يعني بالضرورة الذهاب إلى واقع دستوري جديد، وإن كان ذلك وارداً بطبيعة الحال.
وفي وقت لا تبدو فيه الأحزاب والأطراف السياسية المؤثرة في لبنان لاسيّما تياري (14 آذار) و(8 آذار) مستعدة للتخلي عن متبنياتها وآرائها السياسية، وعدم إمكانية الذهاب إلى نظام “هجين” بين هذين التيارين على قاعدة التسويات الرئاسية المطروحة، سيبقى لبنان في دوّامة الخلافات السياسية طالما بقيت شروط التسوية المعلنة غير كافية لنيل رضا كافة الطوائف، ناهيك عن إختلاف أولويات الأطراف المعنية على النحو الذي تعكسه الترسيمات الطائفية والمذهبية والأزمات المتلاحقة، كأزمة المطامر الصحيّة، ما يجعل إبرام التسوية السياسية في هذا البلد أمراً بعيد المنال.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق