إلى أين تسير تركيا في ظل تفاقم الأزمة بين أردوغان والمعارضة؟
بعد الإضطرابات التي شهدتها تركيا خلال الأيام الماضية على خلفية إستيلاء الحكومة على صحيفة “زمان” أكبر الصحف إنتشاراً في البلاد وفرض الوصاية على وكالة “جيهان” التركية للأنباء، قدّم حزب الشعب الجمهوري المعارض شكوى تتهم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بالتواطئ مع “حزب العمال الكردستاني” المصنف كمنظمة إرهابية.
وذكرت صحيفة “حريت” التركية أن حزب الشعب الجمهوري إتهم كبار مسؤولي حزب “العدالة والتنمية” وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، ورئيس جهاز المخابرات التركي “هاکان فیدان” بتقديم الدعم لحزب العمال.
كما نشر نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري “بولنت تزجان” وثائق رسمية تشير إلى دعم حزب أردوغان للتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وعلى رأسها تنظيم “داعش”، واضعاً ذلك في خانة الخيانة الوطنية.
وذكر تزجان في مؤتمر صحفي عقده في محافظة أيدين أن حكومة أردوغان نجحت في جر تركيا إلى جحيم الشرق الأوسط، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه يمتلك وثائق تثبت حصول لقاءات سريّة بين مسؤولي حزب “العدالة والتنمية” وزعيم حزب العمال الكردستاني “عبد الله اوجلان” القابع في السجن منذ سنوات.
وعرض تزجان محاضر تحقيق تتضمن إفادات المدعي العام “عزيز تاكجي” الذي سمح بتفتيش شاحنات جهاز المخابرات التركي التي تم توقيفها في مدينة “أضنة” التركية بعد التبليغ عن حملها السلاح والذخيرة للمجموعات الإرهابية في سوريا.
وجاءت شكوى حزب الشعب الجمهوري بعد إتهام رئيسه “كمال كليجدار أوغلو” لحكومة أردوغان بالتدخل السافر والخطير في الشؤون السورية الداخلية وإنتهاج سياسات طائفية في المنطقة.
وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو قدم في وقت سابق طلباً للبرلمان لرفع الحصانة عن نواب حزب “الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد من أجل محاكمتهم بتهمة دعم “حزب العمال الكردستاني” والدعوة لمسيرات إحتجاجية. ومن شأن هذه الخطوة أن تزيد التوتر في جنوب شرق تركيا الذي يغلب على سكانه الأكراد، والذي شهد أسوأ موجة عنف منذ عقدين بعدما إنهارت الهدنة بين الحكومة وحزب العمال في يوليو/تموز الماضي2015.
ويعتقد المراقبون أنّ أردوغان يستخدم قوانين الإرهاب لإسكات منتقديه، واصفين إقتحام الشرطة لمقر صحيفة “زمان” بأنه “يوم عار” لحرية الصحافة في تركيا، لافتين إلى أن الحكومة التركية تسحق حقوق الإنسان من خلال محاولاتها الرامية إلى السيطرة على الأصوات المنتقدة.
وذكرت مصادر تركية أنّ كبار الكتاب في صحيفة “زمان” يتوقعون القبض عليهم وإتهامهم بالإرهاب ضمن حملة الحكومة الآخذة في الإتساع لقمع الخصوم السياسيين والإعلام، مشيرة إلى أن رئيس تحرير الصحيفة “عبد الحميد بيلتشي” تم إعتقاله بشكل مؤقت، فيما نقل عن “بولينت كينز” أحد كتّاب الأعمدة في الصحيفة قوله بأنه يتوقع أن يتم القبض عليه في أي لحظة. وفي وقت سابق أصدرت محكمة تركية حكماً بسجن صحفي 21 شهراً، بتهمة إهانة أردوغان ووصف الحكومة بالفاسدة.
وكانت صحيفة “زمان” وهي ثالث صحيفة يتم كبت صوتها خلال 6 أشهر. قد نشرت في وقت سابق خبر القبض على مذيع بالإذاعة بسبب إنتقاده لأردوغان في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، كما نشرت تحقيقاً حول القصر الرئاسي الذي كثيراً ما يتعرض للإنتقاد.
وقبل إقتحام الشرطة لمقرها كانت صحيفة “زمان” قد أصدرت آخر طبعة مستقلة لها بعنوان “تعليق الدستور في تركيا” في إشارة إلى المادة 30 من الدستور التركي التي تنص على أنه لا يمكن مصادرة ومنع عمل المؤسسات الإعلامية بأي حال من الأحوال. وقبل ذلك نشرت الصحيفة عنواناً كبيراً على صفحتها الأولى يقول “يوم عار لحرية الصحافة في تركيا”.
وتتزايد مخاوف منظمات حقوق الإنسان بشأن التضييق الشديد على حرية الإعلام في تركيا. وقالت منظمة العفو الدولية إن حكومة أردوغان تسحق حقوق الإنسان من خلال محاولاتها المستمرة للسيطرة على الأصوات المنتقدة.
كما إنتقدت منظمات حقوقية أخرى سياسة حكومة أنقرة في التعامل مع المعارضة بإعتبارها تشكل انتهاكاً صارخاً للحريات، وسط تحذيرات من قدوم أيام صعبة في تاريخ الإعلام والصحافة التركية.
في غضون ذلك ذكر “أحمد كاباتاي” رئيس جمعية الصحفيين الأحرار التركية أن هناك العديد من الإعلاميين والكُتّاب رفعت بحقهم دعاوى قضائية من قبل السلطات، مشيراً إلى أن الإعلام الذي ينتقد الحكومة هو الآن أمام أبواب المحاكم، وأن من يمكنه الحديث عن المشهد السياسي في البلاد هو الإعلام الموالي فقط.
ويؤكد المراقبون أن أردوغان إنتهك الدستور التركي بشكل علني، مشيرين إلى أنه رفع 1845 دعوى قضائية ضد الصحفيين الذين إنتقدوا سياساته محققاً بذلك رقماً قياسياً لم يعرفه أي رئيس تركي سابق.
وتجدر الإشارة إلى أن قوات الأمن التركية واصلت قمع المحتجين أمام مقر صحيفة “زمان” بعد إقتحامها، وأمطرت المتضامنين معها وبينهم برلمانيون بالقنابل المسيلة للدموع. ووصف المراقبون هذا الحادث بالنقطة السوداء في تاريخ الصحافة التركية وخطوة أخرى نحو الديكتاتورية.
وقال أحمد ممتاز الصحفي في موقع “اودا تي في” الإخباري التركي إنّ من يرفض الخضوع من الإعلاميين لسياسة أردوغان يدفع الضريبة غالياً، إمّا بالحبس أو الطرد من العمل، واصفاً حرية الإعلام الآن في بلاده بأنها تحت الصفر.
في السياق ذاته تصاعد الحراك الطلابي في الجامعات التركية في مواجهة القمع الذي تمارسه حكومة أردوغان على المعارضة، مؤكدين رفضهم لسياساتها الداخلية في شتى المجالات وتورطها في سفك دماء شعوب المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا.
في هذه الأثناء ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أنّ القرار الوحيد الذي يحترمه الرئيس التركي هو قراره فقط، مشيرة إلى أن المشاكل التي يتعرض لها أردوغان هائلة بسبب تناقضات سياسة حكومته الداخلية والخارجية.
وقالت “الغارديان” إنّ تركيا ترزح الآن تحت رحمة رجل يتمتع بمزاج سيئ ويتعاطى مع أيّ تحد أو إنتقاد برغبة في الإنتقام أكثر من أي وقت مضى، حيث تتعرض المؤسسات الصحفية المرئية والمكتوبة للترهيب بلا إستثناء، وبات كل صحفي لا يروق للمسؤولين مهدداً بالإعتقال أو الطرد من الوظيفة.
المصدر / الوقت