” ترامب ” من مزحة الى مرشح جدي !
يبدو أن الانتخابات الأمريكية هذه السنة ليست كمثيلاتها مما سبق، فالسياسات الأمركية في المنطقة شهدت تحولات ملفتة أثناء ولاية الرئيس الأمريكي الحالي “باراك أوباما” من حيث سعيها للإبتعاد عن أي صراع عسكري خارجي قدر الممكن و سحب قواتها من دول مختلفة، بالإضافة إلى انفتاح أمركيا على دول طالما كانت تكن العداء لها ككوبا و ايران مثلاً، و مع اقتراب هذه الحقبة من النهاية بانتهاء عهد “أوباما” يظهر لدى الأمريكيين توجهات مستجدة تظهر من خلال النتائج التمهيدية للانتخابات الرئاسية الأمركية، من خلال تقدم ملحوظ للمرشح المثير للجدل “دونالد ترامب”!
من هو “دونالد ترامب”؟
“دونالد جون ترامب” ولد في 14 يونيو 1946، هو رجل أعمال، وملياردير، وشخصية تلفزيونية، ومؤلف أمريكي، ورئيس منظمة ترامب العقارية، ومقرها في الولايات المتحدة. يدير عدة مشاريع وشركات مثل منتجعات ترامب الترفيهية ومؤسسها، التي تدير العديد من الكازينوهات، والفنادق، و ملاعب الغولف، والمنشآت الأخرى في جميع أنحاء العالم ، كما انه ضالع في المشاريع العقارية.
ساعد نمط حياته ونشر علامته التجارية وطريقته الجريئة بالتعامل مع السياسة في الحديث، على جعله من المشاهير في كل من الولايات المتحدة والعالم، و كان له اهتمامات شخصية مختلفة مثيرة للجدل كالمصارعة الحرة، و تشبثه بتسريحة شعره التي رفض تغييرها طوال مسيرته الاعلامية، بالاضافة الى الكثير من المؤلفات التي تعتبر جزءاً من سرد لتجاربه الشخصية و نصائح مستندة لذلك.
ترامب المرشح المزحة
المثير للجدل، المتطرف، الذكوري، المتحرش، الخطر الارهابي و غيرها الكثير من الصفات التي اطلقت على المرشح للرئاسة الأمريكية “دونالد ترامب”، و لكي نفهم لما “ترامب” اعتبر مجرد حالة ظرفية و مدعاة للسخرية في الكثير من وسائل الاعلام العالمية، يمكن باختصار ذكر بعض التصريحات و التلميحات التي قالها ترامب أو قيلت عنه أو نسبت اليه لنعرف لما لم يحمله أحد على محمل الجد في البداية و اعتبر مجرد مزحة.
المسلمون إرهابيون: زعم “ترامب” مرارا أن الآلاف من العرب الأميركيين كانوا يحتفلون في ولاية نيو جيرسي بعدما اصطدمت طائرتان ببرجي التجارة العالمي. ويقول إن مثل هذه المظاهرات العامة “تقول لكم شيئا” عن المسلمين، و اعتبر أنه يجب أن يكون هناك مراقبة على المساجد في الولايات المتحد و يعتقد ترامب أنه يجب على القائمين على تنفيذ القانون تتبع المسلمين كمبادرة لمكافحة الإرهاب،
الدعوة للعنف و التعذيب: يعتبر “ترامب” أنه يجب أن تستخدم الولايات المتحدة الإيهام بالغرق وغيره من أساليب “الاستجواب القوي” في حربها ضد الارهاب، وقال إن هذه الأساليب “بسيطة” بالمقارنة مع التكتيكات المستخدمة من قبل المتشددين، مثل قطع الرؤوس.
قانون ضرائب غريب: كما يدعو “ترامب” الى قانون ضرائب غريب جداً لا يدفع فيه الشخص الذي يتقاضى أقل من 250 الف دولار سنوياً أي ضريبة للدولة، اضافة لتسهيلات غريبة للشركات و المستثمرين، اضافة للدعوة الى محاكمة أصحاب صناديق التحوط و فاحشي الثراء باعتبارهم لا يدفعون ما يكفي من الضرائب بالاستناد الى القوانين الحالية.
التمييز العنصري و العرقي: ظهرت في تصريحات “ترامب” الكثير من التلميحات لخلفيته العنصرية اتجاه المسلمين المهاجرين و خاصة المكسكيين و السوريين و من أبرز هذه التصريحات دعوته إلى بناء جدار على الحدود مع المكسيك باعتبار أن المكسيكيين القادمين إلى الولايات المتحدة هم مجرمون إلى حد كبير على حد وصفه، وقال إنهم يجلبون المخدرات ويرتكبون الجرائم، فضلا عن أنهم مغتصبون، و اعتبر أن الجدار الفاصل لن يمنع المهاجرين غير الشرعيين من دخول البلاد فحسب، لكنه سيمنع دخول المهاجرين السوريين أيضا. ويعتقد “ترامب” أنه يتعين على المكسيك المشاركة في تكلفة بناء الجدار، والذي تشير تقديرات إلى أنها تتراوح بين 2.2 مليار و13 مليار دولار، كما يجدر الذكر أن “ترامب” صرح بأشياء عنصرية اتجاه النساء عندما أهان مذيعة باستحقار النساء لأجل دورتهن الشهرية، كما انه وجه الكثير من الاهانات لمنافسته “كلنتون” التي أعتبرته متحرشاً بالنساء لاحقاً.
الترحيل الجماعي لنحو 11 مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة:اعتبر “ترامب” أنه يجب أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ على الرغم من الانتقادات التي تقول إن هذه الفكرة تعكس كره الأجانب من جهة وباهظة التكاليف من جهة اخرى.
اعتبار حركة “حياة السود مهمة” مزعجة: يسخر “ترامب” من المرشحين الديمقراطيين بسبب الاعتذار لأعضاء الحركة الاحتجاجية ضد وحشية الشرطة ويصف نفسه كمرشح مؤيد لإنفاذ القانون. وقال ذات مرة عن الحركة الناشطة: “أعتقد أنهم يبحثون عن المتاعب”. وكتب أيضا تغريدة مثيرة للجدل يقول فيها إن الأمريكيين من أصل أفريقي يقتلون البيض والسود بمعدلات أعلى بكثير من معدلات قتل البيض أو ضباط الشرطة للسود.
إني فاحش الثراء: يعتبر “ترامب” نفسه فاحش الثراء و أن القيمة الحقيقة لثروته أكثر بكثير مما يقال فاعتبر أن ثروته ليست 2.5 مليار و ليست 4 مليارات كما ذكرت فوبس إنما تبلغ أكثر من عشرة مليارات دولار و الغريب أنه يفاخر بذلك لدعم حملته الانتخابية.
عدم قبوله بمكافحة تغيير المناخ: يعتبر “ترامب” أنها خدعة و لا يجب الالتفات لها و أنها تضع قيود أمام تطور الشركات و تضعفها.
العالم سيكون أفضل حالا إذا كان “صدام حسين” و”معمر القذافي” ما زالا في السلطة؛ قال “ترامب” إنه يعتقد أن الوضع في كل من ليبيا والعراق أسوأ بكثير مما كان عليه تحت حكم الحاكمين المستبدين. وبينما يعترف بأن “صدام حسين” كان رجلا مخيفا، قال “ترامب” إنه قام بعمل أفضل لمواجهة الإرهابيين، كما اعتبر أن السلام بين الكيان الصهيوني و فلسطين ضرب من المستحيل تحققه.
البابا “فرنسيس”: “ترامب” لا يمكن أن يكون مسيحياً
قال البابا “فرنسيس” الذي تحدث عند عودته الى الفاتيكان من زيارة للمكسيك إن “دونالد ترامب”، الساعي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، لا يمكن ان يكون مسيحيا لأن الذين يتكلمون عن تشييد الجدران بدل الجسور لا يمكن لهم ان يدّعوا انهم مسيحيون كما اعتبر إن ما يقوله “ترامب” ليس من الانجيل بشيء.
هذا و يجدر التطرق الى أن “ترامب” وصف بـ: “هتلر عصرنا” مرّات عدة خلال حملته الانتخابية نتيجة لمواقف و تصريحات قام بها و وجدها العالم شبيهة و متطابقة في بعض الأحيان مع مواقف “هتلر” سابقاً.
هذا اضافة للعديد من التصريحات المثيرة للجدل و الغريبة كتصريحاته عن حجم اليد و قدراته الجنسية و غيرها من الأشياء التي لم يعتد العالم سماعها من مرشح رئاسي، ما جعله عرضة للسخرية و المزاح و اعتبر فورة ستخمد مستقبلاً، و لكن هل هذا الذي حصل أم أن “ترامب” بات قريباً من الرئاسة؟
وضع “ترامب” الحالي، هل هو قريب من الرئاسة؟
في اخر مستجدات الرئاسة فاز السيناتور “تيد كروز” في الانتخابات التمهيدية عن الحزب الجمهوري، والتي عقدت في وقت سابق الأسبوع الماضي في ولاية أيوا الأمريكية، متقدما على “دونالد ترامب” بأربع نقاط. أما في أروقة الحزب الديمقراطي، فقد أعلن رسميا عن فوز “هيلاري كلينتون” بفارق بسيط جدا على منافسها الرئيسي بيرني ساندرز، فحققت 50 في المائة من الأصوات، مقابل 49 في المائة ذهبت لساندرز.
ويبدو أن شخصية ترامب المثيرة للجدل، وتواجده المستمر عبر منصات التواصل الاجتماعي فشلت في التغلب على الأسلوب التقليدي لتيد كروز في انتخابات أيوا، إذ حاول الأخير لأشهر الوصول إلى المتدينين من الأمريكيين، وكسب أصواتهم. هذا في ما يخص ولاية أيوا فقط. اذ فاز “ترامب” في سبع ولايات وهي ألاباما وأركنساس وجورجيا وماساتشوستس وتينيسي وفيرجينيا وفيرمونت.
فالنتيجة التي حققها “ترامب” إلى حد الآن في الانتخابات التمهيدية تعتبر مفاجأة بحد ذاتها، فلا أحد كان يتصور أن تثمر جدلية “ترامب” و غرابته كل هذا الكم من الأصوات، فقدرته على مضايقة المرشحين الآخرين في العديد من الولايات الأمريكية و التي حقق فوزاً كاسحاً فيها تعد علامة استفهام أمام المستقبل الغامض الذي ستؤول اليه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اذ كيف لشخص أقل ما يمكن وصفه بالمتطرف أن يتمكن من جمع كل هذا الرأي العام حوله و ينافس على الرئاسة؟ هل هي مسرحية ستنتهي فصولها قريباً؟ أم أن القرار جدي للشعب الأميركي بتحدي كل الأشكال التقليدية السابقة للحكم بجعل “ترامب” رئيساً؟
محمد حسن قاسم
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق