ماذا تريد ” الفدرالية أمريكية” من محور المقاومة
يكثر الحديث في الآونة الاخيرة عن مشروع تقسيم سوريا تحت عنوان الفدرالية الموسعة التي تمنح الأقاليم حكماً ذاتياً، قد يحفظ في المراحل الأولى ما بعد “الفدرلة”، شكلياً، وحدة الدولة السورية، إلا أن هدفه الغائي تفتيت البنية السورية.
المشروع الجديد الذي يتصدّر عناوين البحث في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن سوريا وتشارك فيها الدول الكبرى، بات يطرح بجديّة اليوم بغية تحقيق جملة من الأهداف التي عجزت الدول الكبرى عن تحقيقها بشكل كامل عبر العدوان العسكري، سواءً في سوريا، العراق أو اليمن.
كما أن حرب تموز في لبنان عام 2006 لم تكن بعيدة عما نشاهده اليوم، إن فدرلة العراق جاء في السياق الذي يرمي لتقطيع أوصال محور المقاومة الذي يبدأ من طهران، ويمرّ في دمشق وبيروت ليصل إلى بغداد وصنعاء. من هنا، ينظر البعض لأمريكية العدوان السعودي على اليمن بإعتبار أنه يصب في الخانة نفسها، تحقيق الأهداف الأمريكية وتقطيع أوصال محور المقاومة.
لم يكن تزامن الحديث عن فدرلة سوريا، مع ما نقلته وزراة الخارجية الأمريكية عن الوزير كيري قوله السبت في الرياض حول “إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن على غرار الترتيبات التي طبقت في سوريا” من قبيل الصدفة، بل تسعى أمريكا التي تتقن فنّ المفاوضات أن تحقّق في السلم ما لم تستطع تحقيقه في الحرب بغية إضعاف دول المنطقة عموماً، ومحور المقاومة على وجه الخصوص. لذلك، فإن الحديث الأمريكي اليوم يهدف للإصطياد في الماء العكر وتفتيت دول المنطقة، ليس سوريا والعراق واليمن فحسب، بل السعودية وليبيا وغيرها من الدول الإقليمية.
قد يحاول البعض أن “يجّمل” لأمريكا مشروعها من حيث يدري أو لا يدري، ولغاية في نفس يعقوب، وهذا ما شاهدنا بوادره عبر التأكيد على غياب الأفق السياسي وأن المخرج الوحيد اليوم، أو أفضل الموجود الفدرالية الأمريكية، وكذلك القول بأن الفدرالية لا تعني التقسيم بل الحفاظ على سلامة اراضي سوريا من أجل بقائها كدولة واحدة كما هو الحال في أمريكا وألمانيا. هذا يعني أن ما فشلت أمريكا في تحقيقه خلال الحرب ستسعى لتحقيقه عبر الغرف الناعمة، وبالتالي، لا بد للشعب السوري أن يستمر في معاناته ولكن ضمن طار أقاليم متناحرة على أساس طائفي أو عرقي تمتد لعشرات السنين.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: من الخاسر من هذا المشروع ومن الرابح من ذلك؟
إن كافّة دول محور المقاومة تعد الخاسر الأكبر من أي مشروع تقسيم للمنطقة، فضلاً عن الشعوب العربية والإسلامية التي سيتم تقسيمها على أساس طائفي وعرقي بغيض. الدول الخليجية عموماً، والسعودية على وجه الخصوص تعد من الدول الخاسرة لأن نار التقسيم تحت عنوان الفدرالية ستصل إلى أثوابها. تركيا، أيضاً مرجّحة للأمر ذاته خاصّة أن الأكراد اليوم سواءً على الأراضي التركية أو في الشمال السوري باتوا يشكلون كابوساً مميتاً للرئيس التركي رجب طب أردوغان. روسيا، تعد أيضاً من الدول الخاسرة نسبياً لأن إضعاف سوريا يعني إضعاف آخر قواعدها في المنطقة.
وأما الرابح من مشروع التقسيم أو الفدرلة، فرغم أن أمريكا تعد عرّابة التقسيم وأحد أبرز المستفيدين، إلا أن الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من هذا المشروع الأمريكي الذي يبني جداراً عازلاً ومنيعاً يساعد على ديمومة الكيان الإسرائيلي في بيئة “غير حاضنة”. وأما فيما يخص البيئة غير الحاضنة فإن أمريكا عمدت إلى إستخدام سياسة “إيران فوبيا” أو “شيعي فوبيا” و”مقاوم فوبيا” لدفع بعض الدول الإقليمية في مقدّمتها تركيا والسعودية نحو الكيان الإسرائيلي، وبالتالي إيجاد بيئة إسرائيلية مناسبة.
بين هذا وذاك، يجب أن تبقى الكرة في ملعب الشعوب التي يحق لها تقرير المصير، وهذا يعني كسر المشروع الأمريكي الذي يؤسس لـ”سايكس بيكو” جديد تدرك هذه الشعوب ويلاته معاناته. من صبر طيلة هذه السنوات عليه أن لا ييئس في الربع ساعة الأخيرة، وكما كان الشعب السوري، سنداً للحكومة والرئيس والدستور في هذه الحرب الكونية، عليه أن لا يتركه وحيداً على طاولة المفاوضات حتى لا تمتد يد الغدر الإسرائيلي، لوضع سوريا على سكّة التقسيم البغيض.
المصدر / الوقت