عندما يكون القضاء وسيلة للسرقة ؛ كيف ذلك !
لا يتوقف العداء الأمريكي تجاه الشعب الإيراني سواء إنتهت أزمة الملف النووي المصطنعة أم لا، او كانت هنالك مفاوضات أم لم تكن هنالك مفاوضات. ومن يرصد الخصومة الأمريكة تجاه الشعب الإيراني يجد أن هذه الخصومة لم تتوقف لحظة واحد منذ إنتصار الثورة الإسلامية في إيران منذ عام 1979 حتی الیوم. هذا العداء الأمريكي له سبب واحد وهو أن الشعب الإيراني قرر أن يكون سيد نفسه ويكون حراً دون أن يسمح لواشنطن أن تتلاعب بمصيره وتنهب ثرواته. وتمثل هذا العداء الأمريكي تجاه إيران في الكثير من المحطات التاريخية خلال هذه الحقبة، بدء من تحريض النظام البعثي العراقي البائد ليشن عدوانا واسعا علی إيران في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، مروراً بفرض حصار شاملا وخانقا علی الشعب الإيراني، وصولا الی بذل كافة الجهود الممكنة لحرمان إيران من حقها في إمتلاك تقنية الطاقة النووية السلمية. ناهيك عن دعم الإرهاب ضد إيران ومئات القضايا العدائية الأخری التي صدرت عن واشنطن ضد طهران. ودون أن نتطرق الی سجل العداء الأمريكي الحافل ضد إيران، دعونا نتحدث فقط عن آخر صفحات هذا السجل، والتي تمثلت في الحكم القضائي الذي أصدرته محكمة أمريكية قبل أيام، يطالب طهران بدفع “غرامة” او “تعويضات” مالیة تتجاوز الـ10 مليارات دولار. إذن هل توجد أدلة دامغة تم إصدار الحكم بناءً علیها أم أن الحكم كان سياسيا ووسيلة لسرقة الأموال الإيرانية المحتجزة لدی واشنطن، وكذلك أداة لإثارة الخوف من إيران؟.
من يراجع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ويعود قليلا بالتاريخ الی الوراء، يتذكر جيدا أن هذه الأحداث جرت علی يد مجموعة من الإرهابيين دون أن تكون لإيران دخلا في الموضوع لا من قريب ولا من بعيد. ولم نسمع في يوم من الايام أيا من المسؤولين الأمريكيين وجهوا إتهاما مباشرا لإيران بأن كان لها يد في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وذلك بسبب عدم توفر أي أدلة يمكن الاستعانة بها لتوجيه إتهام لإيران. لكن بعد مرور حوالی 15 عاما علی تلك الأحداث المريرة، ظهر علینا القضاء الأمريكي فجأة ليقول أن إيران مسؤولة عن أحداث الـ11 من سبتمبر!، وعليها أن تدفع مايزيد علی 10 مليارات دولار كتعويضات!.
بالطبع فان واشنطن تعلم علم الیقين أن طهران سوف لم تدفع فلسا واحدا جراء هذه الإتهامات والسبب في ذلك يعود الی أن طهران لم يكن لها دخل في تلك الأحداث التي تمت الإشارة الیها آنفا. إذن لماذا بادر القضاء الأمريكي لإصدار هذا الحكم ضد إيران؟.
الشيء الوحيد والمؤكد أن هذا الحكم القضائي سيكشف الوجه الحقيقي لأمريكا بالنسبة للشعب الإيراني، خاصة أن هنالك فئة قليلة في إيران تدعوا الی الاقتراب الی أمريكا وطي صفحات الماضي بعد الاتفاق النووي، بعد أن تصورت هذه الفئة خطأ أنه يمكن الوثوق بأمريكا ويمكن السماح لها لتعود ثانية الی إيران، بعد أن قطعت طهران علاقاتها الدبلوماسية مع واشنطن بداية إنتصار الثورة الإسلامية في إيران.
كما أن هنالك من يقول أن أمريكا تحاول من خلال إصدار هذا الحكم، إلتهام الأموال الإيرانية المحتجزة لدی واشنطن، بعد ما تعهدت باسترجاعها الی إيران، بعد توقيع الاتفاق النووي. والهدف من ذلك هو الحيلولة دون أن تصل هذه الأموال لإيران لان واشنطن تعلم أن طهران ستوظفها لمعالجة مشاكلها الإقتصادية، ولاحداث تنمية إقتصادية بنيوية شاملة في البلاد، وهذا ما تخشاه واشنطن تماما.
إيران لم تتأخر في الرد علی الحكم الذي أصدرته محكمة أمريكية ضدها، حتی أعلن “حسين جابري انصاري”، في آخر تصريح له في هذا السياق أن الحكم يعتبر تبعية عمياء للخطط الصهيونية لإثارة الخوف تجاه إيران، مؤكدا أن واشنطن متواطئة وشريكة في إصدار هذا الحكم. وأضاف أنصاري”ان هذا الحكم مثير للسخرية وعبثي حتى انه يستهزئ بمبدأ العدالة ، وكذلك يشوه سمعة الجهاز القضائي الامريكي اكثر من ذي قبل”. مضيفا “ان مثل هذه الاحكام تحمل رسالة خطيرة جدا وذات مغزى الى الارهابيين وداعميهم الذين يقتلون براحة بال الشعب الامريكي وشعوب العالم ، بانه ردا على جرائمكم لن نحاربكم وانما سنستهدف اكثر اعدائكم قوة وتأثيرا”.
القضية المهمة جدا في الحكم القضائي الذي أٌصدرته واشنطن ضد طهران، هو أن هذا الحكم سيكون غطائا شرعيا أمريكيا يغطي الجريمة ويحمي المجرمين الحقيقيين الذين إرتكبوا هذه الجريمة البشعة (نقصد أحداث 11 سبتمبر). حيث أن الإرهابيين المسؤولين عن أحداث 11 من سبتمبر سيكونون في مابعد في الهامش وفي مأمن تام إذا ما تمت دغدغة مشاعر عوائل الضحايا بانهم علی موعد من إستلام الملايين من الدولارات، كتعويض عن اقربائهم الذين افتقدوهم في هذا الحادث. إذن فان إتهام إيران بقضية لم يكن لها أي دخل فيها، والسعي الی مصادرة أموالها المحتجزة عبر هذا الإتهام، يعتبر محاولة للسرقة في وضح النهار من قبل القضاء الأمريكي، وكذلك خيانة كبری بحق الشعب الأمريكي وبحق جميع من قتل في أحداث الـ11 من سبتمبر، وذلك بسبب حرمان عوائل هؤلاء الاشخاص من تتبع ومعرفة الجناة الحقيقيين. فيا تری هل أصبح القضاء في أمريكا بعد ان كان مسيساً في التعامل مع إيران، أصبح اليوم أداة أيضا للسرقة، هذا ما ستثبته الأيام القادمة.
المصدر / الوقت