اوباما يزور كوبا : اي صفحة جديدة تنوي واشنطن فتحها
يزور الرئيس الأمريكي باراك أوباما كوبا، في ظل تغيُّراتٍ يشهدها العالم. في وقتٍ قال فيه العديد من المراقبين، بأن الزيارة ستكون تاريخية، تساءل آخرون عن جدوى ذلك. فالإدارة الأمريكية ليست مُتفقة على جدوى الزيارة، وإن كانت لم تخرج حتى الآن إشاراتٌ لذلك. بينما يتضح من خلال المراجعة التاريخية، بأن الجمهوريين لم يكونوا مع إزالة كوبا عن لائحة الإرهاب، أو مع فتح صفحةٍ جديدة من العلاقات. فكيف يمكن تحليل زيارة أوباما المُتوقعة لكوبا غداً؟
الزيارة التاريخية لأوباما
يتوجه الرئيس الأمريكي باراك اوباما الى كوبا غداً، في زيارةٍ يقول الإعلام أنها تهدف لترسيخ تقارب لم يكن ممكناً لسنوات طويلة بين البلدين، ولتحسين صورة إرثه الرئاسي بعد الجدل الذي أثارته بعض خياراته في الشرق الأوسط. وستحط الطائرة الرئاسية في كوبا الأحد، بعد قرنٍ على آخر زيارة لرئيس أميريكي، سيطوي فيها أوباما صفحة من تاريخ العلاقات بين البلدين، ليبدأ منحى جديداً في سياسة بلاده في القارة الأميركية. وتأتي زيارة أوباما بعد يومين من زيارة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لهافانا. وتقيم فنزويلا علاقات متوترة مع واشنطن التي تتهمها العاصمة الفانزولية كراكاس باستمرار، بمحاولة زعزعة الحكومة الاشتراكية التي تعيش أزمة إقتصادية خانقة وبرلماناً تسيطر عليه المعارضة. من جهتها، تعرب كوبا باستمرار عن تضامنها مع حليفها الذي يدعم اقتصادياً الجزيرة من خلال تقديم النفط بأسعار تفضيلية.
من جهةٍ أخرى، أعلن وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز الخميس، أن بلاده لن تبحث أي تغيير داخلي مع واشنطن، قبل ثلاثة أيام من زيارة تاريخية يقوم بها أوباما الى الجزيرة. وقال رودريغيز للصحافيين إن إجراء تغييرات داخلية في كوبا ليس مطروحاً بأي شكلٍ من الأشكال على طاولة المفاوضات، مضيفاً بأن زيارة رئيس أمريكا والمتوقعة ليومين، ستُحدد المراحل الجديدة التي يمكن اجتيازها في المستقبل.
موجزٌ في العلاقات المتأزمة بين البلدين
تدهورت العلاقات بشكل جذري بين واشنطن وهافانا، بعد الثورية الكوبية عام 1959، حيث أدت الى ارتفاع حدة التوتر بين البلدين. في حين فرضت الولايات المتحدة، حظراً اقتصادياً. وفي عام 1962، تم تعليق عضوية كوبا في منظمة الدول الأمريكية، ولم تشارك في قمة الأمريكيتين التي عقدت لأول مرة عام 1994 كتجمع لتلك الدول، وظلت عضوية كوبا مُعلقة، حتى العام 2009، على الرغم من أن هافانا لم تطلب رسمياً عودتها، في حين طلبت أغلب دول أمريكا اللاتينية حضور كوبا للقمة.
وفي العام 1982، أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة الكوبية في قائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي محاولة من الرئيس الأمريكي أوباما لإعادة العلاقات مع كوبا، ومنذ تولي راوؤل كاسترو الحكم، خفف أوباما قيود السفر إلى كوبا. وفي شهر كانون الأول المنصرم، تصافح الرجلين كاسترو وأوباما في مدينة جوهانسبورغ خلال حفل تأبين نلسون مانديلا. كما تبادل الجانبان إشارات المودة في إطار مكافحة مرض إيبولا.
نتائج التقارب بين التفاؤل والتشاؤم
من الناحية الإقتصادية، يرى الخبراء وبتفاؤل، بأن تخفيف الحصار الأميريكي المفروض منذ أكثر من نصف قرن على كوبا، سيؤدي إلى نتائج إيجابية على إقتصاد البلاد، خصوصاً أنها ستكون مؤشراً إيجابياً بالنسبة إلى المجتمع الدولي حول مستقبل الجزيرة الإقتصادي. وهو ما يعني زيادةً في عدد السياح والإستثمارات، مما سيخدم إيجاباً الشركات الكبرى والقطاع الخاص الناشئ على مستوى صغير وهي قطاعات تعاني بشدة من عجز بُنيوي في الإستثمارات. وبالتالي فإن العلاقات الجديدة، قد تكون داعمة للإستثمار الخارجي.
أما من الناحية السياسية، فإن الإعلان عن التقارب بين البلدين لا يعني صفاء النية الأمريكية، خصوصاً في ظل معارضةٍ موجودة لدى الجمهوريين الرافضين لذلك. وهنا فإن المعروف عن واشنطن، بأنها لا تقوم بخطوةٍ دون أن يصب ذلك في مصلحتها. في حين يُشير المحللون بأنه يجب الحذر من هذه الخطوة. وبحسب التجربة الماضية وتحديداً منذ سنة ونصف، أدى قرار أوباما، الى مسارعة الجمهوريين في واشنطن، والذين أيدوا إبقاء كوبا تحت العزلة الأمريكية، متوعدين في الوقت نفسه بالتصدي لرفع الحظر عنها من خلال الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري.
في المقابل فإن أوباما يعتبر هذه السياسة، تصحيحاً للمسار التاريخي من العلاقات، ويعني انتصاراً لأخلاق وقيم واشنطن. وهو يأتي في سياق استراتيجية أوباما والتي تسعى الى التخلص من مشاكلها العالقة مع العديد من الدول.
تحليلٌ ودلالات
بناءاً لما تقدم، يمكن قول التالي:
تأتي زيارة الرئيس الأمريكي، في سياق سياسته التي تنطلق من فكرة أن عزل كوبا والذي اتفقت عليه الإدارات الأمريكية السابقة، كان سبباً في العديد من الأضرار الإقتصادية والسياسية على الدول الأمريكية. في حين يقول الخبراء، إن أوباما لا يرى في سياسة العزل تأثيراً أو تغييراً في الدول الشيوعية. وهو الأمر الذي يعني توجيه الرئيس الأمريكي رسالةً واضحة للداخل الأمريكي المعارض لسياسته.
وهو الأمر الذي يبدو واضحاً، من خلال محاولة الرئيس الأمريكي إنهاء عملية التطبيع بين البلدين قبل انتهاء حكمه. حيث أن الدلالة الأهم في هذا المجال، تتعلق بالوفد الضخم الذي يضم أربعة وزراء، و40 سيناتوراً وأعضاء كونغرس، وعشرات رجال الأعمال ووجوهاً مهمة من الجالية الكوبية الأميركية. حيث يأمل البيت الأبيض بإقامة ما يكفي من العلاقات والروابط، بحيث تصبح أي عودة الى الوراء صعبة للغاية، على أي إدارةٍ جديدة.
تُعتبر زيارة أوباما رسالة إلى دول أميركا اللاتينية، والتي تشهد متغيرات عديدة سياسية دراماتيكية، مع خسارة الأحزاب اليسارية في عدد من دولها. وهو الأمر الذي يبدو واضحاً من خلال التوتر الحاصل بين فنزويلا وواشنطن، حيت تتهم الأخيرة أمريكا بمحاولة زعزعة حكمها الإشتراكي، عبر دعم المعارضة اليمينية.
إذن يبدو بأن الرئيس الأمريكي يسعى لإنهاء حكمه عبر استكمال سياسته الدولية المبسوطة الأيدي. في حين يرى مراقبون بأن واشنطن لا تقوم بأي خطوةٍ دون أن تكون مصالحها في أولوية حراكها. لكن التاريخ الطويل من العقوبات والحظر والتوتر في العلاقة بين البلدين، لن يُمحى بسهولة. في حين يجب القول بأن المستقبل فقط، هو ما يُحدد طبيعة العلاقات الجديدة. في ظل تأكيدٍ من الطرف الكوبي، على رفض التدخل الأمريكي بالشؤون الكوبية الداخلية.
المصدر / الوقت