لماذا يتقدم ” ترامب ” قي الانتخابات الامريكية التمهيدية
أفرزت نتائج إنتخابات الرئاسة الأمريكية التمهيدية تقدم المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” على منافسيه في كثير من الولايات الأمريكية، بينها نيوهامفشر وجنوب كارولاينا ونيفادا.
وحظي ترامب بقاعدة عريضة من أصوات الجمهوريين وإستطلاعات الرأي، ما يشير إلى أن فوزه في الإنتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر / تشرين الثاني القادم بات ممكناً وسط ذهول المراقبين والمتخصصين بعالم السياسة. فما هي أسباب هذا التقدم؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل لابد من الإشارة بإختصار إلى سيرة حياة هذا المرشح المثير للجدل:
ولد “دونالد ترامب” في حزيران / يونيو 1946، وهو رجل أعمال، وملياردير، وشخصية تلفزيونية، ورئيس منظمة “ترامب” العقارية. وهو يدير عدة مشاريع وشركات مثل منتجعات ترامب الترفيهية التي تشرف على العديد من الكازينوهات والفنادق وملاعب الغولف، والمنشآت الأخرى في أرجاء مختلفة من العالم.
وساعد نمط حياة ترامب وعلامته التجارية وطريقته الجريئة بالتعامل مع السياسة في جعله من المشاهير في داخل أمريكا وخارجها. وكان له إهتمامات شخصية متنوعة كالمصارعة الحرّة، وتشبثه بتسريحة شعره التي رفض تغييرها طوال مسيرته الإعلامية، بالإضافة إلى مؤلفاته التي تسرد تجاربه الشخصية.
وبالعودة إلى التساؤل السابق “لماذا يتقدم ترامب في الإنتخابات التمهيدية الأمريكية؟” نقول إن الاجابة عن هذا التساؤل تكمن فيما يلي:
ما حصل حتى الآن في الإنتخابات التمهيدية الأمريكية كشف عن وجود حالة إستياء كبيرة لدى الناخب الأمريكي الذي يشعر بالعزلة عن المؤسسة والأحزاب الحاكمة على مدى عقود من الزمن، نتيجة أسباب عديدة منها الركود في رواتب الطبقة العاملة، وإنخفاض مؤشرات السلم الإجتماعي، وهو شعور تجلى بشكل واضح لدى الطبقة الوسطى التي تم سحقها في الماضي وهي الأكثر حضوراً في الإنتخابات الحالية.
دور الإعلام في تأجيج حالة الغضب لدى الناخب الأمريكي حيث لا يتم التحدث إلاّ عن الأشياء التي تتعلق بالوضع الإقتصادي الداخلي وتحسين الظروف المعيشية. وهذا الأمر حظي بأهمية خاصة لدى الأمريكيين خصوصاً بعد فشل الرئيس السابق باراك أوباما والذي سبقه جورج بوش في تحقيق تطلعاتهم في هذا المجال.
تقدم ترامب في الإنتخابات التمهيدية له علاقة بالمزاج الأمريكي العام الذي يفضل إنتخاب رئيس يأتي بأمر جديد، كما حصل عندما إنتخب “باراك أوباما” كونه أسود البشرة. ولهذا يرجح المراقبون أن يتقدم ترامب في إنتخابات هذا العام كونه سليط اللسان أكثر من غيره من المرشحين. فطريقته الفجة في الكلام تتناسب إلى حد كبير مع المزاج الأمريكي وتشعل حماسته أكثر من باقي المرشحين خصوصاً المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” بإعتبارها إمراة لا تملك مثل هذا التأثير على الجمهور؛ بل يمكن القول إن ترامب يمثل “ثورة” على القيم والتقاليد التقليدية تشابه ما يحدث في دول أخرى تشهد تمرداً يصل إلى حد تجاوز القيم والتقاليد بحجة الحداثة، بل أصبحت البذاءة والتجاوز عند بعضها علامة من علامات التطور!.
يميل المزاج العام الأمريكي أيضاً إلى أن لا يبقى أيّ من الحزبين “الديمقراطي أو الجمهوري” أكثر من فترتين في الحكم، وهذا الأمر يرجح كفّة ترامب “الجمهوري” على كلينتون “الديموقراطية”. وهو شعور إستغله “ترامب” كثيراً لمصلحته وزيادة شعبيته.
يتأثر الناخب الأمريكي بالصفات الشخصية أكثر من الأفكار. ومن المعروف أن مقدرة ترامب تتمثل في إبقاء الإنتباه على شخصه وليس على أفكاره التي تتسم بالغموض، وهو يسعى إلى إخفاء نواياه خلف كلامه المعقد، وهذا ما تسبب بإلتفاف شرائح كبيرة حوله.
حظي ترامب بتأييد قطاع واسع من التيارات العنصرية الأمريكية بسبب آرائه العنصرية سواء ضد الأفارقة أو المسلمين والتي يجاهر بها في جولاته الإنتخابية والمقابلات التي يجريها مع المرشحين الآخرين ويخصص وقتاً طويلاً للتحدث عنها؛ بل تعد العنصرية المحرك الأساس الذي يدفع ترامب إلى إهانة المجموعات العرقية الأمريكية، وحصل بسببها على دعم دعاة الكراهية خصوصاً في أوساط السكّان البيض والمحافظين الذين يشعرون بأنهم فقدوا السيطرة على البلاد.
يبدو أن هوس ترامب بإتفاقيات التجارة الحرة وتسويق نفسه خلال تصريحاته على أنه ثري جداً ولا يمكن شراؤه من قبل لوبيات الضغط قد ساهم في زيادة دعمه في ظل التدهور الإقتصادي وغياب الثقة لدى الناخبين الأمريكيين خصوصاً الطبقة الوسطى التي تعتقد بأن ترامب أقدر من سابقيه بإعتباره رجل أعمال، الى جانب تصريحاته التي تدعو إلى قانون ضرائب غريب لا يدفع فيه الشخص الذي يتقاضى أقل من 250 الف دولار سنوياً أيّ ضريبة للدولة، إضافة لتسهيلات مغرية للشركات والمستثمرين، والدعوة إلى ملاحقة فاحشي الثراء بإعتبارهم لا يدفعون ما يكفي من الضرائب إستناداً إلى القوانين المعمول بها حالياً.
يعتقد الكثير من الأمريكيين بأن بلادهم فقدت مكانتها في العالم خصوصاً بعد صعود نجم الصين إقتصادياً، وبروز الدور العسكري الروسي في الشرق الأوسط، ولهذا نشأت الرغبة لديهم بإختيار شخص لا يبالي بالقيام بأيّ محذور أو أيّ أمر غريب وشاذ من أجل إستعادة السيطرة على العالم.
هذه العوامل وغيرها تمثل بحسب المراقبين الأسباب التي تقف وراء إزدياد شعبية ترامب والمفاجأة التي حققها حتى الآن في الإنتخابات التمهيدية الأمريكية، حيث لم يكن أحد يتصور أن تثمر جدلية “ترامب” وغرابته كل هذا الكم من الأصوات، ما يثير أكثر من علامة إستفهام بشأن المستقبل الغامض الذي ستؤول إليه الإنتخابات الرئاسية الأمريكية.
المصدر / الوقت