التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

توطين الاجئين السوريين في لبنان ؛ بين مخاوف اللبنانيين وزيارة ” بان كي مون “ 

ينتظر اللبنانيون زيارة الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” وما الذي ستأتي به، خاصة أن هذه الزيارة تأتي في ظروف صعبة يعيشها اللبنانيون من حيث غياب رئيس للبلاد ومشاكل سياسية عديدة أخرى، إضافة الى الضغط الكبير الذي يعاني منه لبنان بسبب العدد الهائل من اللاجئين السوريين والذي يمثل 40 الى 50% من عدد سكان لبنان، وهذا ما يضع لبنان في مأزق كبير مستقبلاً في ظل العجز الاقتصادي والمالي الذي يعانيه هذا البلد الصغير.

أزمة اللاجئين في لبنان خطيرة

شهد لبنان معركة كبيرة منذ عقود في مواجهة المخططات الغربية التي كانت تحمل بخلفيات صهيونية لتوطين الفلسطينيين الذين هجرتهم النكبة الفلسطينية والحروب المتوالية في فلسطين المحتلة، ونجح اللبنانيون شكلاً بعدم الانجرار والرضوخ لكل الضغوط التي مارسها العالم عليهم، ولكن تورطوا فعلياً بوجود فلسطيني لا يزال مستمراً الى يومنا هذا.

واليوم يشهد لبنان معركة مماثلة، اذ وعلى أثر الحرب السورية لجأ حوالي مليوني مواطن سوري إلى البلد الجار لبنان هرباً من أتون الحروب الدامية، وكانت الصدمة هي المدّة الطويلة للحرب في سوريا والتي دامت خمس سنوات ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وهو عامل اضافي دفع السلطات اللبنانية للحذر والتخوف من اعادة التجربة الفلسطينية مجدداً.

أما الخطورة التي يتخوف منها لبنان فنذكر بعض جوانبها، أولاً إن اللاجئين عندما وفدوا الى لبنان توزعوا بشكل عشوائي وغير منظم في ظل غياب أي دور تنظيمي للسلطة في بداية الأمر، ما جعل الأمور الادارية تخرج عن يد السلطات اللبنانية من حيث الاحصاءات الدقيقة التي على اثرها توضع خطط العمل لاحقاً، ثانياً إن امكانيات لبنان لتغطية احتياجات اللاجئين ضعيفة جداً اذ أن لبنان كان يعاني من مشاكل اقتصادية قبل هذه الأزمة ولا يستطيع القيام بهموم مواطنيه واعطائهم أبسط احتياجاتهم اضافة لعدم وجود بنية تحتية قادرة على استيعاب أي احتياجات اضافية اذ كان لبنان يعاني عجزاً في بناه التحتية قبل اللجوء السوري، والجانب الثالث وهو الأهم يتمثل بالخطر الأمني واستقرار لبنان، اذ أن لبنان تعرض لهجمات ارهابية متوالية على أيدي لاجئين غرر بهم من التنظيمات الارهابية للقيام بتفجيرات وغيرها، وفي ظل عدم الاهتمام الكامل والعجز عن تلبية حاجات اللاجئين من حيث المعيشة والتعليم والمأوى فالدافع يكبر عند الشباب السوري من اللاجئين للانضمام لتنظيمات ارهابية، والخطر الأمني يكبر بالتوازي مع هذا العامل الذي يعتبر الأخطر.

خفايا كواليس التوطين؛ من يعمل لتوريط لبنان به؟ وما دور زيارة “بان كي مون”؟

عمل المجتمع الدولي على الترويج لفكرة انشاء مخيمات منظمة في لبنان لتجميع اللاجئين السوريين فيها وتنظيم وجودهم في لبنان، ولكن تواجه فكرة انشاء المخيمات داخل الأراضي اللبنانية، معارضة خصوصا من الأطراف المسيحية، فهاجس التوطين وتكرار التجربة الفلسطينية في لبنان اضافة الى الوضع الأمني، تشكل مثلاً عما يمكن ان يحصل في المستقبل، والتخوف المسيحي هو من ديمومة هذه المخيمات، وهو ما يعتبره المسيحيون نوعاً من الالغاء لهم اذ أن ديمومة المخيمات تعني بالتالي التوطين والتجنيس وما يليه، وهو ما يعتبرونه خطراً ديموغرافياً سكانياً، خصوصاً أن اعداد المسيحيين في لبنان تناقصت توالياً بعد الحرب الأهلية اللبنانية.

وما زاد الهواجس اللبنانية محاولة المجتمع الدولي توريط لبنان في عدد من المؤتمرات التي عقدت من أجل اللاجئين السوريين في دول مختلفة، وكان هذا التوريط من خلال ادراج بنود ضمن الاتفاقيات تلزم لبنان بمخيمات واجراءات تشكل مقدمة للتوطين وما يليه، منها ما اقدمت عليه المفوضية العامة للاجئين بتسجيل ولادات السوريين في سجلّتها بدل تسجيلها في السفارة السورية وهو ما يعد تعدياً على السيادة اللبنانية التي من حقها حصراً تقرير قبول التوطين واللجوء، ولكن وفي مقابل هذه الساعي يعمل الوزراء المعنيون في الفترة الماضية على معالجة هذه الأمور وتنظيمها واقرار قوانين تنظم الوجود السوري في لبنان، وتنبهوا لكل المعاهدات والقرارات الدولية التي يشارك فيها لبنان ويلتزم بها تباعاً وعملوا على تعديل أي بند لا يصب في مصلحة لبنان، وعلى اثر هذا يتبنى معظم اللبنانيين فكرة رفضهم للمخيمات داخل الأراضي اللبنانية، والقبول بمخيمات اما على الحدود اللبنانية السورية، أو داخل الأراضي السورية الآمنة.

والجدير بالذكر ان السلطات اللبنانية بمجلس وزرائها ونوابها ورئيس مجلس النواب يعملون منذ فترة على الضغط على الأوروبيين والمنظمات العالمية لتقديم المساعدات المالية واللوجستية الكافية لمساعدة لبنان للقيام بالحد الأدنى من واجباته اتجاه اللاجئين السوريين، وتعد هذه خطوة متقدمة لبنانياً في مسير مواجهة الطموح الخارجي لتوطين السوريين في لبنان بأشكال مموهة أو تحت عناوين مختلفة، وما يليه من مخططات أوروبية للتخلص من اللاجئين في بلدانهم بارسالهم الى لبنان، خصوصاً بعد الارهاب الذي ضرب أوروبا ودول كثيرة اخرى، معتبرةً السوريين والمنظمات الارهابية في سوريا وراءه.

وبقدوم الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان ستتجدد المخاوف اللبنانية من الضغوط الدولية التي تمارس عليه، ويعد المسؤولون اللبنانيون ملفاً كاملاً لطرحه على “بان كي مون” لكي يدرك مدى خطورة الخصوصية اللبنانية والتركيبة التي يقوم عليها هذا البلد، والحذر من أي تعديل يطرأ عليها قد يفجر الأوضاع في لبنان، خاصة أن أوساط غربية ووسائل اعلام راحت تتحدث عن عناوين وطروحات تحوم كلها حول اقامة مخيمات دائمة وعودة الحديث عن التوطين وغيره، باعتبار أن أمد الأزمة في سوريا لم يعد معروفاً، في ظل تسويات سياسية تسير ببطء شديد.

فهل سينجح “بان كي مون” بفرض الشروط العالمية على لبنان ويورطه بالتوطين؟ أم أن السلطات اللبنانية واعية تماماً لهذا الخطر والملف المعد سيقنع “مون” بجدوى الاجراءات اللبنانية ويتفهم مخاوف اللبنانيين؟

محمد حسن قاسم

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق