بعد الميدان .. سوريا الأسد تنتصر بالسياسة
خرج الإجتماع المُطوَّل بين الطرفين الروسي والأمريكي، بحضور الرئيس الروسي بوتين ووزيري خارجية البلدين، لنتيجةٍ مفادها ضرورة تحييد النقاش في مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. فيما تجدر الإشارة الى أن عدداً من الأسباب، ساهمت في دعم هذا الخيار، والتي تبدأ بإنجازات الميدان وتصل الى التهديد المباشر الذي بات يُلحقه الإرهاب بأوروبا والعالم. فماذا في مستقبل الخريطة السورية؟ وما هي أسباب ودلالات ما يجري؟
اسبابٌ وراء دعم الحل السياسي
عددٌ من الأسباب ساهمت في تعزيز إنجازات الميدان السوري، وأثَّرت على مجريات الحل السياسي. حيث يبدو بوضوح، بأن ما يُسمى بخريطة المستقبل السوري، تتجه لتكون في مجملها في مصلحة النظام السوري والشعب والدولة السورية. وهنا نذكر التالي:
نجح الجيش العربي السوري في الميدان بشكلٍ بارز خلال الأيام الماضية والتي تلت الإنسحاب الجزئي للقوات الروسية، وهو الأمر الذي شكَّل قوة دفعٍ لخيارات الطرفين الروسي والسوري ومحور المقاومة. ولعل تقدم الجيش في تدمر واستعادتها، عجَّل من وتيرة سقوط الإرهابيين وكل من يراهن عليهم. كما أن تقاتل المجموعات المسلحة فيما بينها، ساهم في إضعافها بشكلٍ كبير.
من جهةٍ أخرى نجد بأن سير مجريات محادثات جنيف، والتي تضمنت وثيقة المبعوث الدولي دي ميستورا نقاطها، تؤكد كما أشار المراقبون، على وحدة الأراضي السورية دون التطرق لمستقبل الرئيس السوري، أو ذكر أي دور للجماعات الإرهابية. وهو ما يصب في مصلحة الدولة السورية والشعب السوري.
بالإضافة الى أن شعور الدول الأوروبية بضرورة الإسراع في الحل السياسي في سوريا، لا سيما بعد التفجيرات التي هددت أمنها القومي في باريس وبروكسل. وهو ما دفع الأوروبيين للإيمان بضرورة إيجاد طرقٍ لدعم الحرب الفعلية على الإرهاب. في وقتٍ بات يُدرك المسؤولون الأوروبيون أن مقدمة ذلك تبدأ من دعم الحلول السلمية والسياسية في سوريا، وتقوية النظام والدولة السورية.
دلالاتٌ وتحليل
على الرغم من أن الكثير من التحديات ساهمت في عرقلة محادثات جنيف لأكثر من مرة، إلا أن تطورات الأحداث السورية لجهة تطورات الميدان، والظروف الإقليمية والدولية، لا سيما الأعمال الإرهابية التي باتت تهدد الأمن القومي العالمي، والتي كان لأوروبا النصيب الأكبر منها، كلها أسبابٌ دفعت لطرح الحل السياسي وبشكلٍ جديٍ، والرضوخ لمطالب النظام السوري. وهنا نُشير للتالي:
منذ بداية محادثات جنيف 3، لم يتراجع النظام عن مطالبه الواضحة، والتي تنطلق من احترام سيادة وخيارات الشعب السوري. ولعل ما أكده وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحافي والذي عقده قبل بدء مفاوضات جنيف بساعات، حول أن النقاش في مصير الرئيس السوري أمرٌ غير مقبول، وخطٌ أحمر سياسي، هو ذاته ما تم التوصل له بين الطرفين الروسي والأمريكي.
من جهةٍ أخرى، فإن التطورات الإقليمية والدولية، كلها تعود لتصب في صالح الدولة السورية نظاماً وشعباً. فتفجيرات بروكسل، وشعور أوروبا بالخطر الحقيقي، وسعيها لملاقاة كل الحلول التي تساهم في تعزيز قوة الدولة للتخلص من الإرهاب، ساهمت في تغيير المسار الذي سعت لرسمه عددٌ من الدول لا سيما الخليجية الداعمة لأبواقٍ معارضة، لم تمتلك حتى الآن رؤيةً واحدة. وهو ما أضعفها بشكلٍ أكبر.
النتائج المتوقعة
يبدو أن الطرف الأمريكي، بات مقتنعاً بأن الحاجة للرئيس الأسد، أو للنظام السوري، هي حاجة مُلحة، للقضاء على التنظيمات الإرهابية. وهنا فإن ذلك لا يعني بأن الطرف الأمريكي أصبح حليفاً أو أهل ثقة، بل إن واشنطن رضخت لواقعٍ مريرٍ رسَّخه الميدان السوري، من خلال انجازات محور المقاومة والتي أكملتها موسكو. فكما يُشير المحللون، فقد خرجت تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما، لتفاجئ بعض الأطراف، لا سيما السعودية والتي صرَّح بأنها سبب الإرهاب المُصدر للخارج كما ذكرت مجلة “الأتلانتيك”، ودعاها لضرورة العمل مع إيران. الأمر الذي يمكن أن يؤكد بأن مطالب الرياض السياسية، لا سيما فيما يخص الأزمة السورية، خرجت من التداول ولو ظرفياً.
من جهةٍ أخرى، وعلى الرغم من انسحاب القوات الروسية، ما يزال الجيش يتقدم في الميدان، مُستعيداً تدمر. وهو ما يعني إمساكه بالأرض السورية، وقدرته على المضي قدماً في كافة الخيارات. مما يُثبت بأن الجيش السوري، يحترم اتفاق الهدنة طالما أنها تصب في صالح السوريين دولةً وشعباً. فيما يمكن العدول عن ذلك، لو اقتضت الحاجة. وهو ما يؤكد عودة النظام لإكتساب المزيد من الأوراق التي مكَّنته من الرجوع بقوة الى حلبة اللاعبين الإقليميين.
وليس بعيداً عما تقدم، فإن الفشل الذريع الذي مُنيت به أطراف المعارضة، إن لجهة الإتفاق على مشروعٍ مُوحَّد، أو لجهة الخروج بصيغٍ سياسية واقعية، ساهم في فشل الورقة السياسية الهادفة للضغط على النظام. فيما شكَّل تقاتل الإرهابيين لا سيما في الجنوب ومناطق أخرى في سوريا، نقطةً جديدة تُسجَّل لصالح الدولة السورية.
إذن سقطت مشاريع الإرهاب السياسي كما سقطت المشاريع العسكرية. فقد استطاع الجيش السوري وبعد سنواتٍ من التضحيات المشتركة مع محور المقاومة، أن يُعيد إمساكه بزمام الأمور. فيما لم تُشكل خطوة الطرف الروسي بالإنسحاب، أي خللٍ يُؤثِّر عليه. لكن الأمر الأهم، هو أن المستقبل ما يزال رهن التطورات، لا سيما أن الطرفين الأمريكي والروسي، وإن عبَّرا اليوم عن مصالح مشتركة، لا يستطيعان تقرير مصير الشعب السوري، وهو ما تحترمه موسكو حتى الآن، فيما تمارس واشنطن في شأنه سياسة الرضوخ الحذر. وهنا يمكن الحديث فيما بعد، عن الطرف الإسرائيلي والخليجي، وإمتعاضهم من تطور الأحداث التي تجري عكس تمنياتهم.
المصدر / الوقت