التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

العمليات الإرهابية في تركيا : ثلاث مسائل مهمة 

أدى التفجير الانتحاري الذي وقع في وسط العاصمة أنقرة إلى مقتل أكثر من 40 شخصا إضافة إلى وقوع 125 جريحا. واللافت أن السفارة الأمريكية في تركيا كانت قد حذرت رعاياها من احتمال وقوع هجمات إرهابية في أنقرة. وقد وقع هذا التفجير في منطقة مكتظة بالمؤسسات الحكومية وعلى مقربة من مكتب رئيس الوزراء والكثير من الوزارات الأخرى. وقد تحدثت مصادر أمنية تركية أن المؤشرات الأولية تدل على ضلوع حزب العمال الكردستاني (بي ك ك) أو مجموعة مرتبطة به في العملية. ووقوع ثلاث عمليات إرهابية في العاصمة التركية في غضون أقل من ستة أشهر يؤكد وجود تهديدات أمنية متعددة الأطراف. وفي هذه المقالة سيتم تحليل وبحث الظروف والأسباب التي أدت للأحداث الأخيرة في تركيا.

وقد جعلت سلسلة التفجيرات التي وقعت في المدن التركية المختلفة من هذا البلد ملتهبا وتشير إلى أن هناك شريحة من الأتراك ليست راضية عن سياسة “حزب العدالة والتنمية” وقد عبرت عن رفضها وغضبها من خلال هذه التفجيرات. ويقف وراء هذا الغضب والرفض الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ورئيس حكومته “داوود أوغلو”.

تركيا في ظل تراكم التحديات الأمنية

دائما حزب العمال الكردستاني هو المتهم الأول في هذه التفجيرات. طبعا الأمنيون الأتراك يعتقدون أن الـ”بي ك ك” وبقية المنظمات الداعمة له إضافة إلى أجهزة خارجية تقوم بهذه العمليات الارهابية. على أي حال إن تركيا قد أصبحت في واقع من التحديات الأمنية المتراكمة والتي ليس بمقدورها مواجهتها من خلال اللحمة الوطنية غير المتوفرة لمواجهة الارهاب. وفي هذا السياق هناك ثلاثة مواضيع أساسية ومهمة يجدر الاشارة اليها بالتفصيل.

الموضوع الأول: ملاحظات حول الحوادث الإرهابية الأخيرة

1-توقع السفارة الأمريكية. فقد حذرت السفارة الأمريكية في أنقرة وقبل يومين من الحادث رعاياها من “تفجيرات إرهابية أكيدة” في العاصمة التركية، وهذا التنبأ يُشير إلى حد ما إلى الجهات الارهابية. وقد أوجد عدة تساؤلات عند المحللين الأتراك حول ماهية المعلومات التي استندت عليها السفارة الأمريكية في التنبأ بهكذا تفجيرات.
2-توحد المنظمات اليسارية المتطرفة مع الـ “بي ك ك”. فقبل أسبوع عقد مجلس شورى قيادة الـ “بي ك ك” جلسة مشتركة في جبل قنديل مع سبع منظمات يسارية ماركسية أعلنت رسميا توحدها مع الـ” بي ك ك”. وقد تعهدوا بفتح الحرب على تركيا في وسط المدن التركية. وبناء على الاتفاق الذي تم فان المنظمات السبع اليسارية والمسلحة تشمل الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني (MLKP)، الحزب الشيوعي التركي (TKP)، الحزب الشيوعي لاكراد الدانمارك (DKP)، الحزب الشيوعي الماوي (MKP)، حزب العمل الشيوعي التركي (TKEP/L)، الاتحاد المسلح الماركسي – اللينيني (THKP-C/MLSPB) والمقر الثوري كلها اجتمعت تحت عنوان “اتحاد الحركة الشعبية الثورية” معلنة توحدها مع الـ” بي ك ك”.
3-أسلوب القاعدة. فالتفجيرات الأخيرة اتسمت بتفجير سيارات مسروقة بمواطنين أبرياء وهذا يذكر بمرحلة التفجيرات الارهابية التي كان ينفذها تنظيم القاعدة بين أعوام 2004 و2007 في العراق. منظمة الـ “بي ك ك” وبعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها في الحرب الداخلية التي اعتمدت تكتيكا عرف بحرب الخندق قد انتقل إلى التفجير بدون ترك بصمات تشير إليه.
4-تزامن هذه التفجيرات مع حراك دبلوماسي تركي. هذا الموضوع أيضا لم يغب عن نظر المحللين الأتراك حيث أن التفجيرين الإرهابيين الأخيرين حدثا بالتزامن مع زيارة كانت مقررة لأردوغان إلى جمهورية آذربيجان وأديا إلى تأخير الزيارة. طبعا يشير المحللون أيضا إلى التزامن مع جلسات المفاوضات السورية في جنيف.

الموضوع الثاني: العوامل التي أدت إلى التأزيم الأمني في تركيا

1- اتباع سياسة تؤدي إلى الفوضى. الحكومة التركية وخصوصا شخص أردوغان وبسبب النقص في رؤية الصورة الكاملة للمنطقة اتبع سياسات تهاجمية اتجاه ملفات الشرق الأوسط المتوترة. وأدى إلى وضع المصالح التركية على المحك الشرق أوسطي. ومن دون الالتفات إلى القدرات الوطنية ومن خلال أسلوب التأزيم رسم مستقبلاً متأزماً لتركيا. هذا في وقت كان من الحري بأردوغان ونظرا إلى واقع البنية الاجتماعية التركية أن يتخذ موقفا محايدا من كافة النزاعات التي تؤدي إلى التفرقة.

2- الانضمام إلى اللعبة الأمريكية. إن قوة أردوغان وأفكاره لم تكن لمصلحة الغرب في تركيا. والغرب دائما كان يعتبر أصول حزب العدالة والتنمية مغايرة للأصول العلمانية التي ينادي بها الغرب، ولكن الغرب كان يرى أنه لا مصلحة من مخالفته بشكل مباشر لعلمهم بشعبية هذا الحزب داخل تركيا. وازاء هذا الواقع سعى الأمريكيون خلال العقد الأخير إلى تضعيف نفوذ أردوغان داخل حكمه بهدف السيطرة وإدارة اللعبة التركية بشكل غير رسمي. فالظروف الحالية للحزب الحاكم وشخص اردوغان الذي يتعرض لهجمة داخلية وخارجية، أمنت البيئة المناسبة لتنفيذ البرامج الغربية، ففي هذه الظروف يجد أردوغان نفسه مضطرا لاعادة إحياء العلاقات التركية الإسرائيلية إضافة إلى التوجه لتقوية الناتو مجددا في تركيا والتأكيد على العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا.

الهدف الاستراتيجي الغربي في المنطقة هو سقوط محور المقاومة، ودور تركيا كالمقر الجنوب الشرقي للناتو في مواجهة روسيا أدى إلى عدم إكتمال حلف طهران – أنقرة المؤثر في الملفات الإقليمية وعلى مستوى العالم الاسلامي. وللأسف فقد وقع أردوغان من دون إرادته في الملعب الغربي ونفذ وينفذ تطلعات الغرب في المنطقة.

الموضوع الثالث: المحيط السياسي الأمني لتركيا في مضيق الأزمة السورية

1-ارتفاع منسوب المخاطر الجيوسياسية التركية. المنظمات الكردية السورية ومنها حزب الاتحاد الديمقراطي لاكراد سوريا قد استفاد من الفراغ الحاصل في المناطق الكردية فسيطر على بعض المدن والقرى التابعة للجغرافيا الكردية ويسعى لتحقيق فدرالية سياسية هناك. ورغم أنهم يؤكدون على الإدارة المحلية لمناطقهم إلا أن استراتيجيتهم تتوافق مع الفكر الجيوسياسي لحزب العمال الكردستاني التركي “بي ك ك” ومستمر على هذا المنوال. الحكومة التركية وفي هذه الأوضاع الجديدة ومن خلال ادراكها لمستوى اللعبة الكردية السورية ومن خلال استراتيجيتين تسعى لكسب الوقت منهم، أي من خلال التفاوض بالتوازي مع الضغط الأمني – العسكري عن طريق القوى السورية المعارضة (السلفيين).

2- استثارة العصبيات القومية (العلويين والسنة). بعد الأزمة السورية، كان أمام القوميات التركية سؤال مهم وهو السبب الذي دفع أردوغان إلى اتباع أسلوب تعارضي مع الأزمة السورية فهل أتت هذه السياسة بناء على مصالح قومية تركية أو بناء على مصالح وحسابات سنية؟ وهذا الأمر أدى إلى استثارة العصبية القومية لعلويي تركيا وزيادة عدم الانسجام الاجتماعي في المواضيع التي تهم الدولة التركية.

3- رواج نموذج المشاركة السياسية غير السلمية بحجة حديقة كزي في ميدان تقسيم باسطنبول. فرغم أن الحراك الاجتماعي كان يطالب بالحفاظ على البيئة إلا أن الحراك تبدل ليصبح حركة سياسية جدية تؤكد قدرة معارضي أردوغان على تنفيذ اعتراضات غير سلمية. وتشريح هذا الحراك وطبيعته محليا ودوليا كان له الكثير من الرسائل الواضحة الموجهة إلى حكومة أردوغان.

4- اشتداد التوتر مع جيران تركيا. فالحكومة التركية اليوم تربطها علاقات متوترة وعلى مستويات مختلفة مع جيرانها. ورغم أن هذه التوترات لا تتعدى فقدان الثقة وسوء الظن ومن المستبعد حصول مواجهة حقيقية مع أي من هذه الأطراف. ومن هذه الدول روسيا، ايران، العراق، سوريا، مصر، حزب الله لبنان وعلى مستوى أقل السعودية بسبب الموقف من مصر، كلها توترات تستنزف تركيا وتعرض مصالحها للخطر.

5- تحول تركيا إلى هدف تكتيكي في اللعبة الاستراتيجية الغربية. ففي الواقع خطط الأتراك للعبة السورية بشكل استراتيجي وكانوا يتصورون أن الغرب وأمريكا يتعاملون مع الأتراك حول الملف السوري بشكل استراتيجي. في المقابل إن نظرة الغرب للدور التركي في اللعبة السورية كانت دورا تكتيكيا وليس استراتيجيا. ووضع الغرب هدفا من هذا الملف على مستوى أكبر من تركيا.

6- تزعزع النظام الإخواني في المنطقة بسقوط الحكومة المصرية. فحكومة أردوغان شعرت بنوعين من الضرر بسبب أحداث مصر، الأول سقوط النظام الإخواني في المنطقة والذي كانت تدعمه تركيا والثاني احتمال تكرار نموذج السقوط الإخواني في مصر بشكل ومستوى أكبر في تركيا. (من المهم الاشارة إلى أن إمكانية الانقلاب في تركيا حاليا ليس ممكنا فالظروف السياسية والاجتماعية التي كانت متوفرة في مصر غير متوفرة في تركيا).

7- ترسيخ الراديكالية السلفية – الوهابية في المحيط الأمني التركي. ففي وثيقة الأمن القومي التركي إن مسألة الراديكالية الدينية تحظى بأهمية بالغة. هذا في وقت تحولت الحدود التركية مع سوريا إلى ميدان يغلي بالجماعات السلفية الوهابية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق