لا تتكبَّدي عناء كشفه… البخيل يفضح نفسه
لدى قبولها دعوة أحد المعجبين إلى العشاء للمرّة الأولى، تتعمّد سارة إخضاعه لاختبار بسيط. فهي على غرار المَشاهِد التي تراها في الأفلام، تختار أكلاً أو مشروباً غالي الثمن بعض الشيء ولا تأكله. وعلى رغم أهمية هذا اللقاء الأول لأنه يسمح للطرفين بتكوين انطباع أوّلي عن بعضهما البعض، تَخرج سارة عن اللياقة المتعارف عليها والتي تقتضي اختيار طبق يكفيها وحسب، لتكشف خبايا نفسية شريكها. فإذا سألها الرجل لماذا طلبت ما لا تريد استهلاكه، تستنتج فوراً أنه بخيل ومتمسّك بأمواله، «يحسب كلّ قرش»، ويحرص على عدم صرف المال. والواقع أنّ تصرّفها على رغم غرابته، لا يعكس نيّتها في تبذير ماله، إنما يلخّص خوف معظم الفتيات من الارتباط برجل بخيل.حينما تخرج الفتاة هذه الأيام للتعرّف إلى شاب، تدرك في قرارة نفسها أنّ حظوظها في لقاء شاب كريم ونبيل وشهم ليست عالية. فمن الناحية المادية، راتب معظم الشباب بات لا يكفيهم لسدّ حاجاتهم، ويزيد وضعهم سوءاً ارتفاع أسعار الشقق لمَن يبحث عن الارتباط، أضف إلى أنّ عدد الإناث في لبنان يتعدّى عدد الذكور بسبب هجرة عدد كبير منهم، ما يوفّر لهم كثرة المرشّحات.
هذه العوامل مجتمعة تدفع الرجل إلى عدم استثمار الكثير من الجهد لإغواء فتاة، وصولاً إلى التعامل معها بلا مبالاة أحياناً وببخل مادي وحتّى عاطفي. فهو بالكاد يدعوها مرات معدودة إلى أيّ مطعم، وإذا لاحظ أنها متردّدة في دخول العلاقة، يتركها لأخرى.
ليس “Gentleman”
غالباً ما يؤثّر الرجل الشهم والكريم في نفسية المرأة ويبهرها. هي في قرارة نفسها تحبّ مَن يكون على استعداد ليصرف المال عليها، ما يشعرها بأهميتها لديه، إنما الرجل البخيل يكون متمسّكاً بأمواله في كلّ الظروف. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا النوع من الرجال ليس بخيلاً وحسب بل هو رجل غير نبيل أو “Gentleman”. فالنبل والبخل لا يلتقيان.
وتروي ميليسا لـ”الجمهورية”، وهي في السابعة والعشرين من عمرها وتعمل في القطاع المصرفي، كيف خرجت مع سامر الذي أُعجب بها، فأذهلها ببخله، وتقول: “بعدما تصفّحتُ لائحة الطعام خلال لقائنا الأول في المطعم، سألتُه إن كان يريد العشاء. فأجاب كلّا، لقد أكلتُ قبل مجيئي. واكتفى بطلب البيرة له، بينما قرّرتُ أن أطلب البوظة”.
وتضيف: “لم أكن أنوي العشاء، ولكنّ جوابه بدّد هذا الاحتمال أساساً، فحتّى لو كنتُ جائعة لما كنتُ سأتناول العشاء وحدي طبعاً”. وتتابع: “عندما ساورتني الشكوك حول بخله جرّاء هذا التصرّف أتى الجواب القاطع في اللقاء الثاني. فعندما دخلنا المطعم الساعة التاسعة ليلاً فتح لائحة المأكولات واختار لنفسه كوباً من الشاي، وسألني ماذا أريد فطلبت مثله لكنني صُدِمت، ولم أكرّر الخروج معه”.
من الواضح أنّ المرأة لا تهرب من هذا الرجل لأنه لم يطعمها، بل لأنها تعي أنّ تصرّفه هذا مؤشّر الى أنه سيقيّد حياتها ويحدّ من رغبتها بشراء ما يحلو لها، كما سيهدّد ممارستها لنشاطاتها المفضلّة.
ويظهر نفور ميليسا من سامر ذلك بوضوح: “أنا أعشق الرجل الـ «Gentleman» الذي يشعرني بالرومانسية، وضقتُ ذرعاً من هذا المحبّ لكسب المال واختزانه، فلم أتحمّله في حياتي لأكثر من مرّتين خرجت فيهما معه، وكنتُ في كلّ مرة أرى أسلوبه المتكالب أكثر من المرّة الفائتة”.
يسعى وراء مبتغاه
ويبدو أنّ المواعدة والعلاقات محكومة بميزانية المال والجاذبية. الرجال يستعملون المال للحصول على المرأة التي يريدون، وغالباً ما يصرفون أموالهم على المرأة الأنيقة والعصرية والواثقة من نفسها بهدف الإيقاع بها. وتعي النساء في قرارة أنفسهنّ هذا الواقع، فيتسلّحن بقصد أو بغير قصد بأنوثتهنّ وإطلالتهنّ لإغواء رجل الأحلام.
إلّا أنّ البخيل يخاف صرفَ المال فيكون غيرَ جاهز لدفع أيّ مبلغ في سبيل التأثير في امرأة أعجبته ما قد يجعله عانساً في ما بعد، بينما لا يتردّد بخيل آخر ولكن بنسبة أقلّ، في التمثيل عليها لبعض الوقت، أي يدفع ماله كي ينال مقابلاً وإلّا توقّف فوراً عن ذلك.
وفي هذا الإطار، تربط سينتيا في حديثها لـ”الجمهورية”، وهي صحافية في الثلاثين من العمر، بين البخل عند الرجل ومدى جهوزية المرأة للدخول في علاقة معه. وتقول: “ينتظر الرجل شيئاً من المرأة التي يصرف عليها المال. فهي تبحث عن رجل تثق به ويُشعرها بالحب والحماية، أما هو فغالباً ما يبحث عن الجنس”.
وتوضح: “عندما يُعجب بامرأة يحاول في لقاءاتهما الأولى الظهور بمظهر الـgentleman ولا يتردّد في دعوتها إلى مطعم أو سهرة جميلة وإلى جلبها من منزلها، ولكنه سرعان ما يتبدّل ويكشف عن حقيقته ويحرص فجأة على ماله، ويخلع رداء الرجل النبيل الكريم، إذا ما لاحظ أنّ مبادراته لم تؤثّر فيها بشكل سريع”.
وعلماً أنّ الرجل لن يصرف ماله على فتاة لا تريده طبعاً، إلّا أنّ هذا النوع من البخيل والمتمسّك بالعملة، لا يضيع وقتاً ولا مالاً أو جهداً ليمنحها فرصة الخروج معه لتتعرّف اليه أكثر أو تثق به، بل هو أناني، حريص على مصالحه، ينتظر مقابلاً، ويريد جواباً سريعاً “تفادياً لهدر طاقاته سُدى”، ما يفسد تطوّر العلاقة منذ بدايتها.
بخيل عاطفياً
وتدمج المرأة غالباً ما بين البخل المادي والبخل العاطفي، فتعتبر أنّ الرجل البخيل لا يعبّر عن مشاعره لها ولأولادهما. وتُرجّح أن يكون المتمسّك بماله، متكالباً أيضاً في وقته وحبّه وعواطفه.
هل هو اقتصادي؟
ولابدّ من التمييز بين الرجل البخيل والرجل الاقتصادي. فأحياناً وفي ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة المتمثّلة بغلاء المعيشة وغلاء البيوت، يحاول الرجل احتسابَ مصاريفه وإدارتها بطريقة تكفيه لكي يتمكّن من شراء حاجياته وتأسيس حياته المستقبلية.
أمّا الرجل البخيل فيرفض صرف المال أو إعطاء أيّ شيء لأحد، خصوصاً من دون مقابل. وعلماً أنّ للبخل درجات تكتشفها وتحدّدها كلّ امرأة تلتقي برجل طمّاع، ومهووس بتكديس المال، إلّا أنّ البخيل الكبير والحقيقي، لا يكلّف نفسه عناءَ التمثيل على الشريكة أصلاً، بل يَُظهر بخله جلياً منذ لقائهما الأول، لأنه غالباً ما لا يدرك أنه بخيل.
التغيير
ويتّفق معظم علماء النفس ومَن يعانون من بخل الشريك على أنّه ليس سهلاً تغيير سلوك هذا الشخص. وفي سبيل تعديله وتطويره، لا يجب لفت نظره طوال الوقت الى سيئاته إنما التحدّث عن المبادرات الايجابية الصغيرة التي يقوم بها. فيجب تهنئته على لفتاته الصغيرة وشكره على هداياه البسيطة وتسليط الضوء أمامه على ما يُسعد الآخرين من دون إجباره على القيام بذلك.
كما يمكن للمرأة أن تساعد شريكها من خلال الحوار المتبادل بينهما، ليفهم سبب تمسّكه المفرط بالمادة وخوفه من خسارتها، وأن تعبّر له عن شعورها: “أنا أفهم ما تشعر به، ولكنني أحبّك، ولا أتحمل أن أعيش الحرمان بينما نملك الإمكانيات لنكون سعداء”. ولكن مهما فعلت لتغييره، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ النتيجة لن تكون مضمونة
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق