هكذا عادت سوريا الى عرين الأسد من جديد
عادت دمشق من جديد الى الواجهة الدولية. خرج مسؤولوها بإنتصاراتٍ متتالية، دعَّمها الإنتصار الميداني في تدمر. لكن ذلك لم يؤد فقط الى تغييرٍ في الشروط السياسية والدولية، بل أدى الى فضح المؤامرة الكبيرة التي كانت تُحاك لإطالة أمد الأزمة، وتفعيل دور الإرهاب. لكن يبدو أن الإرهاب الذي فشل مراتٍ عديدة، وبقي عليه رهان الكثيرين، خيَّب ظنون المراهنين من جديد. الأمر الذي أعاد بوصلة الأمور، لمصلحة النظام السوري. مما أعطاه زخماً سياسياً إقليمياً ودولياً، وهو ما يُعتبر بحد ذاته نجاحاً للطرف السوري أيضاً. فماذا في تطورات المشهد السوري؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟
موسكو تؤكد موقفها
أعادت موسكو التأكيد ومن خلال وزارة الخارجية الروسية، أن مستقبل الرئيس السوري لا يمكن أن يكون شرطاً مسبقاً لمواصلة المفاوضات السورية. وأوضح نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، في تصريح له إلى وكالة انترفاكس أمس، أن من المهم في جولة المحادثات المقبلة إجراء اتصالات مباشرة بين الأطراف المشاركة، وألا تتحول المفاوضات إلى سلسلة لقاءات بمشاركة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ووفود الدول الأعضاء في مجموعة دعم سوريا. وفي تعليقه على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، حول وضع دستور سوري جديد قبل آب المقبل، قال ريابكوف إنه لا يمكن تحديد الفترة الزمنية لوضع الدستور، لأن ذلك يتطلب عملاً تحضيرياً، مضيفاً أنه سيتم العمل بشكل شامل على قضايا الدستور وغيرها من جوانب العملية السياسية. وأشار إلى أنه ينوي بحث قضايا التسوية السورية خلال لقاء مع نظيره الأمريكي توم شينون، خلال زيارة الأخير لموسكو، والتي تأتي امتداداً لمباحثات وزيري خارجية موسكو وواشنطن.
قراءةٌ في تزايد الإهتمام الدولي تجاه سوريا
وهنا بدأت تتفاعل آثار الإنتصارات العسكرية والسياسية للجيش السوري والنظام. الأمر الذي دفع العديد من الدول الى إعادة تفعيل الإعتبار الدولي لدمشق. وفي هذا السياق، يبدو من الواضح ومن خلال الزيارة التي بدأها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى العاصمة الجزائرية الثلاثاء، وبدعوة من نظيره الجزائري رمطان العمامرة، أن الحصار السياسي والدبلوماسي والذي حاولت بعض الدول فرضه على سوريا، بدأ ينكسر. حيث يمكن إضافة العاصمة الجزائرية الى العواصم الأخرى التي تقيم علاقات دبلوماسية مع سوريا، مثل موسكو وطهران ومسقط، وبكين، وأخرى في أمريكا اللاتينية، والتي يجمعها التمرد على السياسات الأمريكية. فيما اعتبر العديد من المحللين، زيارة المعلم للجزائر، تحدياً من الأخيرة للتحالف العربي الأمريكي. فيما كان بارزاً إعلان الصين تعيين أول مبعوث خاص لها إلى سوريا، وهو الدبلوماسي شيه شياو يان.
وفي سياقٍ متصل، هنأ وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، في اتصالٍ هاتفيٍ نظيره السوري فهد جاسم الفريج، بالإنجازات التي حققها الجيش السوري والحلفاء. فيما أعرب الأخير عن شكر سوريا دولةً وشعباً، للحكومة والقوات المسلحة الإيرانية على دعم سوريا في حربها على الإرهاب التكفيري. فيما أكّد دهقان أن دعم بلاده لسوريا سيتواصل في مواجهة الإرهاب.
تحليلٌ ودلالات
لا شك أن الواقع الحالي أصبح يختلف بشكلٍ كبير عن سابقه. وهو الأمر الذي يأتي ضمن عددٍ من الأمور، نشير لها بالتالي:
جاءت هذه الإنجازات نتيجةً لتضحيات الجيش والشعب السوري. الى جانب الدعم الذي لقيه النظام من محور المقاومة، وكذلك الطرف الروسي. وهنا فإن الأمور تغيرت لدرجة أن الشروط التي كانت سبباً في عرقلة التسويات، انهارت بأسرها، بسبب ما حققه الجيش السوري والحلفاء في الميدان.
وهنا فلا بد من الإشارة الى أن هذه النتائج، ساهمت في فضح المؤامرة الدولية التي كانت تحاك ضد سوريا، والهادفة الى إطالة عمر الأزمة. والرهان على الإرهاب، لتمزيق وحدة الأراضي السورية، وإضعاف الدولة.
لكن ذلك المشروع لم يستطع الإستمرار. فقد استطاعت دمشق الثبات على موقفها بشأن التسوية السياسية وتثبيت طروحاتها، دون إحداث أي خللٍ في التزاماتها تجاه المبادرات التي طرحت. وهو الأمر الذي ساهم في تعزيز النجاح في الميدان السوري.
وبالتالي فإن النتائج لم تنعكس فقط على الإعتراف الدولي بالأسد رئيساً وبالنظام كجهة رسمية، بل تعدى ذلك لجعل سوريا الأسد، شريكاً في مكافحة الإرهاب المتمثل بداعش. من هنا جاء الحديث عن إمكانية خلق تعاون عسكري أمريكي سوري، عبر وساطةٍ روسية.
لذلك فإن رهان البعض على الفشل في الميدان، سقط مرةً أخرى. وهو الأمر الذي سيدفع عدداً من الجهات لا سيما فرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية، الى دفع ما يُسمى بالمعارضة للرضوخ للتسوية بشروط الوفد الحكومي، أي النظام السوري.
وبالتالي فإن المتوقع اليوم، أن يبدأ الحراك الدولي، لإعادة التنسيق العلني مع الطرف الرسمي في دمشق. وهو الأمر الذي كان يحصل بطريقةٍ بعيدة عن الأضواء، سيتحول اليوم الى حاجةٍ مُلحة، تستوجب من الجميع التعاون مع النظام السوري.
بالنتيجة، يمكن القول إن النظام السوري خرج الى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة بدوره الرسمي والذي اعترف به العالم أجمع. بل إن الدولة السورية، أثبتت أنها قادرة على فرض رؤيتها، واستطاعت ترسيخ مبادئ الدولة واحترام السيادة ووحدة البلاد.
إذن استطاعت سوريا الأسد تحقيق ما تريد. صمودٌ لسنوات، رافقه تضامنٌ من الحلفاء تطور ليصل الى حد التعاون المُشترك في قتال الإرهاب. ليتكلَّل بعدها الصمود الى جانب التضحيات، بنجاحاتٍ كبيرة، في الميدان، عزَّزت الدور السياسي والإعتبار الدولي لدمشق.
أما اليوم، فلم يعد الحديث عن مشروعية الأسد قائماً، ولم يعد الرئيس الأسد إرهابياً بحق شعبه كما كان يُروِّج الغرب، بل أصبح ضرورةً مُلزمةً للمضي في أي حل. ولم يكتف النظام بذلك، بل أصبح محط اهتمامٍ دوليٍ، سيُثمر في الوقت القريب، نتائج ستكون أكبر وأبهر.
إذن، لقد استطاعت سوريا الأسد، طي صفحةٍ من الماضي، ستدخل من خلالها تاريخاً، يخطُّ بالعروبة، كيف يمكن نسج المبادئ بالتضحيات. فيما سقطت العديد من الدول لا سيما الخليجية، في قعر الرضوخ والخنوع. لنقول إن سوريا عادت الى عرين الأسد من جديد، وعاد معها بريق الأمل للشعب السوري.
المصدر / الوقت