امريكا تتستر بالعباءة السعودية الضيقة
دخل العدوان على اليمن عامه الثاني دون التوصل إلى حل ينهي نزيف الدم اليمني، ورغم أن السعودية هي التي ترفع راية هذا العدوان، إلا أنه لا يمكن فصل القرار السعودي عن الرغبة والإرادة الأمريكية، ولا يمكن التقليل من دور واشنطن في بدء العدوان والإشراف عليه واستمراره.
كانت انطلاقة العدوان من واشنطن حيث أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن بدء العدوان في 26 آذار/مارس العام الماضي من العاصمة الأمريكية، وهذا إشارة واضحة إلى أن السعودية تحظى بالدعم الأمريكي، وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الجبير في واشنطن تساءل أحد الصحفيين حول ما إذا كانت السعودية قد تشاورت مع الرئيس الأمريكي قبل انطلاق “العملية”، فأجاب الجبير بأنهم قد تشاوروا بصورة مكثفة مع شركائهم في العالم ولاسيما الإدارة الأمريكية وأن هذه المشاورات قد أتت أكلها وأثمرت بهذا القرار.
لم تكتف أمريكا بالمساهمة في اتخاذ قرار العدوان على اليمن، بل شاركت فيه بشكل واضح وعلني، فقد اعترف العميد أحمد عسيري، المتحدث باسم القوات المشاركة في العدوان، بأن خبراء عسكريين أمريكيين يقدمون النصح لقوات التحالف، هذا بالإضافة إلى السلاح الأمريكي الذي تمد به واشنطن حليفتها الرياض، وقد نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا بعنوان “قنابل أمريكية على اليمن”، أكدت فيه سارة ليا وتسون، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على أنَّه “بات من المعروف نسبيًا أن الولايات المتَّحدة وبريطانيا تساهمان في المجهود الحربي للتحالف السعودي ضد اليمن وتمدانه بأغلب أسلحته”، وأشارت وتسون إلى أن السعودية باتت اليوم المستورد الأول للسلاح الأمريكي بعد شرائها أسلحة بقيمة 20 مليار دولار في عام 2015، كما واعترف، أنتوني بلينكين، نائب وزير الخارجية الأمريكي، أن أمريكا تعجل بإمدادات الأسلحة للتحالف الذي تقوده السعودية.
كما وشهدنا طيلة العدوان تجاهلاً دولياً للجرائم التي ارتكبتها القوات السعودية بحق اليمنيين، ورغم العديد من التقارير الصادرة عن مؤسسات حقوقية دولية والتي أشارت إلى أن السعودية تستخدم أسلحة محرمة دوليًا، إلا أن الموقف العالمي الصامت كان مثيرًا للجدل، فواشنطن التي احتلت العراق قرابة 10 أعوام بذريعة الأسلحة الكيماوية سكتت عندما كانت أصابع الاتهام تشير إلى الرياض.
لم يقتصر الدور الأمريكي على الميدان، فسياسيًا كان لواشنطن دور كبير في عرقلة المحادثات بين اليمنيين منعًا للتوصل إلى اتفاق يفضي إلى وقف العدوان، إذ قامت واشنطن بعرقلة الحوار في موفمبيك وجنيف، وبدا ذلك واضحًا في نسف واشنطن لاتفاقية السلم والشراكة الوطنية التي اتفق عليها اليمنيون، وفي البداية أكد أوباما لعبد ربه منصور هادي قبل رحيله عن السلطة “أهمية أن يعمل اليمنيون على تنفيذ مخرجات الحوار بما في ذلك اتفاق السلم والشراكة الوطنية”، وهنا كانت واشنطن تدعي أنها تدعم الاتفاقية التي توصل لها اليمنيون، إلا أنه بعد انتفاضة الشعب على عبد ربه منصور هادي الذي خسر السلطة، غيرت واشنطن معاييرها والتفّت على الاتفاق، وأصدرت السفارة الأمريكية بيانًا في شباط/فبراير 2015 جاء فيه: “إن الشعب اليمني يستحق مساراً واضحاً للعودة إلى حكومة شرعية فيدرالية وحدودية بما يتفق مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون اليمني”، وهذا يشير إلى أن الاتفاق اليمني لم يعد الأولوية وأصبح هناك موازين جديدة على رأسها قرارات دول مجلس التعاون، وهذا يدل على أن واشنطن لا تعمل على حل الأزمة اليمنية على شكل يخدم الشعب اليمني بل هي تعمل على حرف الوقائع لصالحها وعلى الشكل الذي يخدم مصالحها.
هذه المعطيات تؤكد أن كل ما يجري في اليمن من تدخلات عسكرية وحلول دولية يخضع لإشرافٍ أمريكي، وهناك العديد من الأسباب التي دفعت واشنطن إلى اختيار التدخل المستتر ووضع السعودية في الواجهة، وعلى رأس هذه الأسباب هي إعطاء المشروعية للعدوان على اليمن، فالشعوب العربية سترفض أي اعتداء أمريكي على أي بلدٍ عربي، في حين أن الشارع العربي قد لا يرفض تدخل السعودية التي تتستر بغطاء ديني الأمر الذي يغرر بالشعوب العربية والإسلامية ويجعل الحقائق بعيدة عن عينيها.
كما أن دخول واشنطن الحرب ضد اليمن بشكل مباشر سيؤدي إلى توحد الشعب اليمني وهذا أمر يقلق واشنطن التي تدرك أن دخول السعودية سيشق الصف اليمني، وخاصة أن السعودية تملك ذريعة دينية تمكنها من جذب العديد إلى صفها لأسباب طائفية بحتة، هذا بالإضافة إلى أن دخول قيام السعودية بالعدوان سيوتر الأجواء في البلاد الإسلامية وسيصب الزيت على نار الطائفية التي تحاول واشنطن إشعالها في المنطقة.
ومن العوامل الأخرى التي دفعت أمريكا إلى عدم الدخول المباشر في العدوان على اليمن هو أنها لا تريد أن تتكبد الخسائر طالما أن هناك من هو جاهز ليتكبدها، كما أن هذا يجعل واشنطن بعيدة عن الضغوط الدولية والسياسية، وخاصة أن تجربة العراق أعطت درسًا لواشنطن أن احتلال أي بلد عربي يجعل من شعب هذا البلد عدوًا لواشنطن، فأمريكا ترغب في تنفيذ مشاريعها بطريقة تجنبها عداوة الشعب اليمني في المستقبل، ولهذا فهي من جهة تطرح شعارات حول حق الشعب اليمني في تقرير مصيره، ومن جهة أخرى تدعم العدوان على اليمن، كما أن للأزمة السورية دوراً كبيراً في ردع أمريكا عن الدخول باليمن، فواشنطن تحاول أن تتجنب أي ضغوط أو إدانات دولية لتستطيع التأثير بشكل أكبر على الأزمة السورية.
أهداف واشنطن هذه دفعت بها إلى تنفيذ مشروعها المخطط لليمن تحت عباءة السعوديين وخلف إعلامهم، ورغم محاولة السعودية إظهار نفسها بأنها قائدة التحالف ضد اليمن إلا أن هذا لايغير شيئًا من حقيقة كونها أداة تنفذ مشروعًا أمريكيا، وحتى لو استطاعت السعودية أن تخفي وصمة عارها هذه في بعض المحافل الدولية، إلا أن الشعوب العربية تدرك الارتباط الوثيق بين الرياض وواشنطن حليفة الكيان الإسرائيلي وأكبر داعميه، كما أن قيادات السعودية وصناع قرارها يدركون جيدًا الحقيقة التي يحاولون إخفائها بأنهم ليسوا إلا أدوات لمشاريع واشنطن.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق