التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

حقائق بنما الخفية : تغيير في النظام العالمي يهدف لجعل واشنطن وجهة التدفقات المالية 

نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية بتاريخ 5 نيسان المنصرم، مقالاً تحت عنوان (Will the Panama Papers Be a Catalyst for Change) أي ما ترجمته “هل يمكن لوثائق بنما أن تكون محفزاً للتغيير”، للكاتب “توم كاردامون”. وهو مقال روَّج لأهمية البيانات المُسرَّبة، وتساءل عن إمكانية أن تُحدث هذه التسريبات تغييراً في النظام الإقتصادي العالمي. وهنا فإن هذا التساؤل وإن كان منطقياً يفتح الباب على أجوبةٍ تتعلق بالأسباب الحقيقية لهذا التسريب وما إذا كانت تهدف لإحداث تغييرات مُخطَّط لها مسبقاً. في وقتٍ خرج الى العلن حديث خبراء ماليين عن إمكانية أن يكون الهدف الحقيقي من هذه التسريبات إقصاء سويسرا من وجهة التدفقات المالية، وإحلال ولايات أمريكية مكانها. فماذا في تقرير الفورين بوليسي والذي يكشف جديداً في قراءة الحدث؟ وما هي دلالات ذلك؟

تقرير الفورين بوليسي

تساءلت المجلة الأمريكية عما إذا كانت تسريبات بنما، ستفسح المجال أمام أي تغيير في الإقتصاد العالمي. وأشارت الصحيفة الى أن ما كشفته تسريبات بنما الأخيرة ليس بجديد فيما يتعلق بوجود ما وصفته بكونه “فساد مستشرٍ” في الدول الضعيفة أو في الدول التي تخضع لحكم الطغاة الأقوياء. ويؤكد المقال إلى أن المرء ليس بحاجة للخوض كثيراً في كتب التاريخ لإيجاد أنشطة مماثلة، حيث أن مليارات من الأموال وجد أنها تدار في الخارج من قبل رؤساء كحسني مبارك، ومعمر القذافي، وزين العابدين بن علي. لكن التقرير سلَّط الضوء على أن أهم ما يميز هذه التسريبات هو مدى ضخامتها وحجم المعلومات التي سُرِّبت. الأمر الذي وفِّر بالتأكيد معلومات ضخمة بشأن وثائق وشركات وهمية، وعملاء، وبلدان متضررة ومسؤولين حكوميين معنيين، أكثر مما كشفته تسريبات مماثلة أخرى سابقة وبشكل علني.

وأكدت المجلة أن التسريبات هي أكبر عمليات تسريب للبيانات في العالم وتعتبر أكبر من تلك التسريبات الدبلوماسية الصادرة عن ويكيليكس عام 2010، ومن وثائق الإستخبارات السرية التي قدمها إدوارد سنودن إلى الصحفيين عام 2013. حيث وصفت “فورين بوليسي” تسريبات ويكيليكس بأنها تبدو وكأنها ساعة هواة، بالمقارنة مع وثائق بنما.

السؤال الأهم: هل ستكون التسريبات حافزاً لإحداث تغييرات في الإقتصاد العالمي؟

أكمل الكاتب قائلاً: “بينما أفسحت أحداث الحادي عشر من أيلول المجال من أجل القضاء على المصارف الوهمية، وكانت سبباً في دفع الأزمة المالية العالمية عام 2008، من أجل خلق الإرادة السياسية للشروع في خطة إقتصادية تهدف لمحو القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (BEPS)، فإنه من غير الواضح إذا كانت تسريبات بنما ستكون حدثاً مشابهاً يُنظر إليه كأزمة”. وتابع التقرير قوله إنه في حال نُظر إلى تلك التسريبات بأنها أزمة على هذا النحو، فإن ثمة تغييراً حقيقيّاً يمكن تحقيقه فيما يتعلق بالقضاء على الشركات الوهمية مجهولة المصدر. أما إذا أُعتبرت الأنشطة غير المشروعة من النخب السياسية أعمالاً تجارية فقط ، فمن المرجح أن يحدث قليل من الإصلاح.

وتساءل التقرير حول ما إذا كان العالم يعاني من وطأة الفساد، وبخاصة بعد سيل الفضائح المصرفية والتسريبات التي لا نهاية لها، والتهرب الضريبي على الشركات، والعمولات. وهنا فإن هناك تساؤلين رئيسيين قد يساعدان في الجواب عن السؤال المتعلق بإمكانية التغيير. السؤال الأول يُطرح بحسب التقرير، عن العملاء الذين يقدر عددهم بـ 14,000 عميل ممن شملتهم التسريبات، وممن لا ينتمون إلى الشخصيات السياسية، والإقتصادية، أو الفنية؟ وكم حجم الأموال التي لديهم، ولماذا يقومون بإخفاء هذه الثروات؟

فيما كان السؤال الثاني، حول الكيفية التي ستكون عليها ردة فعل الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي حيال ما وصفه التقرير بـ”الفضيحة”؟ وهل من الممكن أن تفضي هذه التسريبات إلى ظهور ردّات فعلٍ جديدة مثل “محمد بوعزيزي” آخر، في إشارة إلى الشاب التونسي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على انتهاكات تعرض لها من قبل الشرطة التونسية وما تبع ذلك من اندلاع الثورة التونسية في كانون الثاني 2001؟

تحليل ودلالات

لا شك أن ما عرضته الفورين بوليسي، يمكن اعتباره بموضوعية مهماً. لكن عدداً من الأمور، يجب تسليط الضوء عليها، ويمكن ذكرها بالتالي:

على الرغم من حجم التسريبات، جرى التساؤل عن أسباب غياب أسماء الشركات والمصارف الغربية الكبرى، وما يُعرف بحيتان الأموال ورجال الأعمال الكبار، عن التقارير التي أعدّتها المؤسسات الإعلامية التي استلمت وفرزت وتحققت من “أوراق بنما”. وهنا يقول الخبراء أن ما يُثير الريبة هو أن يكون مبلغ 2 مليار دولار والذي أعتُبر أهم فضيحة في التسريبات والذي يتعلق بأصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو أكبر رقم تُظهره التسريبات من رابع أكبر مركز لتقديم خدمات “الأوف شور” في العالم أي “موساك فونسيكا”، بينما تُقدَّر المبالغ المخبأة في “قطاع الأوف شور” بين 7.8 ترليون كحدٍ أدنى و13 ترليون دولار.
وهنا فإنه تتم محاولة تصوير قضية “الأوف شور” إعلامياً، وكأنها قضية فساد تورط فيها أصحاب أموال للتهرّب من دفع الضرائب، أو لإخفاء ثرواتهم، فيما هي في الحقيقة قضية من صلب الأزمة الإقتصادية العالمية، وترتبط أساساً بالتفاوت الطبقي الكبير بين طبقة الأثرياء والتي تمثل نسبة 0.1% من الناس في العالم، وعامّة الناس. وهو الأمر الذي يؤدي الى عجز الحكومات واضطرارها للإستدانة، في وقتٍ توجد فيه كميّات هائلة من الثروة في أيدي أقلية من مواطنيها.
وليس بعيداً عما يجري، فقد أشار الإقتصادي الألماني أرنيست وولف، في حديث له أجرته وكالة “سبوتنك” الألمانية، إنه بعد فضيحة بنما قد تجني واشنطن تريليونات الدولارات في خلال عملية إعادة توجيه التدفقات المالية إلى ولايات أميركية، تسعى لأن تصبح ملاذاً ضريبياً جديداً. ورأى وولف أن فضيحة بنما لا تهدف لإنهاء وجود مناطق جذابة لـ “أوف شور”، بل ستعيد توجيه التدفقات المالية إلى مناطق أخرى ستُشكّل بعض الولايات الأميركية التي تطبّق السرية المصرفية مراكز أساسية لها. وأشار وولف إلى أن الفضيحة لم تمسّ أي شركة أميركية، ولذلك قد تكون جزءاً من استراتيجية أميركية مقصودة. وذكّر وولف بأن واشنطن تمكّنت مسبقاً من تقويض مبدأ سرية الودائع في سويسرا، حيث باتت جينيف ملزمة بتقديم كل ما تطلبه السلطات الأميركية من معطيات عن المواطنين الأميركيين، كما حصل مع دول أخرى.
إذن هي لعبة الكبار فيما يخص التسريبات. فلا يوجد في العالم من لديه غيرة على الشعوب، خصوصاً أولئك الذين ينطوون تحت خيمة كبار رجال الأعمال في العالم. لكن خلق الأزمات لم يعد جديداً على واشنطن والتي تسعى للبقاء في مقدمة الإقتصاد العالمي. فهل تنجح في ذلك؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق