السقوط أو التحالف العلني مع “إسرائيل”!
خلال العقود الأربعة الماضية عانى الشعب اللبناني بجميع مكوّناته الطائفية والعرقية من معضلتين أساسيتين كلّفته الكثير بحيث أصبحتا ذكرى أليمة لكلّ مواطنٍ لبنانيٍّ، إحداهما الحرب الداخلية الدامية والأخرى الاحتلال الصهيوني.
إنّ هذه الأوضاع المزرية سلبت الأمن من الشعب اللبناني وزعزعت مبادئ التعايش السلمي بين مختلف الطوائف حيث أسفرت عن وقوع صراعاتٍ داميةٍ أحرقت الحرث والنسل ودمّرت البلاد وانتشر إثرها الفقر والحرمان، ولكن بعد عقدين من المعاناة والآلام التي تسبّب بها الاحتلال الصهيوني للأراضي اللبنانية تمكّنت المقاومة الشريفة المتجسّدة بحزب الله من التصدّي بحزمٍ دفاعاً عن حياض الوطن لتنقذ شعبها المظلوم من براثن الصهاينة المتعطّشين لسفك الدماء وبدّدت أحلامهم في العودة مرّةً أخرى وجعلتهم يشعرون بأنّ الدخول في هذه الأراضي المحرّرة مرّةً أخرى لا يعني إلا الانتحار والسقوط في هاوية الخزي والهزيمة.
الشعب اللبناني لا ينسى ذلك الموقف الذي سجّل في أنصع صفحات التأريخ، ألا وهو اتّحاده في عام 2006م ضدّ الغزاة الصهاينة في حرب الثلاثة وثلاثين يوماً، حيث أوى أهل الوسط والشمال أبناء الجنوب الذين التجؤوا بهم وهيّؤوا لهم كلّ مستلزمات الحياة الضرورية فشاركوهم في المسكن والمأكل، كما لا ينسى أيّ لبناني تلك الأيام التي تعرّضت فيها الضاحية الجنوبية لغارات جوّية جنونية من قبل طائرات الصهاينة فآوى اللبنانيون أبناء هذه الضاحية في منازلهم ليجتمع تحت سقفٍ واحدٍ مسلمٌ سنّي وشيعي مع المسيحي والدروزي، فكان ينتابهم هاجسٌ واحدٌ لا غير، وهو الأخوّة التي جمعتهم مقابل الاعتداءات الإسرائيلية السافرة على بلدهم، لذلك عندما هزم الصهاينة أوّل هزيمة في تأريخ حروبهم الدامية وفرّوا يجرجرون وراءهم أذيال الهزيمة والخذلان، خرجت جميع مكوّنات الشعب اللبناني إلى الشوارع معلنةً عن بهجتها الغامرة واحتفلت بانتصار المقاومة البطلة التي رفعت رأسها أمام الملأ العام، ومن ثمّ أصبح السيّد حسن نصر الله والمقاومة رمزين لعزّة العرب وكرامتهم.
كلّ لبناني يتأمّل بتأريخ بلده الحديث يجد أنّ شعبه قد عانى أشدّ معاناة من التدخّلات الخارجية والحروب التي زعزعت أمن البلد والتي أسفرت عن الخدش بالتعايش السلمي الذي جرّبه اللبنانيون طوال تأريخهم مـمّا أدّى إلى تشويش الأوضاع بشكلٍ عامٍّ وتأزيمها، ولا أحد ينكر اليوم أنّ الجارة سوريا أمست ضحيةً للحقد السعودي الدفين ضدّ أسرة الأسد، وإضافةً إلى ذلك فإنّ السعودية اكتنفها وهمٌ جعلها تشعر بروح التعالي والتكبّر على سائر البلدان العربية، بل وجميع بلدان المنطقة لدرجة أنّها باتت تحلم بأن تقود دفّتها وتسيّرها كيفما تشاء! ومن ذا الذي ينكر أنّ الإرهابين التكفيريين تخرّجوا من مدرسة التكفير الوهّابي؟! ومن لا يعلم أنّ آل سعود هم الذين غذّوا وما زالوا يغذّون هذا الفكر المتطرّف البغيض؟! أمّا المهمّة الجديدة التي أوكلت إلى آل سعود فهي تتمثّل في هذه الأيام بتضليل الرأي العام عن طريق العمل على تحسين صورة الصهاينة ومحو فكرة أنّهم أعداء والسعي لإلقاء فكرة أنّهم أصدقاء، أي أنّ آل سعود بدؤوا يغيّرون المفاهيم الثابتة عبر تلقين أنّ الصديق عدو، والعدو صديق!
بدأت السعودية بنشاطاتها الإرهابية بشكل علني في لبنان قبل أربع سنوات، حيث أسّست معسكراً إرهابياً في شمال هذا البلد وزوّدته بالعدّة والعديد كي يكون مقرّاً لضرب عصفورين بحجر واحد، أي ضرب لبنان وسوريا معاً بهدف القضاء على المقاومة الإسلامية، وما زالت هذه الجهود المناهضة للسوريين واللبنانيين متواصلة حتّى الساعة.
كلّ لبناني يدرك بالدليل القاطع أنّ السعودية قد روّجت الفساد في بلاده، فهو كلّما عاد إلى الخلف في تأريخ بلده المعاصر وجد أنّ آل سعود لم يجلبوا له سوى الفحشاء والمنكرات التي تصل ذروتها في عطلة نهاية الأسبوع ولا سيّما في القصور التي شيّدوها والكازينوهات ودور القمار والفحشاء التي هي بصمات لهم، حتّى إنّهم استعبدوا بعض أبناء الشعب اللبناني وجعلوهم خدماً لهم، لكن حينما فسح لهم المجال في ملاهي ودور القمار والدعارة في لندن، غيروا استراتيجيتهم في لبنان وبدؤوا بنشاطات جديدة عبر تصدير هدايا تكفيرية وإرهابيين من الدرجة الأولى وأسلحة فتاكة تودي بدماء الشعب اللبناني وأبناء المنطقة بشكل عام.
لقد صدع السيّد حسن نصر الله بأعلا صوته داعياً إلى إقرار العدل ومقارعة الظلم المفضوح من قبل آل سعود ضدّ الشعب البحريني الأعزل، ودعا إلى وقف نزيف الدم في اليمن الجريح الذي راح شعبه المظلوم ضحيةً لأحقار آل سعود الدفينة، كما طالب بوقف كلّ أنواع الظلم والجور في المنطقة بأسرها؛ وإثر هذه التصريحات الإنسانية بدأت ذئاب الصهاينة وثعالب الرجعيين العرب تعوي بوجهه، فحرّك الصهاينة أصدقاءهم الأوفياء الخلّص في المنطقة لنشهد اليوم ذلك الموقف المخزي لبلدان مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها حكومة الرياض التي جعلت الفكر الصهيوني منطلقاً إيديولوجياً في سياساتها الخارجية، لذلك يمكن اعتبار ما صدر من هذه البلدان حول حزب بأنّه السبيل الوحيد للحفاظ على كيان الصهاينة وإنقاذهم من مستنقع الهزيمة الذي أرّقهم فترةً طويلةً، كما أراد الرجعيون العرب من هذا القرار صيانة المصالح الاستكبارية والاستعمارية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وهم يعلمون جيداً أن هذا الأمر لا يتمّ إلا عن طريق اتّخاذ هكذا قرارات سخيفة وعبر إشاعة الفتنة الطائفية والحروب الاستنزافية وترويج التخلّف والجهل بين شعوب المنطقة.
والطريف أنّ الصهاينة أنفسهم اعترفوا مؤخّراً بأنّهم لو هجموا على لبنان سوف تحلّ نهايتهم بصواريخ حزب الله، والأوضاع السورية أثبتت بوضوح أنّ الأشهر الأربعة المنصرمة التي شهدت هجمات جوية روسية ضد الإرهابيين التكفيريين كان كابوساً يدكّ مضاجع أعداء الشعب السوري ولا سيما السعودية وأمريكا وتركيا لأنّ هذه البلدان بدأت تشعر بأنّ نهاية الإرهاب أصبحت قريبةً في هذا البلد بفضل جهود روسيا وسوريا وحزب الله. هذه النتائج الاستراتيجية التي سدّت الطريق على الصهاينة وحكّام آل سعود وسائر حلفائهم الغربيين وبدّدت أحلامهم، قد أسفرت عن ظهور ما كان مخفياً وفضح بعض الأسرار، حيث غيّرت السعودية استراتيجيتها السرّية في التعامل مع إسرائيل ودخلت مرحلة جديدة علنية لدرجة أن وزير خارجيتهم عادل الجبير وبعض المسؤولين في الأسرة الحاكمة شدّوا الرحال نحو تل أبيب في زيارات رسمية للاستجداء من الصهاينة وطلب العون منهم لانتشال الأرهابيين التكفيريين في سوريا من وحل الهزيمة ودعوهم إلى التدخل مباشرة في جنوب سوريا.
وكما هو معلوم لكلّ متابع فإنّ الصهاينة منذ فترة طويلة يرومون إظهار علاقاتهم السرية مع أسرة آل سعود وبعض البلدان العربية إلى العلن، ففي عام 2006م أكّد سمعون بيريز على هذه الحقيقة ثمّ أيّده بنيامين نتنياهو وبعده ليفني التي تربطها ببعض الحكّام العرب علاقات جنسية.
الظروف الراهنة أودت بأحلام الرجعيين العرب وعلى رأسهم آل سعود وأوقعتهم في وحل هزائم وإهانات متكرّرة في اليمن والبحرين والعراق وسوريا وحتّى لبنان وشمال أفريقيا، الأمر الذي دعا أصدقائهم الصهاينة إلى المبادرة في إعلان علاقاتهم الحميمة معهم لكون هذه الظروف تعدّ فرصةً مؤاتيةً للإفصاح عن هذه العلاقات الوطيدة، إذ لم يعد من المهمّ بالنسبة إلى الصهاينة إخفاء هذه العلاقات لكونها لا تجدي نفعاً كبيراً كالسابق، حيث صرّح نتنياهو وسائر المتطرّفون الصهاينة بأنّهم ليسوا بحاجةٍ إلى الرجعيين العرب وسوف لا يرجعون إلى الفلسطينيين حتّى متراً واحداً من أراضيهم.
وأمّا الظروف القاهرة التي تعصف بحكومة آل سعود فقد أوقعتهم في مستنقعٍ قذرٍ وحوّلتهم إلى فئةٍ منبوذةٍ من قبل جميع الأحرار والشرفاء في المنطقة والعالم، لذلك لم يجدوا بدّاً إلا فتح ملفٍ أزمةٍ جديدةٍ من خلال الوقوف بوجه المقاومة بغية كسب ودّ أصدقائهم القدماء الصهاينة، إذ اتّبعوا نفس أسلوبهم فأقرّ ما يسمى بمجلس التعاون الخليجي قراراً يصف المقاومة الشريفة بالإرهاب كي يوجّهوا ضربةً للكرامة والشرف العربي بعد أن وصموه بالإرهاب.
والمثير للعجب والسخرية في آنٍ واحدٍ أنّ الرجعيين العرب يعتبرون الإرهابيين الحقيقيين الذين يعتنقون الفكر الوهابي المتطرف ويرتكبون أبشع المجازر بحق العرب والمسلمين والبشرية جمعاء بأنّهم (معارضة مسلحة) في حين أنّهم يعتبرون المقاومة الشريفة التي رفعت رأس المسلمين والعرب أمام الأشهاد بأنّها (منظمة إرهابية)!! فيا ترى أيّ عاقلٍ يصدّق بأنّ الضبع أزكى من الأسد؟! ومن ذا الذي يعتبر الثعلب المكّار فاضلاً والأسد الضرغام جباناً؟! فليقرّروا ما يقرّروا، المقاومة الشريفة تبقى نزيهة من كلّ ما زعموا رغم أنوفهم وهم في الحقيقة يخادعون أنفسهم ويتملّقون لأسيادهم ويبثون سمومهم في قلب الوطن العربي والإسلامي.
في السنوات الخمس الماضية أنفق آل سعود وبعض الحكام الفاسدين العربي مليارات الدولارات بغية تأجيج حروب دامية وإحراق الحرث والنسل في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بهدف تقديم أفضل الخدمات لأسيادهم من البلدان الاستعمارية الغربية والتملّق للصهاينة ومدّ يد العون لهم إثر هزائمهم التي أرّقتهم أمام الآلة العسكرية المتواضعة التي تمتلكها المقاومة مقارنةً مع الأسلحة الأمريكية الفتاكة التي يمتلكونها، واليوم نجد أنّ أولئك الرجعيين وجّهوا سهامهم نحو الشعب اللبناني بغية زعزعة أوضاعه وإشعال حربٍ طائفيةٍ فيه بعد أن استقراراً لمدّة من الزمن.
لو أنّ حكّام الرياض يفقهون أقلّ القليل من ألف باء السياسة، لاستطاعوا كسب دعم الشعوب العربية من خلال تلك المليارات التي أنفقوها ضدّ هذه الشعوب والتي تسبّبت في دمار بلدانهم وقتل أبنائهم وتصدير الفكر الإرهابي الوهابي لهم، إذ إنّ كلّ عاقلٍ حكيمٍ يدرك أنّ كسب ودّ هذه الشعوب إنّما يتحقّق عن طريق مساعدة الفقراء وإعمار البلاد وعدم تقديم فلسطين إلى الصهاينة على طبقٍ من ذهبٍ وعدم السير في ركب هؤلاء الصهاينة الذين يعلنون عداءهم وحقدهم على العرب والمسلمين بكلّ وقاحة، كما كان من الحريّ بهم عدم إثارة الفتن الطائفية البغيضة وعدم تصدير الإرهابيين التكفيريين الذين لا توجد ذرة من الرحمة في نفوسهم؛ فإنّهم إن كانوا عقلاء حقّاً لما اقترفوا كلّ هذه الحماقات التي جعلتهم في أسفل سافلين.
لقد تحوّل آل سعود اليوم إلى بعبعٍ مروّعٍ لا يرحم بأيّ إنسانٍ شريفٍ، بل وحتّى لا يرحم شبعه المغلوب على أمره، فعلى الرغم من دولارات نفط الجزيرة العربية لكنّ الشعب في بلاد الحجاز يعاني من الذلة والفقر ويعاني من ضنك اقتصادي.
إنّ حكام الرياض لا يعلمون بأنّ دعمهم اللامحدود لإسرائيل وللمستعمرين الغربيين يعني بداية النهاية لهم، لذلك اقترب اليوم الذي سينهار حكمهم ولا يجدون بدّاً من التسكّع في أزقّة لندن لأنّهم سيعودون إلى الأمّ التي أنجبتهم وسيقبرون في باطنها.
بقلم محمد عز