قمة اسطنبول..المؤامرة السعودية والنفاق الاردوغاني!
وانا استمع الى كلمة الرئیس التركي رجب طیب اردوغان في نهایة مؤتمر القمة الاسلامیة الذي عقد علی مدی یومین ( 14 و15 ابریل/ نیسان 2016 ) اتضح لي ان قمة اسطنبول الاسلامية وعلى غرار القمم العربية تظاهرة للدولة المضيفة ومن دفع لها اكثر!..
لكن لماذا تفشل قمة اسطنبول التی شارك فيها نحو 30 رئيسا.. ومع كل هذا الصخب والضجیج الاعلامي الذي رافقها والتحرك السعودي الذي سبقها علی المحورین المصري والتركي..؟
والجواب باختصار: هو التباین والاختلاف في الاولویات وتحول البلدان الاسلامیة الی عدة محاور (معلنة وغیر معلنة).. ورغم ان اغلب هذه البلدان متفقة من حیث الانتمائین الطائفي والسیاسي، والمقصود بالطائفي اغلبية سنية (لو انها غير وهابية) والسیاسي هو تبعیتها للسیاسة الامیركیة ورضوخها للضغوط الغربیة.. لکن قلوبهم شتى وكل امة فيهم تلعن اختها.
ومن هذا المنطلق یمكن مشاهدة المحاور والتکتلات التالیة داخل منظمة التعاون الاسلامي:
1. محور بلدان جنوب وجنوب شرق آسیا، مثل: اندونیسیا ومالیزیا والمالدیف وبنغلادیش وباكستان.. وهؤلاء اولویاتهم الاقتصاد وتحسین ظروفهم التنمومیة والبحث عن اسواق للعمل والمنتوجات.. مع انهم متفقون من حیث الاتجاه العام السیاسي على السیر في الرکب الامیرکي.
2. محور بلدان الخلیج الفارسي العربیة (باستثناء سلطنة عمان وقطر) یتبعهم بالارتزاق کل من الاردن والمغرب ویلحق بهم متاخرا السودان… ومعهم جیبوتي وجزر القمر والسنغال و…
وهؤلاء الیوم یمثلون مشروعا امیركیا – سعودیا – صهیونیا هو الاساس في الصدام والاختلاف بین اغلب بلدان العالم الاسلامي.. منهم نشأ الارهاب القاعدي والداعشي التكفیري وهم من یمولونه مادیا ومعنویا…
3. المحور التركي – القطري ویمكن اضافة بلدان اخری الیه في آسیا الوسطی والقوقاز وفي منطقة البلقان… وهؤلاء یمثلون سیاسة الناتو في المنطقة الاسلامیة.. یلتقون مع المحور السعودي ـ الخلیجي في نقاط ومع الشرق آسیوي في اخری ولهم اولویاتهم الخاصة…
4. مصر التي تمثل بمفردها محورا یحاول الجمیع جرها الیه.. تركیا عن طریق الاخوان، والسعودیة بالمال والانقلابات، وایران من خلال النموذج الثوري المقاوم، وحتی الامارات ارادت ان تخلق مع مصر محورها المتمیز القائم علی الاقتصاد والامن (المرتبط بالشطر الاوروبي من الناتو) والعداء للاخوان، لكنه لم ینجح…
5. محور المقاومة (ایران والعراق، سوریا) ویمكن اضافة بلدان مثل لبنان والجزائر والیمن (علی ارض الواقع والذي یخوض حربا مع المحور الامیركي – السعودي في المنطقة )…
اما البلدان الاخری فهي تبع لمواقف المحاور الخمسة الرئیسیة المذكورة وفي بعض الاحیان یحدث تداخل بین المحاور علی بعض الملفات.. مثلا لیس بالضرورة ان تقف بلدان آسیا الوسطی مع المحور التركي في موقفه من ازمة قره باغ والصراع الاذربیجاني ـ الارمیني.. او ان تتبنی باكستان موقف السعودیة ازاء الازمة السوریة او الیمنیة رغم التحالف العمیق بینهما.. فلكل بلد اولویاته الداخلیة والخارجیة التي ترسم مواقفه…
اعود الی السؤال عن قمة اسطنبول.. هل فشلت ام نجحت؟ وللاجابة لابد ان نأخذ بنظر الاعتبار اربعة مؤشرات هي الاساس في تأسیس واداء منظمة المؤتمر الاسلامي عام 1962 والتي تحولت فیما بعد الی منظمة التعاون الاسلامي:
الاول: فلسطین
استعادة فلسطین والحق الفلسطیني وتحریر القدس الشریف ومواجهة المشروع الصهیوني كان السبب الاول والرئیس لانطلاق المنظمة وظهورها… فماذا عن فلسطین الیوم؟!
قبیل انعقاد قمة اسطنبول كانت تركیا والكیان الاسرائیلي یتحدثان عن تقدیم كبیر في مشروع التطبیع واستعادة رونق العلاقات التي لم تنقطع ابدا!
وقبیل قمة اسطنبول تم الكشف عن دخول السعودیة الی معاهدة كامب دیفید من خلال ملف جزیرتي تیران وصنافیر.. اضافة الی ملفات “التهدید الایراني” ومعارضة النظامین (السعودي والصهیوني) للاتفاق النووي!
وهناك ما یقرب من 30 دولة اسلامیة تقیم علاقات رسمیة وغیر رسمیة مع كیان الاحتلال الصهیوني وفي مقدمتها السلطة الفلسطینیة نفسها التي اعترفت بالكیان الغاصب للقدس وفق اتفاقیة اوسلو سنة 1993 والمتهمئ مؤخرا بضرب انتفاضة القدس التي لم يذكرها بيان قمة اسطنبول، والاصرار على التنسيق الامني مع الكيان المحتل.. ومن البلدان التی تقیم علاقات علنیئ رسمیئ او غیر رسمیئ مع الکیان الصهیونی: اذربیجان، تركیا، مصر، الاردن، البانیا، اوزبكستان، البوسنة والهرسك، السنغال، المالدیف، تركمنستان، طاجیكستان، كازاخستان، قرغیزستان، الامارات، قطر، البحرین، المغرب، السودان و… الخ.
ولو نظرنا الی الواقع الفلسطیني فانه یتراجع یوما بعد یوم جراء مواقف الدول الاسلامیة والعربیة الخادمة للوضع الصهیوني… فالتحالفات الاسلامیة والعربیة المزعومة لم یكن واحدا منها لاحقاق الحق الفلسطیني، بل جمیعها لتنفیذ السیاسة الامیركیة في المنطقة.
الثاني: الوحدة الاسلامیة
وهذه اصبحت مزحة سخیفة بعد ان كانت حلما ولو بعید المنال، بسبب الانظمة العملیة لمشروع التجزئة الاستعماري.. بل اصبحت التفرقة (المذهبیة والعرقیة خاصة) هي السمة الغالبة علی الواقع الاسلامي مع بروز التیار الوهابي التكفیري السعودي المنشأ والممول امیركیا.. خاصة وان ادوات هذا التیار (الارهابیة) اصبحت وسائل ضغط وانتقام وضرب للبلدان والمشروع المقاوم للسیاسة الامیركیة في المنطقة..
انظروا لما یحدث في العراق، سوریا، لبنان، لیبیا، الیمن وحتی مصر وتونس.. ودور انظمة مثل: السعودیة، الامارات، تركیا، الاردن وقطر في ضرب وحدة هذه البلدان وتدمیرها.
الثالث: التنمیة والدیموقراطیة
في قراءة بسیطة، واذا ما استثنینا بعض بلدان العالم الاسلامي، مثل: الجمهوریة الاسلامیة ومالیزیا وتركیا وباكستان نوعا ما.. ما هي اسهامات العالم الاسلامي في ركب العلوم والتقنیة والتنمیة في المنطقة والعالم..؟
لقد تحول اهم مصدر للثراء في بلداننا (النفط) الی أهم وسیلة وسبب للتخلف والی اداة في تدمیر الثقافة والنتاجات العلمیة.. ولم یتاخر العالم الاسلامي الا عندما تسلط علیه التحجر الوهابي والسلفي الذي جاءت به اموال البترودولار الخلیجي وخاصة السعودي.
اما الدیموقراطیة فهي الاخری “مزحة سخیفة” و “بدعة مضلة” مع غلبة المنطق السعودي علی الجامعتین العربیة والاسلامیة.. صارت السعودیة والبحرین والامارات وانظمة آل فلان وآل علّان هي التي تقود جیوش الدیموقراطیین الحاملین للسكاكین والسیوف لفرضها في سوریا.. بینما في السعودیة (باستثناء الاحساء والقطیف) لم تخرج تظاهرة معارضة منذ سنة 36 هجریة.. حتی آنذاك كان المصریون والعراقیون في مقدمة الاحتجاجات!
الرابع: الارهاب
لعل الارهاب الذي اتخذ صفة سلفیة تكفیریة مذهبیة هو السمة الابرز للتهدید الذي تواجهه اغلب البلدان الاسلامیة، من جاکرتا حتى طنجة، بل تعدی ذلك الی دول العالم الاخری..
ولو عرفنا مصادر الارهاب وكیف نشأ ومن یدعمه، سنعرف هل نجحت قمة اسطنبول في وضع حد لظاهرة الارهاب ام لا؟!
فالتكفیر بالاساس بضاعة وهابیة نجدیة تبناها آل سعود منذ ظهورها قبل 250 سنة وهم من نشرها وصدرها الى البلدان الاخری..
ولا تزال السعودیة تدعم هذا الاتجاه الذي تقوده علی الارض “داعش” و”النصرة” و”التجمع من اجل الاصلاح” و”انصار الشریعة” و”جیش الاسلام” و”احراء الشام” و”بوكوحرام” و”حركة الشباب المجاهدین” و”لشكر جهنکوي” و”طالبان” و”جماعة ابوسیاف” و… الخ، ومن لا تدعمه السعودیة ینال رضی ودعم قطر والامارات وتركیا.. فآي ارهاب ستحارب قمة اسطنبول وكل الارهابیین من اصحاب العقال حاضرین فیها وکل القادمین الی سوریا للجهاد قتلا ونکاحا مرّو من تركیا وزاروا اسطنبول قبل اداء الفریضة!!
لقد حاول السعوديون والخليجيون عموما من خلال تحركهم او توقيت تحركهم تجاه مصر (صفقة تيران صنافير) وتجاه تركيا ( مجلس التعاون الاستراتيجي) وبالتنسيق مع حلفاء واتباع اميركا الاخرين في المنظمة وما اكثرهم، تحويل هدف التعاون الاسلامي من مواجهة المشروع الصهيوني ـ الاميركي الى مواجهة محور ومشروع المقاومة.. من خلال اتهامات وادانات لايران وحزب الله وانصار الله والحشد الشعبي والحكومة السورية.. لكن التحذير الذي اطلقه الرئيس روحاني في كلمته امام القمة وقبل ذلك وزير الخارجية ظريف خلال الاجتماع التحضيري، وصلابة الموقف الايراني الضاغط على تركيا البراغماتية (المنافقة)، حيث تريد تركيا ان تلعب بالورقة الايرانية لابتزاز الخليجيين ماليا والتقليل من ضغط العقوبات الروسية عليها وعداء نظام السيسي في مصر لها.. قلل من حجم ما كانت السعودية والمجتمعين على فتاة مائدتها تحضره لتحويل اجتماع اسطنبول الى اعلان حرب ضد الجمهورية الاسلامية.
البراغماتية التركية اجلت الانفجار الذي لابد ان يقع يوما، لان حليفهم السعودي لم يتم استعداداته للمواجهة بعد، ولانه فشل في الجمع بين اردوغان الاخواني والسيسي عدو الاخوان!
علاء الرضائي