ماذا احترقت السعودية في لعبة الشطرنج الامريكية
جاءت زيارة الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، “باراك أوباما” في قصر الدرعية في الرياض، كزيارةٍ تطمينية يقوم بها الرئيس الأمريكي قبل مغادرته البيت الأبيض. في وقتٍ لم يتوان الإعلام العالمي والإقليمي، عن ذكر حجم التوتر في العلاقات بين الطرفين. في حين حاول البعض إعطاء الزيارة أهمية خاصة، من منطلق أنها تؤكد حجم الدور السعودي في المنطقة. وهو الأمر الذي تضحده مواقف “أوباما”، والتي تُثبت مرةً أخرى وجود اختلافٍ في مقاربة الملفات، وإن كان هذا الإختلاف، لا يخلو من سياسة الإبتزاز الأمريكي تجاه الرياض، لا سيما في قضية 11 أيلول. فكيف يمكن قراءة نتائج الزيارة الأمريكية للسعودية؟ وما حقيقة النظرة الأمريكية للرياض؟
لم تكن الزيارة الأمريكية تتمتع بالطابع الودي. بل كانت زيارةً يطغى عليها واقع المدارة الدبلوماسي. هكذا بإختصار يمكن وصف الزيارة، فيما يجب الوقوف عند دلالاتها فيما يلي:
بالنسبة للسعودية، لم يعد الرئيس الأمريكي الحالي “باراك أوباما” رجلاً مرحباً به في الرياض، ليس لإستغناء الرياض عنه أو عن علاقتها التي ما تزال تحتاج لها مع واشنطن، بل لأن الرجل أولاً على مشارف نهاية ولايته. فيما يمكن القول بأن السبب الثاني يعود للخلافات الكبيرة بين إدارته من جهة والنظام السعودي الحالي من جهةٍ أخرى. خصوصاً بعد أن سرَّبت مصادر صحفية، شكاية مسؤولين سعوديين من فتور العلاقة مع إدارته.
أما بالنسبة لأوباما، فهو لا يتعامل مع السعودية كحليف، أو كشريك في السياسة الدولية. وبغض النظر عن مقولة أن الرياض لا تستحق أن تكون لاعباً إقليمياً أو دولياً بسبب أدائها السياسي لا سيما في السياسة الدولية، فإن “أوباما” يعتبر السعودية طرفاً يمكن الإستفادة منه، كورقةٍ يجب المحافظة عليها. لكنه اتفق معهم في زيارته الأخيرة، على الاختلاف تكتيكياً حتى إشعار آخر، لا سيما في عددٍ من الملفات والقضايا. فيما لم يتوان عن تقديم النصيحة لهم، بضرورة التعاون مع إيران، مؤكداً لهم حرص واشنطن على أمنهم.
بناء للتوصيف الذي تقدم لمواقف الطرفين، يمكن استنتاج التالي:
لم تستطع الزيارة الحالية، ولا سابقاتها، أن تعالج تداعي أعمدة العلاقة التاريخية بين البلدين. هذه العلاقة التي تطورت تدريجياً بين واشنطن والرياض منذ أربعينيات القرن الماضي، عندما تم عقد القمة الأولى بينهما، على السفينة العسكرية الأميركية “كوينسي”، بين “الملك عبد العزيز” والرئيس الأمريكي “روزفلت” عام 1945. وهنا فإن معرفة أسباب تلك القمة، يمكن أن تكون باباً لفهم سبب تدهور العلاقة اليوم.
وهنا فإن الحاجة الأمريكية للنفط تعتبر السبب الأول. فالنفط لم يعد حاجة واشنطن الأساسية، لا سيما بعد أن عوضته بالنفط الصخري الذي تمتلك منه ما هو فائضٌ عن حاجتها. كما أن الرياض وبسبب سياساتها الكيدية لا سيما في “أوبك”، لم تعد تُهيمن على سوق النفط، أو حتى تتحكَّم به إقليمياً أو دولياً. بل إن العالم اليوم بدأ يتوجه للطاقة البديلة، والتي ستجعل الرياض بعيدة عن أدوات القوة، والتي كان النفط سلاحها الأساسي فيه.
من جهةٍ أخرى، فإن الخطر الشيوعي والذي تلاشى منذ ما يُقارب 30 عاماً، كان الركن الثاني للعلاقة بين البلدين. وهو الأمر الذي بسببه، حاربت الرياض كلاً من مصر وسوريا، وسعت لإسقاط أنظمتهم والقضاء على كل ما يمُتُّ للعروبة بصلة. الى جانب أنها ساهمت في تعزيز القاعدة ودعمها لا سيما في أفغانستان. أما اليوم، فإن روسيا الإشتراكية، أصبحت حاجةً لواشنطن في تقاسم النفوذ العالمي. الأمر الذي أسقط هذا التوجه معنوياً بعد أن أسقطه الواقع. لتكون الحاجة الأمريكية للرياض، سبباً في تدهور العلاقة اليوم بسبب إنتفائها، بعد أن كانت نفسها، سبباً للودِّ في أربعينيات القرن الماضي.
وبين هذه الأسباب يأتي سببٌ آخر، وهو ما تقوم به أمريكا اليوم، من خلال استخدامها الرياض، كغطاءٍ للإرهاب. فاليوم تحتاج واشنطن للظهور بمشهدٍ يُلمِّع صورتها في الإقليم والعالم. وبغض النظر عن مسألة قدرتها على النجاح في ذلك، فإنها تحتاج لما يُسمى ورقةً تُلبِسها ثياب الإرهاب. ولأن السعودية ليست بعيدةً عن الأمر، وهو ما يُدركه الأمريكيون جيداً، تحظى الرياض اليوم بتهمةٍ عالمية تبدأ بإستغلال صورتها كطرفٍ مؤسسٍ لأيديلوجية الإرهاب، وتمر بكونها طرفاً داعماً لداعش اليوم. مما يُتيح لأمريكا ابتزاز السعودية، وهو ما ظهر واضحاً في تصريحات أوباما حول محاربة الإرهاب. كما يُمكن تأكيده من خلال فتح قضية 11 أيلول.
إذن لم تعد الرياض محط آمال واشنطن. بل كانت وما زالت طرفاً تستخدمه، لتحقيق المصالح. ولعل الحقيقة التي قد تكون بقيت خفيةً لفترة من الزمن، لم تكن بعيدةً عن عيون العارفين بحقيقة الطرف الأمريكي. فالحاجة هي السبب الوحيد للجوء واشنطن لأي طرف. والحاجة ليس من منطلق الضعف، بل من منطلق استغلال ما يمتلكه الآخر، لإستثماره مع مقدراته في بازار المصالح الأمريكية. ولأن العالم اليوم تغيَّر، فأمريكا رضخت لواقع أنها لم تعد القطب الوحيد في العالم، في ظل تعاظم الدور الروسي، والحاجة لإيران، مما دفعها لتغيير نهجها الذي كانت السعودية أداتها فيه. فالحاجة للشراكة بمعناها السياسي مع كلٍ من موسكو وطهران، مع الأخذ بعين الإعتبار اختلاف أسلوب الطرفين (إيران وروسيا) في التعاطي، جعل واشنطن تتقدم بخطواتٍ في مصالحها على حساب الرياض. بل انتقلت أمريكا من سياسة الإستخدام الى سياسة الإبتزاز، لا سيما في ملفات الإرهاب ومنها قضية 11 أيلول اليوم.
لنصل الى نتيجةٍ مفادها، بأن ما قاله أوباما بعد قمة كامب ديفيد في العلن، وما صرَّح به لمجلة “ذا اتلانتيك”، أعاده اليوم على مسامع المسؤولين السعوديين لكن بلغةٍ دبلوماسيةٍ مُنمَّقة. فخلاصة كلام أوباما بعد القمة، هو نصيحته للرياض بالتعاون مع طهران، أو بالحد الأدنى عدم إزعاجها. الى جانب ضرورة مشاركتها في الحرب على الإرهاب. وهو الأمر الذي يعني أن الزمن بالنسبة لواشنطن تغيَّر. وبالتالي فإن معادلاته تغيَّرت. ففي الوقت الذي كان الطرفان يجتمعان على ضرورة التحريض على إيران ودعم الإرهاب، أصبحت الرياض تحترق وحيدة في لعبة الشطرنج الأمريكية. ولعل هذا ما يُغضب السعودية.
المصدر / الوقت