مكاسب الكيان الاسرائيلي من الأزمة السورية
على مدى خمسة أعوام منذ أن تحولت سوريا إلى ساحة للحرب بالوكالة بين أطراف إقليمية وأخرى دولية حاول الكيان الإسرائيلي النأي بنفسه عن تداعيات هذا النزاع والبقاء على مسافة منه رغم سعيه في بعض الفترات لتحقيق قسم من أهدافه.
في هذا الإطار كتب المحلل السياسي سعيد عكاشة مقالاً نشره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاسراتيجية جاء فيه: إنّ من بين الأهداف التي سعى كيان الإحتلال لتحقيقها من أزمة سوريا تمثلت في الضغط من أجل تجريد هذا البلد من أسلحته الكيماوية وتوجيه ضربات جويّة لطرق إمداد حزب الله بالسلاح داخل الأراضي السورية، وتصفية عدد من المطلوبين من المتحالفين مع حزب الله أو أعضائه كـ “جهاد مغنية” ومن بعده “سمير القنطار”.
لماذا وقف الكيان الإسرائيلي بعيداً عن الصراع السوري:
إندلعت الأزمة السورية في آذار / مارس 2011 في وقت كان فيه ثقل المواجهات بين الكيان الإسرائيلي ومحور (إيران- سوريا – حزب الله – حركة حماس) متمركزاً بإتجاه الجبهة الجنوبية لكيان الإحتلال. وعلى هذا الأساس شكّل إضعاف الحكومة السورية أمام معارضيها فرصة للكيان الإسرائيلي من أجل تخفيف الضغط على جبهته الشمالية، حيث إنشغل نظام الرئيس بشار الأسد بمواجهة أعدائه في الداخل.
وأضاف عكاشة: مع إضعاف قدرة الجيش السوري على المحافظة على سيادة بلاده وحماية حدودها بعد تمكن الجماعات الإرهابية كـ “داعش” والمنشقين على نظام الرئيس الأسد من إخراج القوات الحكومية من مناطق واسعة في البلاد، أضطر حزب الله لتغيير وجهته من التركيز على المواجهه مع الكيان الإسرائيلي إلى دعم حكومة الأسد بإعتبارها تمثل حلقةً مهمة من حلقات محور المقاومة، وهو ما خففّ تلقائياً من الضغط على كيان الإحتلال في جبهته الشمالية.
وطيلة تلك الفترة التي إستمرت منذ إندلاع الأزمة السورية في 2011 حتى أيلول/ سبتمبر 2015 حقق الكيان الإسرائيلي الكثير من أهدافه بأقل تكلفة، حيث تكفل التفاهم الروسي الأمريكي بتجريد سوريا من أسلحتها الكيماوية في عام 2013، كما حال إنشغال حزب الله وحكومة الأسد بالحرب الداخلية في سوريا دون الرد على العمليات التي قام بها الكيان الإسرائيلي في هذا البلد. ويُلاحظ أن سوريا لم تتعرض خلال السنوات الممتدة بين عامي 2001 و2007 سوى لثلاث غارات إسرائيلية فقط، بينما تعرضت في الفترة من عام 2013 وحتى آب / أغسطس 2015 إلى أربعة أضعاف ذلك من الغارات.
وقد إستغل الكيان الإسرائيلي أزمة سوريا ليس فقط من أجل ضرب القدرات العسكرية غير التقليدية في هذا البلد، ومنع وصول المزيد من السلاح إلى حزب الله؛ بل أيضاً لتقديم الدعم لـ “جبهة النصرة” الإرهابية ضد القوات السورية.
وتابع عكاشة: ومع تزايد مشاركة حزب الله إلى جانب حكومة الأسد في مواجهة الجماعات الارهابية في سوريا، حرص الكيان الإسرائيلي على تشويه سمعة حزب الله من خلال الزعم بأنه يمثل طرفاً رئيسياً في الصراعات العربية – العربية بشقّيها المذهبي والسياسي.
علاوة على ذلك، ثمة سبب آخر لعدم تدخل الكيان الإسرائيلي مباشرة في الصراع السوري، وهو ما أسمته بعض مراكز البحوث الإسرائيلية بـ “حقبة اللايقين” فيما يتعلق بتطورات الشرق الأوسط والتي تجلت خصائصها بوضوح في الفشل الإستخباراتي الإسرائيلي في تحديد مسار الأحداث في سوريا قبل وبعد إندلاع الأزمة في هذا البلد.
ويصف كثير من الخبراء الأمنيين في كيان الإحتلال الفشل الإستخباراتي الإسرائيلي بأنه كان كارثياً طيلة السنوات الخمس الماضية، خصوصاً فيما يتعلق بالملف السوري. وقد عبّر عن ذلك عضو الكنيست ورئيس جهاز الشاباك الأسبق “آفي ديختر” بقوله “يجب أن نتذكر أن خط التفكير خلال سنوات كان يفيد أن سوريا هي دولة مستقرة، ويحكمها نظام مركزي قوي، ولكن بعد إندلاع الأزمة في هذا البلد تغيّر التفكير إلى أن نظام الأسد سيسقط خلال بضعة أشهر، وهذه التقديرات كانت خاطئة تماماً”.
وفي مثل هذه الأجواء غير المواتية لإتخاذ قرارات إستراتيجية، لم يكن بوسع صنّاع القرار في الكيان الإسرائيلي سوى الإبتعاد قدر الإمكان عن التدخل المباشر في الأزمة السورية، مع الإبقاء على العمليات الخاصة والنوعية لتحقيق أهداف أمنية، والضغط الدبلوماسي على القوى الكبرى لأخذ مصالح كيان الإحتلال في هذا الملف بنظر الإعتبار.
الجولان؛ الهدف البعيد للكيان الإسرائيلي
أبدت سوريا منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1992 إستعدادها للدخول في مفاوضات مع الكيان الإسرائيلي لأجل تسوية قضية الجولان طبقاً للقانون الدولي، وهذا الأمر جعل من مسألة إحتفاظ كيان الإحتلال بالجولان محل شك كبير، إلاّ اذا تفككت الدولة السورية وأصبح من الصعب أو المستحيل تحديد الجهة التي يمكن أن تطالب بهذه المنطقة مستقبلاً.
من هنا رأى الكيان الإسرائيلي إن دفع سوريا نحو الإنقسام والتفتت، وإن كان سيزيد من المخاطر الأمنية على جبهته الشمالية،سيضمن له التشكيك في المشروعية القانونية للمطالبة بالجولان من قبل أي حكومة ستنشأ مستقبلاً في سوريا – في حال تفككها – وبالتالي يصبح ضمّ الجولان ليس فقط أمر واقع بحكم إغتصابها من قبل كيان الإحتلال منذ عام 1967؛ بل بالإمكان إعطائه شكلاً شرعياً وفق القانون الدولي في مرحلة لاحقة، وهو ما يعني بالتالي الإستمرار بالسيطرة على هذه المنطقة لسنوات طويلة حتى تستقر الأوضاع هناك. وقد يكون السيناريو الأقرب لحالة الإستقرار هو نشوء دويلات على أنقاض سوريا الموحدة.
من خلال هذه المعطيات يبدو من الناحية الشكلية أن قرار الكيان الإسرائيلي بعدم التدخل مباشرة في النزاع الدائر في سوريا منذ 2011 كان قراراً مدروساً، إذ جنّبه الكثير من المشاكل والصدامات مع المجتمع الدولي والعالمين العربي والإسلامي. وفي كل الأحوال تظل مطامع الكيان الإسرائيلي في محاولة تقنين ضمّ الجولان أحد أكثر الخسائر التي ستلحق بالعرب، خاصة إذا ما تحقق الحلم الصهيوني بتفتيت سوريا إلى دويلات مستقلة.
المصدر / الوقت