التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

هل آن أوان الرّد في حلب؟؟ 

يحقّ للسوريين عمومًا والحلبيين خاصة هذه الأيام أن يعلموا طبيعة المرحلة الحاليّة والتعقيدات الكبيرة التي تحيط بها على المستويين السياسي والعسكري، فما يحصل في حلب أكبر بكثير من مجرد خرق للهدنة ويصل الى مستوى المحاولة الجديّة بإحداث خرق ميداني نوعي من قبل الجماعات المسلّحة.

وكان آخرها ما حصل في قرية منيان التي حاولت الجماعات المسلّحة الوصول اليها عبر المجاري الصحية، وهي عملية فشلت فشلًا ذريعًا وكلّفت المهاجمين عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى وأحدثت شرخًا في صفوف فصائلهم وصل حدّ الإتهام بالتخاذل والخيانة. وهي ليست المرّة الأولى، حيث كان مصير عملية الهجوم على خان طومان مشابهًا عندما استهدف الجيش السوري المسلّحين وهم في نقاط التجمع والتحشيد قبل شنّ الهجوم، ما طرح مجموعة من التساؤلات عن خرق استخباراتي للإستخبارات السورية والكيفيات التي استطاعت من خلالها معرفة مواعيد واساليب الهجمات، مع العلم أنّه من الضروري الإشارة الى أنّ عمليات الجيش السوري حتى اللحظة تقتصر على الردّ الموضعي والتصدي للهجمات على كل محاور القتال واستهداف مرابض المدفعية في احياء حلب الشرقية، وهي بمعظمها من الهاونات ومربّضة في الأحياء السكنية ما يصعّب التعامل معها نظرًا لمرونة نقلها واستخدامها وسحبها بسرعة، ناهيك عن التناوب في استخدام المرابض لتصعيب عملية الإكتشاف والإستهداف، وهو ما يستدعي وبسرعة نشر وحدات رصد الكترونية تحدد اماكن المرابض المعادية بدقة، حيث يمكن حينها استهدافها وتدميرها في وقت سريع قبل أن يُتاح لأطقمها إخلاؤها أو نقلها، وهو على العموم تدبير تقني سيحد من قدرة الجماعات المسلّحة في استهداف أحياء حلب الغربية ويقلّل من عدد الضحايا.
أمّا لماذا اكتفيت بهذا الإقتراح في الشق العسكري؟ فلأنّ التعقيدات السياسية والضغوطات في هذه المرحلة تتجاوز إمكانية القيام بعمليات هجومية من قبل الجيش السوري لمجموعة من العوامل والمستجدات يجب ذكرها، وهي في العنوان الرئيسي أنّ الطرف الأميركي هو الذي خرق الهدنة عمليًا من خلال غضّ النظر عن خروقات الجماعات المسلّحة، لا بل وتزويدها بـ3000 طن من الأسلحة والذخائر النوعية، إضافةً الى ما قاله وزير الخارجية الأميركي جون كيري منذ ثلاثة أيام وبوضوحٍ كبير أنّ التمييز بين الإرهابيين والمعتدلين في حلب غير ممكن، وهو يعني بكلامه بشكل واضح أفضلية عدم الرّد من قبل الجيش السوري والطيران الروسي، لأنه في هذه الحالة سيقصفون جماعات تعتبرها أميركا معتدلة وهو ما أشار إليه في تصريحه إلى ذلك، فقد أعرب كيري عن قلقه مما وصفه بـ”تعجل” موسكو ودمشق في سعيهما إلى القضاء على المجموعات الإرهابية في أراضي سوريا.
كما أعرب كيري عن “ريبة” واشنطن بصراحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول رغبة روسيا في محاربة الإرهاب في سوريا. وقال كيري إنّ الضربات الروسية تستهدف المعارضة المعتدلة، مؤكدًا أنّ الولايات المتحدة “لن تجلس وتسمح لبوتين بالقيام بدعم النظام السوري وضرب المعارضة السورية”، مشيرًا إلى أنّ هذا ما يجري هناك، “وبالطبع لسنا أغبياء تجاه ما يجري” على حد قوله. مع ذلك، فقد أقر كيري بأنّ الولايات المتحدة لا تملك آليات فعالة لممارسة الضغط على روسيا في هذا المجال، ذلك أنّ “تبني نهج آخر سيؤدي إلى معارك جديدة وسقوط مزيد من الضحايا وزيادة عدد اللاجئين بشكل ملحوظ، مما سيحدث “سلسلة من المشكلات من نوع آخر تمامًا”.
وأفاد كيري بأنّ واشنطن عرضت على موسكو تنظيم مراقبة على مدار الساعة للهدنة في سوريا، قائلًا: “اقترحنا وضع خط فاصل معناه أنكم لا تذهبون إلى هنا ونحن لا نذهب إلى هناك، أما فيما بينهما فسيكون اللعب نزيهًا”. وأعرب الوزير الأمريكي عن أمله في أن يدرس الجانب الروسي هذا الاقتراح، على أن يكون تنفيذه ممكنًا الأسبوع المقبل، وهذا الكلام بصراحة يحمل في طياته طرحًا واضحًا لجهة التقسيم الأمني كمقدمة لفرض واقع سيشكل توطئة لتقسيم من نوع آخر لا يمكن للدولة السورية أن تقبله وتعرف القيادة الروسية مدى خبثه.
كلام كيري وسماح أوباما بإرسال 250 جنديًا من القوات الخاصة الى أماكن سيطرة ” قوات سوريا الديموقراطية”، والكلام عن إمكانية تطويع الآلاف من أبناء العشائر ضمن جناح عسكري لتيار سياسي أطلقه احمد الجربا رئيس “الإئتلاف الوطني السوري المعارض”، مع ضرورة مراقبة ما يحدث في مدينة القامشلي بين وحدات حماية الشعب الكردية والجيش السوري، وما يحصل في منطقة طوزخرماتو من اشتباكات بين الحشد الشعبي والبشمركة الكردية حيث يقوم الأكراد للأسف بدور حصان طروادة في سوريا والعراق.
هذه التحولات والعودة مجددًا للكلام عن منطقة آمنة وزيارة المستشارة الألمانية ميركيل، ونشر الأميركيين لبطاريات صواريخ مضادة للصواريخ من طراز “himars” للتعامل مع الصواريخ التي يُطلقها تنظيم “داعش” باتجاه الأراضي التركية بحسب ادعاءات وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو، الذي أردف بالقول في معرض جواب اذا ما كان الأمر متعلقًا بالمنطقة الآمنة بنعم، و”إنّ الهدف الأساس لنا هو أن نطهّر المنطقة الممتدة حتى “منبج” والتي تبلغ 98 كيلومترًا من عناصر تنظيم داعش، وعندما يتم تحقيق هذا الأمر، تكون المنطقة الآمنة قد فرضت نفسها”.
وكلام وزير الخارجية عن 98 كلم يعني أنّ مدينة حلب ستكون ضمن هذه المنطقة، وهو ما يحاكي الحلم التركي منذ انطلاق الحرب في سوريا.
السؤال المطروح: هل ستقف الدولة السورية والحليفان الروسي والإيراني مكتوفي الأيدي أمام هذه المحاولات والضغوط؟
والجواب: إنّه برغم الألم اليومي الذي يعانيه أهالي مدينة حلب واقتصار الرد على استهداف مواقع الجماعات المسلّحة وصد هجماتها، فإنّ الروس اليوم أعادوا وبكثافة طلعاتهم الجوية وغاراتهم على مواقع الجماعات المسلّحة عبر استهداف مواقع نوعية للجماعات المسلحة، وباتوا مقتنعين أنّ الهدنة أتاحت لهم القيام بخطوات تعبوية مكّنتهم من استعادة قوتهم، وأنّ الرد على الأتراك هذه المرّة سيكون قاسيًا بعد تجاوز مفاعيل التعقيدات التي طرأت والتي لا يمكن بأي حال القبول بها. وباعتقادي أنّ مرحلة ما بعد جولة جنيف الأخيرة ستكون مرحلة قاسية، سيحاول فيها الجانب الأميركي عبر الإصرار على طروحاته والتركي عبر أحلامه أن يحققوا معادلات ميدانية لمصلحتهم، وهو ما يدركه الجانب الروسي جيدًا ولن يغامر به أبدًا.

عمر معربوني – ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.-بيروت برس

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق