في ظل الاتفاق الأمريكي التركي الجديد على التدخل في الريف الشمالي، إلى أين تتجه حلب؟
يبدو أن الزعل الذي أبداه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، والتشكّي من عدم حصول تركيا على الدعم المطلوب من الحليف الأمريكي، لانشاء منطقة عازلة في ريف حلب الشمالي، والتهديد بالعمل المنفرد من الجانب التركي داخل الحدود السورية بحجة حماية المناطق الحدودية التركية من هجمات داعش، قد أتى أكله أخيراً؛ حيث أبدت أمريكا استجابة للمطلب التركي، تمثلت بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الجانبين من أجل التدخل في الريف الشمالي بحجة تطهير المنطقة من وجود داعش.
فقد أعلن نهاية الاسبوع الماضي مساعد وزير الخارجية الأمريكي، “أنطوني بلينكن”، عن التوصل إلى اتفاق أمريكي- تركي من أجل تطهير المنطقة الحدودية الممتدة بين منبج ومارع في ريف حلب من وجود تنظيم داعش الارهابي. وقال “بلينكن”، خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر الخارجية الأمريكية بواشنطن، أمس الجمعة 13 أيار، أن “هدف أمريكا المشترك مع تركيا، يتمثل في تطهير المناطق الواقعة بين منبج ومارع من عناصر داعش، واستعادة مارع بالكامل من يد التنظيم”. مساعد وزير الخارجية أوضح أن “التعاون بين الطرفين سيتمثل في زيادة الدعم لقوات المعارضة السورية “المعتدلة”، دون أن يحدد إن كانت هذه القوات وحدات الحماية الكردية أم فصائل الجيش الحر.
ويأتي هذا الاتفاق بعد الهجمات التي تعرضت لها مناطق حدودية تركية، والقذائف الصاروخية التي أُطلقت من داخل الحدود السورية على ولاية كيليس التركية، قالت تركيا أن مصدرها تنظيم داعش الارهابي، وقد أسفرت هذه القذائف عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. وكان الجانب التركي، قد أرسل تهديدات مبطنة بامكانية اجتياح بري للاراضي السورية بحجة طرد داعش من منبج.
الجدير بالذكر أن المنطقة بين مدينتي منبج ومارع في شمال محافظة حلب، هي تقريباً نفسها المنطقة الممتدة بين اقليمي كوباني وعفرين الكرديين، والتي حاولت تركيا مراراً استصدار قرار دولي يدعم انشاء منطقة عازلة فيها، بهدف منع تشكيل كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، الأمر الذي لم يلق تجاوباً من قبل حلفاء تركيا في الغرب.
التطورات الميدانية المتلاحقة في هذه المنطقة جعلت منها مسرح تجاذبات اقليمية ودولية، مما جعلها تتسم بحساسية بالغة نظراً للظروف المحيطة، وللوقوف على مدى تعقيد المشهد في هذه المنطقة ينبغي الاشارة للنقاط التالية:
أوجدت روسيا لنفسها موطئ قدم في الجهة الغربية من مارع، حيث تسيطر وحدات الحماية الكردية بدعم روسي، ففي بدايات فبراير/شباط من العام الجاري، وبعد عمليات الجيش السوري وحلفائه في فك الحصار عن نبل والزهراء، انطلقت وحدات الحماية الكردية من اقليم عفرين الكردي وتمددت شرقاً مستفيدة من انهيار فصائل الجيش الحر في الريف الشمالي، ومن الغطاء الجوي الذي وفره لها الطيران الروسي، لتسيطر على قرى الزيارة ودير جمال وكفرنايا وصولاً إلى مدينة تل رفعت التي، انحسبت منها الفصائل المسلحة دون مقاومة تذكر، واستمرت في تقدمها حتى وصلت إلى مشارف بلدة مارع حيث تتمركز قوات تنظيم داعش الارهابي، وكادت هذه القوات أن تنهي الوجود المسلح لفصائل الجيش الحر في مدينة اعزاز لولا تدخل دولي ضاغط حال دون ذلك.
بعد هذه التطورات اقتصر النفوذ التركي في الريف الحلبي الشمالي على مدينة اعزاز والقرى المحيطة بها وبعض المناطق المجاورة لمارع، حيث تسيطر فصائل معارضة أبرزها الجبهة الشامية والتي تتلقى دعم مباشر من تركيا.
أما المنطقة المجاورة لمنبج شرق نهر الفرات، فهي منطقة نفوذ أمريكي، حيث تسيطر وحدات سوريا الديمقراطية التي تشكل قوات الحماية الكردية عمودها الفقري، وتحصل على دعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ونظراً للفيتو الذي وضعته تركيا على منع التمدد الكردي إلى غرب نهر الفرات باتجاه عفرين، تسيطر قوات أمريكية بشكل مباشر على سد تشرين الواقع على نهر الفرات، وقد اتخذت هذه القوات من المدينة السكنية للسد الواقعة غربي نهر الفرات مقراً لها.
قام تنظيم داعش الارهابي منذ فقد سيطرته على سد تشرين، بإعادة انتشار لقواته وأسلحته معلنا حالة الطوارئ في محافظة الرقة المجاورة لمنبج، حيث تشير تقارير أن داعش قد بنقل آلياته وأسلحته الثقيلة من مدينة منبج، كما قام أيضاً بنقل السجناء من المدينة، بما يشير إلى تسليمه بالأمر الواقع.
في ظل هذه الظروف السؤال الذي يطرح نفسه، هو حول شكل التدخل الأمريكي التركي في هذه المنطقة، ففي حال تم ارسال قوات برية تركية، لن تقف روسيا بالطبع مكتوفة الأيدي خاصة في ظل التوتر القائم بين روسيا وتركيا على خلفية اسقاط الطائرة الروسية، ومن ناحية فإن الأكراد لن يقبلوا بهذا الأمر خاصة وأنهم يمثلون القوة الضاربة في هذه المنطقة. أما فرضية دعم فضائل الجيش الحر، تبقى بعيدة أيضا لنفس السبب، إضافة إلى كون فصائل الجيش الحر ليست بالقوة التي تؤهلها لدحر داعش الريف حلب الشمالي.
وبالطبع لن تقبل تركيا ببسط يد الأكراد في هذه المنطقة، فهي ترجح وجود داعش على قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، ولهذا السبب قد تقوم أمريكا باستقدام قواتها البرية إلى المنطقة، غراراً لما حصل في سد تشرين، مماشاة للحساسية التركية تجاه الأكراد، ولكن السؤال هنا، هل أمريكا مستعدة للمجازفة بتوسيع تدخلها العسكري المباشر، وتغير سياستها في سوريا التي انتهجتها طوال خمس سنوات من الأزمة.
الاحتمال الأخير لشكل التدخل الأمريكي التركي في الريف الشمالي لحلب، هو ارسال قوات متعددة الجنسيات، وهو ما يعززه التدريبات العسكرية المشتركة التي تستضيفها تركيا هذه الأيام والأنباء عن وصول قوات سعودية كبيرة للمشاركة فيها.
أما بالنسبة لداعش، لا ندري إن كان يستعد لمعركته الاسطورية المنتظرة في مرج دابق الواقعة إلى الشرق من مارع، والتي ينظر لها على أنها “معركة القيامة”، أم أنه سينسحب طوعاً من الريف الحلب ليعزز مواقعه في الرقة.
تبقى الخيارات مفتوحة أمام كل الاحتمالات، أما الشيء الوحيد الذي ندركه جيداً، هو أن المعركة في حلب وفي أريافها الشمالية والجنوبية تسير نحو مزيد من التعقيد، ومزيد من الربط بالصراعات الاقليمية والدولية، ولا يسعنا القول إلا: “كان الله في عون حلب وأهلها”.
المصدر / الوقت