التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

اللاجئون السوريون ضحايا الابتزاز المتبادل بين تركيا والاتحاد الأوروبي 

في ظل الأوضاع المزرية التي يعيشها اللاجئون السوريون العالقون على الحدود المقدونية في اليونان، والذين أوصدت الدول الأوروبية أبوابها أمامهم وينتظرون الترحيل مجدداً إلى الحدود التركية، يجد هؤلاء اللاجئون أنفسهم ضحية تجاذبات سياسية وابتزاز متبادل بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الذين آخر ما يفكرون به هو الأوضاع الانسانية للاجئين، بينما ينصب اهتمامهم بالدرجة الأولى على الاستفادة القصوى من هذه الورقة لتحصيل مكاسب سياسية واقتصادية.

آخر فصول الحرب الكلامية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والتي تكشف بشكل جلي عن مدى استغلال اللاجئين السوريين، في لعبة المصالح والتجاذبات السياسية، كان التصريح الذي أدلى به الاسبوع الماضي “برهان كوزو”، أحد مستشاري أردوغان وعضو البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، بأن “البرلمان الأوروبي سيناقش التقرير الذي سيفتح باب الاتحاد الأوروبي أمام الأتراك دون تأشيرات. إذا اتخذ القرار الخاطئ فسنرسل اللاجئين”.

وكان الأتحاد الأوروبي قد أبرم اتفاقاً مع تركيا حول الحد من هجرة اللاجئين إلى أوروبا، نددت به المنظمات غير الحكومية وأبدت المفوضية العليا للاجئين في الامم المتحدة مخاوف حياله، ينص على إعادة جميع اللاجئين الذين وصلوا بطريقة غير شرعية الى اليونان بعد 20 أذار/مارس الى تركيا، بما في ذلك طالبي اللجوء السوريين، وفي المقابل يدفع الاتحاد الأوروبي مبلغ 6 مليارات يورو لتركيا لدعم اللاجئين السوريين، تسلم منها 3 مليارات كدفعة أولى، كذلك يُسمح للمواطنين الأتراك دخول الدول الأوروبية دون تأشيرة.

الجدير بالذكر، أن تركيا ليست البلد الوحيد الذي تؤوي لاجئين سوريين، بل إن دول الجوار السوري كلبنان والأردن والعراق ومصر أيضاً تؤوي ملايين اللاجئين، دون أن يلتفت إليها المجتمع الدولي أو يقدم لها مساعدات مالية، فقط لكونها لا تملك حدوداً مباشرة مع الاتحاد الأوروبي، في دلالة واضحة على النفاق الأوروبي الذي يتشدق بقيم حقوق الانسان وحماية اللاجئين الهاربين من مناطق الصراع في حين أنه يبرم الصفقات على حساب هذه القيم التي لا تعدو أن تكون مجرد شعارات جوفاء.

ويرى مراقبون أن دول أوروبا استثمرت ورقة اللاجئين السوريين للدرجة القصوى، بعد أن أخذت كفايتها من اللاجئين من ذوي المؤهلات العلمية والأكاديمية، لتسد احتياجاتها من الموارد البشرية وتوطين قوى شابة جديدة قادرة على تحقيق التنمية في المجتمع الأوروبي الهرم. ووفقاً لدراسة أجرتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، عبر فرق الحماية التابعة لها على الحدود في مواقع مختلفة في اليونان، تبيّن أنّ معظم اللاجئين هم من الطلاب والمهنيين العاملين، علاوة على المعلمين والمحامين والأطباء والمصممين والمتخصصين في تقنية المعلومات، وأنّ 86% من الذين تمت مقابلتهم في المسح حاصلون على مستوى عال من التعليم.

على سبيل المثال بلغ عدد الأطباء السوريين الذين لجأوا إلى ألمانيا خلال الأزمة السورية ما يقارب 5 آلاف طبيب وتشير التقارير إلى عدد مماثل من المهندسين، ويعني ذلك أن حوالي 8 مليارات دولار أنفقتها سوريا على تأهيلهم انتقلت عبر هؤلاء لتستثمرها ألمانيا.

ما تحاول أوروبا أن تتجنبه في موضوع اللاجئين، هو أن تتخم بموجات كبيرة من اللاجئين البسطاء والفقراء الذين تحتاج أوروبا إلى الانفاق على إيوائهم وتعليمهم وتدريبهم، وهو ما يرتب اعباء اقتصادية إضافية على هذه البلدان، أما القضية الانسانية فليس لها مكان على سلم الأولويات الأوروبية.

تركيا أكبر الرابحين من ورقة اللاجئين

أما تركيا فيجمع المحللون على أنها أكبر المستفيدين من ورقة اللاجئين السوريين، فبالرغم من إيوائها عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين بلغ قرابة 2,7 مليون نسمة حتى آذار 2016، وبالرغم من الأعباء الاقتصادية التي قد يخلفها هذا العدد على أي دولة، إلا أن حكومة العدالة والتنمية والتي كانت قد أقامت أول مخيم للاجئين السوريين أواسط 2011 أي قبل أن تبدأ الأعمال المسلحة في سوريا، عرفت كيف تستثمر هذه الورقة في مشاريعها السياسية والاقتصادية، وذلك على حساب الظروف الانسانية للاجئين. ونجمل المكاسب التركية من اللاجئين السوريين بما يلي:

أولاً: المساهمة التي يقدمها اللاجئون السوريون في عجلة الاقتصاد التركي:

تشير الاحصاءات إلى أن 9% فقط من اللاجئين السوريين في تركيا يعيشون ضمن المخيمات، فيما غالبية اللاجئين يقيمون بإمكانياتهم الذاتية، جالبين معهم مئات الملايين من رؤوس الأموال، فيما يشكلون قوى عاملة رخيصة للمنشآت التركية، ووفقاً لمؤسسة بحوث السياسة الاقتصادية، وهي مركز بحثي مقره أنقرة، فقد أقام السوريون 1600 مشروع خلال عام 2015، فيما بلغ العدد الاجمالي للمشاريع والشركات السورية 10 آلاف شركة، فيما بلغ حجم الاستثمارات السورية منذ عام 2011، حوالي 10 مليارات دولار تتركز بشكل رئيسي في الأقاليم الجنوبية المتاخمة للحدود السورية.

وتذكر رئاسة هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية (آفاد) التابعة لرئاسة الحكومة التركية أنه في عام 2014 احتلت رؤوس الأموال والشركات السورية التي تم تأسيسها المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلاد بما نسبته 22.3% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد في هذا العام.

وفيما يتعلق باليد العاملة السورية، فقد أشارت صحيفة هافنغتون بوست في تقرير لها، أن ماركات الأزياء العالمية التي تصدرها تركيا إلى أوروبا، باتت تعتمد بشكل ملحوظ على اليد العاملة السورية، حيث يضطر السوريون للقبول بساعات عمل طويلة مع أجور متدنية نسبياً، وذلك نتيجة أنهم يعملون بشكل غير قانوني في ظل حرمانهم من تصاريح العمل وغياب أي حماية قانونية لهم.

من ناحية أخرى تقدر المكاسب التي حصلت عليها عصابات التهريب التركية والتي تعمل بحرية تحت عين الدولة التركية، واستطاعت تهريب أكثر من مليون لاجئ إلى دول أوروبا، بـ 5 مليارات دولار، كعائدات اقتصادية أدخلها اللاجئون إلى تركيا.

ثانياً: ابتزاز الدول الأوروبية للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية:

فعدا عن المساعدات البالغة 6 مليار يورو والتي تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديمها لتركيا، استخدمت تركيا ورقة اللاجئين لدفع أوروبا لتقديم تنازلات حول قانون مكافحة الارهاب التركي، والذي تقول منظمات حقوقية إنه يبرر لتركيا اضطهاد الأكراد، وقد تجاهلت أوروبا نتيجة لذلك الحملة التي يشنّها الجيش التركي ضد الأكراد في جنوب شرق البلاد، والتي هجّرت حوالي 300 ألف من سكان المنطقة.

كما استخدمت تركيا ورقة اللاجئين للضغط على أوروبا للقبول بحزام أمني أو منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بين اعزاز وجرابلس، يحول دون وصل الاقاليم الكردية السورية ببعضها (كوباني وعفرين) ويمنع تشكيل كيان كردي على الحدود الجنوبية لتركيا.

ومن ناحية أخرى ضغطت تركيا على أوروبا لرفع تأشيرة الدخول على المواطنين الأتراك للدخول إلى الدول الأوروبية، وتسهيل اجراءات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

ثالثاً: الحشد والتعبئة ضد النظام السوري:

فقد نجحت الجماعات الإرهابية، بالتنسيق مع أنقرة، في تنظيم العديد من اللاجئين، خاصة التركمان، في مجموعات مسلحة أو غير مسلحة (أمنية)، تحت ستار سلسلة من مؤسسات وجمعيات الخدمات الاجتماعية، والتي تدير المدارس والمستشفيات، وتدعم الأنشطة المناوئة للنظام السوري، ولا يستبعد مراقبون أن تقوم تركيا بزج مزيد من اللاجئين بما يسمى جيش الشمال، التي تحدثت أوساط معارضة عن اتفاق امريكي تركي قطري سعودي لتشكيله من عدد من الفصائل المسلحة بدعوى تطهير شمال سوريا من جماعات داعش والنصرة.

في ظل هذه الظروف يبقى الشعب السوري هو الضحية الكبرى لمطامع الدول الخارجية، التي تدعم الحرب على أرضه من جهة، وتتاجر بدمائه ومعاناته من جهة أخرى.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق