خفايا إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر
بعد إعلان السفير التركي في الدوحة “أحمد ديميروك” أن بلاده ستشرع ببناء قاعدة عسكرية في قطر، عادت إلى الواجهة التساؤلات بشأن الغرض من إنشاء هذه القاعدة والأبعاد والدلالات التي تتضمنها في وقت يتعرض فيه الشرق الأوسط إلى مخاطر متعددة من شأنها أن تزيد من زعزعة الأمن والإستقرار في عموم المنطقة.
كلام “ديميروك” هو تأكيد لتصريحه السابق الذي أطلقه قبيل زيارة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الى قطر في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي والتي أسفرت عن توقيع 15 إتفاقية، أبرزها مذكرة تفاهم لتصدير الغاز القطري إلى تركيا، وإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين.
وتعزّز التعاون بين الدوحة وأنقرة بعد توقيع وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري “خالد بن محمد العطية” ونظيره التركي “عصمت يلماز” إتفاقية في المجال العسكري تقضي بتمركز قوات تركية في قطر، وذلك إثر مباحثات رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية القطري “عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني” ورئيس الوزراء التركي المستقيل “أحمد داوود أوغلو”.
وتقضي الإتفاقية الموقّعة في كانون الأول /ديسمبر 2015 بين الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وأمير قطر “تميم بن حمد آل ثاني” بمشاركة ثلاثة آلاف جندي من القوات البرية التركية، إلى جانب وحدات جوية وبحرية ومدربين عسكريين وقوات عمليات خاصة، للتمركز في القاعدة -المتعددة الأغراض – المقرر إنشاؤها والتي ستكون أول منشأة عسكرية تركية في الشرق الأوسط، حسبما أوضح السفير التركي في قطر “أحمد ديميروك”.
ويمكن تقييم التطورات الحالية بين الدوحة وأنقرة من خلال رؤيتين مختلفتين؛ فرؤية قطر تهدف إلى توفير الحماية العسكرية لهذه الإمارة الغنية بالغاز في مرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكي من المنطقة، رغم وجود أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط على أراضيها وهي قاعدة “العديد”، حيث يتمركز نحو عشرة آلاف عسكري أمريكي. إلاّ أن تراجع الإهتمام الأمريكي بشكل ملحوظ في المنطقة سواء في العراق أو البحرين التي حلّت القوات البريطانية فيها مكان القوات الأمريكية، وهذا الأمر قد ينسحب قريباً على قطر التي تسعى للعب دور إقليمي أكبر، ولذلك عمدت إلى إشراك القوات التركية لرفع قدرتها على مواجهة السعودية في المستقبل.
ويبدو أن هناك قدراً من السخط إزاء الخطوة القطرية لدى العديد من دول مجلس التعاون، حيث ذكر موقع “إنتليجانز أونلاين” الفرنسي في وقت سابق إن دولة الإمارات قد أعربت عن رفضها للإتفاق العسكري بين الدوحة وأنقرة لإنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر.
وأمّا فيما يتعلق بالموقف السعودي فمن المبكر الحديث عن الخلاف بين هذا البلد وكل من قطر وتركيا، ريثما ترتفع أزمات المنطقة، خصوصاً وإن تركيا تسعى لطرح نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي، الأمر الذي تسعى السعودية أن يكون حكراً لها.
وأمّا ما يرتبط بالجانب التركي، فلا يمكن حصر أهدافه بالغاز القطري أو تسويق القطعات العسكرية التركية؛ بل يأتي في إطار مساعي أنقرة لمد نفوذها في العالم العربي بدءاً من سوريا ومروراً بالعراق ووصولاً إلى الصومال، حيث تستعد تركيا لتأسيس تواجد عسكري لها في خليج عدن الإستراتيجي من خلال إنشاء قاعدة عسكرية لها في الصومال، وتدريب نحو 10 آلاف و500 جندي صومالي.
الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الذي يحاول أن يجاري الدول الكبرى عموماً، وأمريكا على وجه الخصوص عبر إنشار قواعد عسكرية في دول مختلفة، والسبب الرئيسي من وراء ذلك غير معلوم؛ فهل هو من أجل إلتحاق تركيا بركب الدول الصناعية، أم لغرض تعزيز تواجدها في حلف الناتو أم أن أحلام وأماني أردوغان هي التي دعته لإستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية وتأسيس السلطنة العثمانية الجديدة.
في جميع الأحوال يعتقد المراقبون بأن تركيا تسعى من خلال إنشاء قواعد عسكرية لتحقيق أهداف إستراتيجية في مقدمتها مواجهة كل من إيران والسعودية؛ فهي من جانب تتهم طهران بمحاولة الهيمنة على عواصم عربية “دمشق، بغداد، بيروت وصنعاء”، فيما ترى من جانب آخر في السعودية بأنها تفرض هيمنتها على العديد من دول مجلس التعاون، في حين لم تتمكن تركيا حتى الآن من تمرير مشاريعها العثمانية في سوريا، وهو ما دفع أردوغان للهروب إلى الأمام علّه ينجح في فرض معادلاته على منطقة الشرق الأوسط.
ولكن ما نسيه أردوغان أو تناساه هو أن أمريكا بجيشها وأسطولها البحري والجوي قد فشلت أمام صمود الشعبين الأفغاني والعراقي، فكيف بتركيا التي تعاني من أوضاع داخلية صعبة، ستزداد مع محاصرة تنظيم “داعش” الإرهابي الذي لا يجد مكاناً للهرب سوى الأراضي التركية. لهذا ينصح المراقبون أردوغان بالوقوف إلى جانب الشعوب التي بيدها الكلمة الفصل في أيّ صراع حالي أو مستقبلي، لكن يبدو إنه لا يدرك هذا الأمر، وهو ما لمسناه جيداً من خلال تجربته مع تطورات ما عرف بــ “الربيع العربي” منذ إنطلاقته في أوخر عام 2010 ومطلع عام 2011.
من خلال تحليل المواقف السياسية لقطر وتركيا اللذين دعما الإخوان المسلمين في مصر والجماعات الإرهابية المسلحة التي تحارب الجيش السوري، يتّضح جلياً إن القاعدة العسكرية التركية المزمع إنشاؤها في قطر ليست من إجل حماية هذا البلد، لسببين؛ الأول وجود القوات الأمريكية في قطر، والثاني حجم القوات التركية المقرر أن تتواجد في هذا البلد (3000 جندي) والذي لا يتناسب مع تلك المهمة.
من هنا يمكن القول بأن القاعدة التركية في قطر تهدف في الواقع إلى عسكرة المنطقة، وتحقيق أطماع أردوغان في بسط نفوذه والتذكير بوجوده في التطورات الإقليمية، كما يفعل زعماء الدول الكبرى. وأمّا كلام داوود أوغلو مؤخراً أمام طلبة جامعة قطر بأن تركيا تسعى من خلال إنشاء قاعدة لها هناك إلى تحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة ومواجهة التهديدات المشتركة، فليس سوى ذريعة للتغطية على الأهداف السياسية والإقتصادية والعسكرية التي تسعى أنقرة لتحقيقها في المنطقة.
في المرحلة المقبلة – حسب إعتقاد المحللين – ستكون قطر بؤرة لبروز صراعات بينها وبين بقية دول مجلس التعاون من ناحية، وبين تركيا والسعودية من ناحية آخرى. فلطالما إعتبرت الرياض دول مجلس التعاون بمثابة حدائق خلفية لها، إلاّ أن تقاطع مصالحها مع أنقرة في كل من سوريا والعراق في الوقت الحاضر دفع بها لغضّ الطرف عن الحضور التركي في قطر.
ووفقاً لهذه المعطيات يمكن القول أن تركيا ستكون الخاسر الأكبر من أي توجه يهدف إلى عسكرة المنطقة؛ فمن الناحية الدينية تنقسم المنطقة بين كل من مصر وإيران والسعودية، وأمّا من الناحية القومية فلا تملك أنقرة أيّ ثقل في المنطقة العربية، ومن الناحية السياسية تعتبر تجربة أردوغان منذ العام 2011 وحتى الآن خير دليل على رفض الشعوب العربية للحكم العثماني الذي يسعى أردوغان لإستعادته على أرض الواقع.
المصدر / الوقت