حرب سيبرانية سعودية ضد إيران؛ كيف سيكون رد طهران، وهل ستتحمله السعودية؟
قامت مجموعة سعودية مؤخراً بشن هجوم إلكتروني “سيبراني”* على الموقع الإلكتروني لمركز الإحصاء الإيراني لمدة قصيرة، وبث القراصنة صورة الدكتاتور المعدوم “صدام حسين” على الصفحة الرئيسية للموقع، ما يرجح أن تكون هذه المجموعة مرتبطة بجماعات ذات توجهات تكفيرية وبعثية. وقد أطلق هؤلاء القراصنة على أنفسهم إسم “داعس” تشبهاً بتنظيم “داعش” الإرهابي، وأعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم.
والسؤال المطروح: هل يتمكن القراصنة السعوديون من الصمود أمام قدرة إيران السيبرانية؟
للإجابة عن هذا التساؤل لابد من الإشارة إلى الأمور التالية:
قبل عشرة أيام تقريباً أعلن مسؤول الدفاع المدني في إيران العميد غلام رضا جلالي إن السعوديين ينوون شن هجمات سيبرانية واسعة ضد إيران مستنداً إلى شواهد وأدلة موثقة، مشيراً إلى أن هذا النوع من التهديد يعد من أبرز التهديدات في الوقت الحاضر، لكنه نوّه في الوقت ذاته إلى أن القدرات الهائلة والأجهزة المتطورة التي تمتلكها إيران في مجال تقنية المعلومات تمكنها من التصدي لأيّ إعتداء إلكتروني مفترض، واصفاً هذه القدرة بأنها تمثل قوة خامسة لإيران إلى جانب قوتها البرية والبحرية والجوية والجو – فضائية.
ونظراً لأهمية الأجواء الإفتراضية وخطورة الحروب السيبرانية، عمدت أمريكا إلى تأسيس مواقع إلكترونية مختصة بالنشاطات العسكرية البحتة بقيادة أحد جنرالات الجيش، وقد أُطلق على المقر الرئيسي لهذه المواقع إسم (يو أس سايبر كوم) “USCYBERCOM” وهو يخضع بشكل مباشر لقيادة القوات المسلحة الأمريكية، وصدرت الأوامر لتأسيس هذه المواقع عام 2009 من قبل وزير الدفاع في ذلك الوقت “روبرت غيتس”.
إضافة إلى أمريكا هناك دول أخرى أقدمت على تأسيس مثل هذه المواقع في السنوات الأخيرة بينها ألمانيا وفرنسا، وكذلك الإتحاد الأوروبي. وهذه المواقع لا تقوم بمهام دفاعية فقط، بل تشن أحياناً هجمات سيبرانية على دول مختلفة في شتى أنحاء العالم.
وفي إيران تتولى مؤسسة الدفاع المدني مسؤولية التصدي للهجمات السيبرانية في الأجواء الإفتراضية، وقد بذلت من أجل النجاح والتفوق بهذه المهمة الحسّاسة والخطرة جهوداً حثيثة حالت دون تعرض المواقع الرسمية الإيرانية لهجمات سيبرانية معادية.
وفي السنوات الماضية تمكنت مؤسسة الدفاع المدني الإيرانية من تحقيق إنجازات كبيرة أبرزها إكتشاف البرنامج المخرب “ستاكس نيت” ومعالجته والحيلولة دون نفوذه في المواقع الرسمية الإيرانية، وهذه الخطوة في الواقع لا تقل أهمية عن كشف طائرة التجسس الأمريكية المتطورة (RQ-170) والتحكم بها عن بعد ومن ثم إنزالها سالمة داخل الأراضي الإيرانية من قبل قوات حرس الثورة الإسلامية عام 2011.
وفي عام 2012 تعرضت إحدى منشآت وزارة النفط الإيرانية إلى هجمة سيبرانية عن طريق بث فيروسات في حواسيبها، لكنها باءت بالفشل وتم التصدي لها بتقنية إلكترونية متطورة ولم يحدث أيّ خلل في النظام الكومبيوتري لهذه المنشأة.
ولا يختلف الخبراء في المجال الإفتراضي على أن إيران تعد اليوم قدرة يحسب لها حساب في هذا المجال. فقد أكد أبرز الخبراء الأمريكيين في مؤسسة “ديفنس تيك” لشؤون الدفاع أن إيران أصبحت واحدة من أفضل خمسة بلدان في العالم من الناحية السيبرانية، فهي تمتلك جيشاً يعرف بإسم “الجيش السيبراني الإيراني” ومجموعات أخرى نجحت في القيام بإنجازات مذهلة وتصدت للكثير من المواقع المعادية والمخربة.
وفي أكثر من مرة أعلن مسؤولون أمريكيون بأن خبراء إيرانيين تمكنوا من إختراق مواقع بعض البنوك الأمريكية وموقع أحد السدود في نيويورك. فيما أشارت وزارة العدل الأمريكية إلى أن المجموعة الإيرانية التي تمكنت من تحقيق هذا الإختراق تطلق على نفسها إسم مجموعة بومان “Bowman”.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية في إيران اللواء محمد علي جعفري أعلن في وقت سابق أن قوات الحرس ستشهد تطوراً واسعاً في مجال الحرب السيبرانية وسائر النشاطات الإلكترونية على شبكة الإنترنت لمواجهة الهجمات المعادية في هذا المجال.
من جانبه أكد قائد القوة البرية في الجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان بأن التهديدات والأخطار المحتملة لن تفاجئ القوات المسلحة الإيرانية في مجال الحرب السيبرانية لأنها ترصد بإستمرار التحركات المعادية في هذا المجال، رغم أن إيران لم تعلن حتى الآن عن إمتلاكها جيشاً سيبرانياً بشكل رسمي.
في هذا الصدد قال قائد المقر الإفتراضي لهيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية العميد “بهروز إثباتي”: صحيح أن عملنا في الفضاء الإفتراضي ثقافي بالدرجة الأولى ولم نعمل أبداً على تشكيل جيش منظم ورسمي في الفضاء الإفتراضي لكننا نمتلك هيكلية منظمة للدفاع السيبراني ولدينا أخصائيون في هذا المجال. فيما أكد رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية الدفاعية في هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية العميد “أحمد وحيدي” بأن إيران قادرة على مواجهة الهجمات السيبرانية مهما كان مصدرها حتى وإن كانت من قبل القوى الكبرى في العالم.
واليوم يحاول بعض القراصنة الصغار إختراق الساحة السيبرانية في إيران من خلال إستهداف مواقع مدنية بحتة لا تحظى بأهمية سياسية أو عسكرية، ولكن رغم ذلك لا ينبغي تجاهل هذه التهديدات لأنها قد تكون الرصاصة الأولى في الحرب السيبرانية ولا بد من التصدي لها بحزم.
ولا يختلف إثنان في أن السعودية ليست قادرة على مجاراة إيران في مجال الحرب السيبرانية. والأيام القادمة كفيلة بأن توضح هذه الحقيقة، خصوصاً وأن طهران تمتلك خيارات كثيرة ومناسبة تستطيع من خلالها الرد وبشكل حازم على مثل هذه التهديدات متى شاءت.
المصدر/ الوقت