لماذا تفشل محادثات السلام السورية؟
رغم الإجتماعات السياسية والدبلوماسية المتعددة التي عقدت في جنيف وفينا للتوصل إلى إتفاق بشأن الازمة السورية وإنهاء القتال الدائر في هذا البلد منذ أكثر من خمس سنوات، لم يتمكن المشاركون في هذه الإجتماعات والدول الراعية لها من وضع حدّ لهذه الازمة، وفشلوا حتى في تقريب وجهات النظر بين الحكومة السورية والجماعات المعارضة.
والسؤال المطروح: ما هي الأسباب التي حالت دون تحقيق نجاح في مفاوضات الأزمة السورية التي ترعاها الأمم المتحدة رغم الهدنة التي تم التوصل إليها بين روسيا وأمريكا لوقف إطلاق النار بين الحكومة السورية والجماعات المعارضة قبل نحو ثلاثة أشهر ورحبت بها الكثير من الدول؟
يمكن الإجابة عن هذا التساؤل من خلال الإشارة إلى النقاط الرئيسية التالية:
1 – الإختلاف بشأن مصير حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تعتقد الدول الحليفة لسوريا وفي مقدمتها روسيا وإيران بضرورة بقاء الأسد في السلطة لضمان وحدة سوريا وحفظ إستقلالها وسيادتها، فيما تصر الدول الداعمة للجماعات المعارضة وفي مقدمتها أمريكا وتركيا والسعودية على إختيار حكومة إنتقالية لإدارة البلد والتمهيد لإجراء إنتخابات لتشكيل حكومة جديدة لا يرأسها الأسد.
وتستدل الدول الداعمة لبقاء الأسد على رأس السلطة بخشيتها من أن تقع سوريا في الفوضى والفراغ السياسي كما حصل في ليبيا، والذي يوفر بدوره فرصة للتنظيمات الإرهابية لاسيّما “داعش” لتثبيت أقدامها في سوريا، ما ينذر بعواقب وخيمة ويمهد الطريق لتقسيم هذا البلد أو سقوطه بيد الجماعات الموالية لأمريكا والغرب بصورة عامة.
في مقابل ذلك تتذرع الدول الداعمة للجماعات المعارضة لبقاء الأسد على رأس السلطة بأن هذا الأمر يحول دون إقناع الجماعات المسلحة بالتخلي عن سلاحها، وهذا بحسب إعتقادهم يهدد الأمن والإستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
2 – الخلاف بشأن دور إيران في سوريا في حال تم الإتفاق على حل سياسي لإنهاء الأزمة في هذا البلد، إذ تزعم أمريكا وحلفاؤها بأن لديهم خشية من أن تتمكن طهران من تعزيز نفوذها في عموم المنطقة، والذي ظهر بشكل واضح في دعم سوريا طيلة سنوات الأزمة في هذا البلد.
3 – الإنتصارات الكبيرة التي حققتها القوات السورية على الجماعات الإرهابية بدعم من إيران وروسيا وحزب الله وباقي فصائل المقاومة خصوصاً خلال الشهور الثمانية الماضية، والتي أثارت القلق لدى أمريكا وحلفائها الغربيين والإقليميين بشأن الدور الذي تلعبه دمشق في دعم محور المقاومة الرافض للهيمنة الأمريكية والمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.
4 – تعتقد الأطراف المؤيدة للمعارضة السورية بأن أي إتفاق سياسي يتم التوصل اليه لإنهاء الأزمة السورية سيخفف من الأعباء التي تتحملها إيران ويمنحها الفرصة للعب دور أكبر في دعم محور المقاومة لاسيّما حزب الله الذي يتصدى للكيان الإسرائيلي ويمنعه من التوسع في جنوب لبنان وفي عموم المنطقة.
5 – الخلافات بين أطراف المعارضة السورية في شقّيها المسلح وغير المسلح بشأن كيفية التعامل مع الأزمة، فالشق الأول يصر على مواصلة العمليات العسكرية لتغيير نظام الأسد، فيما يعتقد الثاني بضرورة مواصلة الحوار مع الحكومة السورية للتوصل إلى حل سلمي لهذه الأزمة.
6 – من الأسباب الأخرى التي أدت إلى تعقيد مسار الأزمة السورية وحالت كذلك دون توفر الأجواء المناسبة لحلها سلمياً هي الإجراءات العسكرية التي إتخذتها كل من تركيا والسعودية لإرسال قوات بريّة إلى داخل سوريا، في وقت يفترض فيه أن تتوقف مثل هذه الإجراءات لتثبيت الهدنة بين الحكومة السورية والمعارضة التي نجمت عن الإتفاق الروسي – الأمريكي.
من هنا يمكن القول بأن الهدنة في سوريا ورغم توفيرها لمساحة معقولة لمواصلة المفاوضات السياسية الرامية إلى تسوية الأزمة في هذا البلد وأثرها الإيجابي في تهيئة أجواء مناسبة لإيصال المساعدات الإنسانية للنازحين والمتضررين من الهجمات الإرهابية والعمليات العسكرية في هذا البلد، إلاّ أنها لم تتمكن من إقناع طرفي النزاع بالتوصل إلى إتفاق سياسي ينهي هذه الأزمة، ولهذا يعتقد المراقبون بأن إنتهاء الهدنة سيؤدي إلى تصعيد الصراع لاسيّما على الصعيد الميداني. وهذا الأمر يهدد إستراتيجية موسكو الرامية إلى حفظ توازن القوى في المنطقة الذي تخلخل بشكل واضح خصوصاً بعد غزو أمريكا للعراق عام 2003 ومن ثم طرحها لما يسمى مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الرامي إلى تقسيم دول المنطقة ونهب ثرواتها والتحكم بمقدراتها.
هذه التعقيدات والتشابكات والتقاطعات في الإستراتيجيات والأهداف والمصالح بين الدول والأطراف المؤثرة في الأزمة السورية داخلياً وإقليمياً ودولياً هي التي حالت دون التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية عن طريق المفاوضات.
مع ذلك؛ يبدو أن هناك سبب جوهري آخر حال أيضاً دون تسوية الأزمة السورية سلمياً حتى الآن. ويكمن هذا السبب في عدم جديّة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في الإضطلاع بمسؤولياتهم القانونية لوضع حد لهذه الأزمة بسبب خضوع هاتين المنظمتين لإرادة بعض القوى الكبرى خصوصاً أمريكا التي تستغل نفوذها لفرض شروطها على هاتين المنظمتين من جهة، ومنع الدول الأخرى من تفعيل القانون الدولي لحل هذه الأزمة وغيرها من الأزمات الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
أخيراً يمكن القول إن معطيات الأزمة السورية والمتغيرات الإقليمية والدولية المحيطة بها لا توحي بتوفر بوادر في الأفق لتحقيق التسوية السياسية والسلمية لهذه الأزمة حتى وإن كان على نحو بطيء وتدريجي، سوى وجود ما يشبه الإجماع من قبل العديد من القوى الكبرى ومجلس الأمن الدولي على ضرورة تطويق إرتدادات هذه الأزمة على الأمن الإقليمي والدولي ومحاصرة تداعياتها ضمن النطاق السوري، وعلى رأس هذه الإرتدادات خطر الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم “داعش” الذي يسيطر على أجزاء من سوريا والعراق، مع ما يشكّل ذلك من خطر على أمن الدول الغربية في الوقت الحاضر وفي المستقبل، الى جانب ضغوط اللجوء والهجرة إلى البلدان الأوروبية التي تتسبب بتحديات إقتصادية وأمنية وإجتماعية وثقافية لهذه البلدان.
المصدر / الوقت