هل أصبحت مجموعة الدول السّبع جزءاً من المشكلة بدل الحل؟!
أسدلت قمة دول مجموعة السبع الستارة معلنة نهاية العرض، عرض تخبطت فيه المشاهد المؤداة على مسرح بلدة إيسي شيما وسط اليابان، بشكل يعكس بما لا يدع مجالاً للشك اختلاف النصوص وطريقة الإخراج. انشغلت مجموعة الدول السبع في قمتها بمسائل ”النمو العالمي وتراجع الاقتصاد، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واللاجئين”.
وقد تتذرع الدول السبع الكبرى، أن أجندتها للقمة تعكس بالضرورة مصالحها وقد يكون الأمر مفهوماً لدى الكثيرين، لكن من غير المفهوم أن تقوم هذه البلدان بمناسبة وغير مناسبة لرفع صوتها عالياً وهي تدافع عن حقوق الإنسان وحريته وكرامته وتستغل كل منبر دولي وكل مناسبة دولية لتمرير مخططاتها تحت غطاء هذه العناوين البراقة في حين نراها عاجزة تماماً وصامتة عن جرائم الكيان الإسرائيلي و”مطنشة” لكل ما تقوم به حيال الفلسطينيين مع أنه مخالف للقوانين والأعراف الدولية.
فالاجتماعات بالنسبة لقادة العالم تتكرر بسرعة عالية، وحسب رأيي، فإن عام 2016 هو عام الانتقال والتناقضات الذي سيجتاز الأزمة الاقتصادية العالمية بقرارات دراماتيكية. ومن باب تأكيد المؤكد، يقول (جاك أتالي) أكبر مستشاري الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران وشغل منصب رئيس البنك الأوروبي للتنمية في التسعينات وهو صاحب عشرة كتب حول الاقتصاد العالمي وعلاقة الاقتصاد بالتحولات الجيوستراتيجية وهو المحلل المتابع لأحداث العالم ومضاعفاتها على المجتمعات والدول. يقول المفكر الفرنسي أن سنة 2016 ستشهد أكبر أزمة مالية نقدية إقتصادية عالمية تتجاوز تداعياتها أزمة 2008 لأن أزمة 2008 نتجت عن إنهيار قدرة الأسر الأميركية عن تسديد أقساط قروضها وإفلاس بعض المصارف أما كارثة 2016 فستكون أعمق وأشمل لأنها تنطلق من إفلاس مؤسسات قوية مثلما وقع مع صندوق الشارع الثالث بنيوييورك third avenue fund NY و بسبب إنعدام التوازن فيما يسمى منظومة بنوك الظل shadow banking وهذه العوامل ستسرع بحدوث كارثة انهيار حقيقي فيما يعرف بالنظام النقدي العالمي واتساع رقعة المضاربات التي بدأت بتخفيض مبرمج لأسعار برميل النفط بقصد الضغط على الدول المنتجة وإجبارها على اتباع سياسات تحددها القوى العظمى في رسم ملامح نظام عالمي جديد يخدم بخاصة العملاقين (الأميركي و الروسي) معاً دون المساس بمصالح الصين.
الاستشراف الآخر للمفكر الفرنسي يتعلق بتفكك مستمر للاتحاد الأوروبي حسب البوادر المؤكدة لسنة 2015 بالتراجع عن منظومة (شنغن) وابتعاد بريطانيا عن الاتحاد والاختلافات الجوهرية بين الأعضاء المؤسسين حول إدارة ملف الهجرة المليونية القادمة من الجنوب وقوانين التصدى للإرهاب الذي ضرب بلدانا أوروبية وفرنسا بالذات وبدأت بالفعل تراجعات عن العملة الموحدة (اليورو) والشروع في إقامة حدود شائكة ومكهربة بين الدول الأوروبية مما يعزز الاعتقاد بانهيار الثقة بين الحلفاء أعضاء الإتحاد الأوروبي وانتهاج كل منهم سبيلا منفرداً لحماية حدوده التقليدية ما قبل الاتحاد وبالتالي سقوط المعاهدات الأوروبية المتعاقبة تدريجياً والإلتفاف عليها دون الرجوع إلى ميثاق الاتحاد ولا إلى التزامات الدول الأعضاء.
وعود على بدء، وبعيداً عن اللغة المستخدمة في البيان الختامي لقمة الدول السبع وبروتوكولاتها، فقد بدا جلياً أنّ قادة هذه الدول، فشلوا في الاتفاق على مسار محدد لمواجهة الأزمات المالية والاقتصادية الخانقة التي تعانيها القارة العجوز في اليونان والبرتغال وأسبانيا وحالياً فرنسا وما تشهده من مظاهرات يومية عارمة، والتي أخذت تتفاقم بعدما نجح النظام التركي في فتح صنبور اللاجئين لإرهاق كاهل القارة العجوز، لمساومتها ولابتزازها وقد نجح نجاحاً كبيراً في ذلك، في حين تمثلت ثالثة الأثافي في تهديد بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وهذا دون شك ستكون له عواقبه ونتائجه وصفها المجتمعون بأنها ستكون خطراً جسيماً على النمو.
وأمام هكذا واقع، فيجب على الدول السبع الصناعية أن تتوقف عن تصدير فتاويها ونصائحها للآخرين وهي التي تئنّ تحت وطأة الديون الخارجية والتي زادت عن نسبة 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبعضها، وبخاصة في أمريكا ودول منطقة اليورو البالغ عددها 17 دولة وتهديدات بريطانيا بالانسحاب من منطقة اليورو والمشاكل الكبيرة في ايطاليا واسبانيا والبرتغال وبدء تلمس انفجار الأزمة في الدول الكبيرة الأخرى. وهنا فإن الفشل كان مرافقاً لاجتماع هذه الدول في ظل الخلافات الكبيرة بين بعضها البعض، فالشقة ما تزال واسعة، لاسيما تلك التي تفصل بين البلدان الغنية في الشمال، وبلدان الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية، وأخفقت هذه القمة، كما القمم السابقة لها، في التوصل إلى إجراءات ملموسة تسهم في تحقيق الانتعاش الاقتصادي العالمي، ومواجهة الصدمات المالية، وتجاهلت مرة أخرى مشكلات البلدان النامية، التي زادت منها أزمات الأغنياء.
وطبيعي أن ينعكس هذا الخلاف في مقاربة القضايا السياسية الإقليمية والدولية بسبب طبيعة تناول هذه القضايا، ففي حين تعكس حكومات البلدان الغربية في أوروبا وأمريكا مصالح رأس المال الكبير والشركات الاحتكارية، تعبر البلدان الأخرى في المجموعة عن أوجاع البلدان النامية وشعوبها، ولذلك فإن مجموعة السبع باتت، جزءاً من المشكلة وليست جزءاً من الحل.
فهل تتوقف الخدعة الكبرى التي تمارسها الدول السبع الصناعية على العالم، وتسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقية، والدليل على ذلك ما يجري من مؤامرة كبيرة ضد سورية وإيران وكوريا الشمالية، وكان الموقف الروسي واضحاً وجلياً كما ظهر سابقاً في اجتماعات مجلس الأمن عند مناقشة الوضع والشأن السوري، ونسأل لماذا ليست الصين عضواً في هذه الدول علماً أنها تحقق أكبر معدل نمو اقتصادي، ولديها أكبر احتياطي نقدي وتعتبر بمثابة المعمل الشعبي العالمي، وميزانها التجاري يحقق فائضاً مع كل دول العالم. فهل نعيد قراءة اللوحة الاقتصادية العالمية وفي مقدمتها الخديعة الكبرى لهذه الدول ولعملاتها من الدولار واليورو والجنيه والين ونتخلص من الخديعتين الكبيرتين أي خديعة الدول السبع الصناعية وخديعة النقود.
القول الفصل: ثمة أثمان باهظة بدأت دول منطقة اليورو بدفعها جراء أمرين اثنين، أولهما دمج المشكلات في الاتحاد وبخاصة بعد توحيد العملة رغم تباين السياسات في الإنتاج ونمط الاستهلاك والمعيشة، ما أدى إلى السبب الثاني المتأتي من استدانة الدول الأفقر التي سعت للتماشي مع الأغنى، حتى في رفاهية مواطنيها الناتجة عن تراكم وتطور ونضال ودم عمال وثوار… ليبقى التفتت الحل الأكثر توقعاً وربما الأقل تكلفة في واقع وصول أزمة اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وإيرلندا إلى ألمانيا وفرنسا وزيادة ديون بعضهم عن 120 في المائة والانطلاء على الأوروبيين أن الولايات المتحدة يمكن أن تأخذ بيد ندّها ليتربّع على عرش الاقتصاد العالمي…
بقلم: مصطفى قطبي
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق