التحرك السياسي لـ “طالبان” في ظل قيادة الملا آخوند زاده
بعد أقل من أسبوع على مقتل زعيم حركة طالبان الأفغانية “الملا أختر محمد منصور” خلال غارة شنتها طائرة أمريكية بلا طيار في محافظة بلوشستان جنوب غرب باكستان في 21 مايو / أيار الماضي، سارعت الحركة وعلى غير عادتها إلى إختيار قائد جديد لها هو ” الملا هیبة الله آخوند زاده” أحد مساعدي “أختر منصور”.
وتباينت السرعة في إعلان طالبان عن تعيين “هيبة الله” مع الفترة الطويلة التي أخفت خلالها مقتل الملا عمر، القائد الأسبق للحركة الذي قتل عام 2013 في باكستان.
ومنذ اليوم الأول لإختيار “الملا هیبة الله آخوند زاده” لقيادة طالبان من قبل مجلس شورى الحركة بدأت التساؤلات والتكهنات بشأن مواقفه إزاء مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية على وجه الخصوص، ومستقبل طالبان الأفغانية بشكل عام في ظل التطورات الجديدة.
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لابدّ من الإشارة إلى نبذة عن حياة “الملا هیبة الله آخوند زاده” الزعيم الجديد لطالبان الذي يعتبر من الشخصيات الغامضة رغم أنه يُعد “مرجعاً دينياً” في الحركة على مدى أكثر من عقد من الزمان، فضلاً عن أنه كان لأكثر من سنة تقريباً الذراع اليمنى للملا منصور.
ولد آخوند زاده عام 1961 في ولاية قندهار جنوب أفغانستان على غرار سلفيه “الملا عمر” و “الملا أختر منصور”.
لجأ إلى باكستان إبان الإحتلال السوفياتي قبل أن يلتحق بصفوف طالبان بعد الإعلان عنها في منتصف التسعينات.
عمل قاضياً في المحاكم إبان حكم طالبان في أفغانستان إعتباراً من العام 1996.
شغل منصب وزير العدل خلال حكم طالبان لأفغانستان في أواخر التسعينيات.
أقام في جنوب باكستان بعد إزاحة طالبان عن السلطة في كابول إثر الإجتياح الأمريكي العام 2001.
عيّنه الملا منصور خلال توليه زعامة الحركة، بعد فترة طويلة من البقاء في الظل، نائباً له إلى جانب سراج الدين حقاني زعيم الشبكة المتحالفة مع طالبان.
تشير مصادر مقربة من القائد الجديد إلى أن “هيبة الله” يتمتع بشخصية مستقلة ولا تؤثر فيه المشاعر والعواطف، كما أن عمله في المحاكم أكسبه القدرة على ضبط النفس بشكل جيد.
بحسب مقربين أيضاً من القائد الجديد؛ فإن هيبة الله يعرف بأنه كان متشدداً حتى مع أعضاء طالبان، حيث كان يصدر أحكاماً قاسية خلال توليه منصب رئيس المحاكم في قندهار، وصولاً إلى إصدار حكم بالإعدام في حق أي شخص يشكك في قيادة الملا منصور. ونتيجة لذلك؛ فقد قتل العديد من قادة القبائل. كما أن هناك شائعات تقول بأن الملا هيبة الله كان يعارض نشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بحركة طالبان في وسائل الإعلام.
تحديات تواجه الملا “هيبة الله”
تواجه حركة “طالبان” في ظل القيادة الجديدة تحديات كبيرة يُمكن أن تؤثر بشكل ملحوظ على مستقبلها، في مقدمتها الصراع والحوار مع الحكومة الأفغانية. فالملا هيبة الله حسب إعتقاد الكثير من المراقبين يمثل نفس الخط الذي كان عليه “الملا منصور” وهو ما يشير إلى إمكانية إستمرار الصراع والحرب مع الجيش الأفغاني. ففي عهد سلفه علقت محادثات السلام القصيرة إلى أجل غير مسمى في الصيف الماضي، وباءت جميع جهود كابول لإعادة طالبان إلى طاولة المفاوضات بالفشل، في حين يؤكد خبراء بإن مقتل منصور أسدل الستار على مبادرة السلام الأفغانية لمدة عام على الأقل .
التحدي الثاني أمام الملا هيبة الله، أنه ليس صاحب القرار الحقيقي داخل الحركة، رغم ما يتمتع به من مكانة في طالبان، إلاّ أنه عليه أن يثبت أنه الزعيم الحقيقي للحركة وليس الزعيم الرمزي في ظل وجود مراكز قوى داخل الحركة، متمثلة في عائلة مؤسس طالبان الملا عمر، وسراج الدين حقاني، الذي من المتوقع أن يشرف على الجانب العسكري أي أنه صاحب الكلمة في العمليات العسكرية للحركة، والملا يعقوب على الجانب السياسي.
التحدي الثالث هو وقف “التمدد الداعشي”؛ حيث لم يتوقف تنظيم “داعش” عن التمدد في أفغانستان منذ ظهوره في بداية عام 2015، لا سيّما في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية، بل أخذ يتمدد في المناطق التي تخضع لنفوذ “طالبان”، وتمكن من السيطرة على عدد من معاقل الحركة في هلمند، وبعض المناطق من إقليم زابل المجاور لقندهار التي تمثل معقلها الرئيسي.
وفي ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها حركة “طالبان” نتيجة الإنقسامات الداخلية، فإن نجاح الملا هيبة الله في قيادة الحركة في هذه المرحلة، سوف يرتبط بقدرته على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الحركة، وهي مهمة لا تبدو سهلة، في خضم التطورات التي تشهدها أفغانستان خلال الفترة الحالية.
يعتقد المراقبون إن “الملا هيبة الله” سيواصل الخط السياسي ذاته للملا منصور ولن يجري مفاوضات سلام مع الحكومة الأفغانية. في هذا السياق ذكر نائب وزير الخارجية السابق لحركة طالبان “عبدالرحمن زاهد” إن الملا هيبة الله لا يقبل الحوار، كما إنه ما زال يحافظ على المواقف القبلية التقليدية، حيث إنه يستغرق وقتاً طويلاً لمباشرة أيّ عملية سياسية، فيما يرى آخرون إنه من أنصار المفاوضات، لكن ليس بإمكانه القيام بأيّ شيء دون إجماع “مجلس الشورى” الذي يمثل القيادة العليا في الحركة.
في هذه الأثناء أعلنت الحكومة الأفغانية إن قيادة طالبان الجديدة ستلقى نفس مصير سابقتها إذا رفضت مفاوضات السلام. وصرح “داوا خان مينابال” نائب المتحدث بإسم الرئيس الأفغاني “أشرف غني أحمد زي” إن هناك فرصة ذهبية أمام طالبان لنبذ العنف والمشاركة في عملية السلام. وقال “إذا اختارت القيادة الجديدة لطالبان طريق السلام، فإننا مستعدون للتفاوض معهم، وإذا لم يكونوا مستعدين، فإننا سوف نقاتلهم حتى ينتهوا إلى نفس مصير الملا منصور”.
وتؤكد السلطات الأفغانية بإستمرار على ضرورة ضرب مقرات ومواقع طالبان الأفغانية داخل الأراضي الباكستانية التي تتخذها الحركة منطلقاً لشن هجمات داخل أفغانستان. وتتهم سلطات كابول الأجهزة الأمنية والإستخبارية الباكستانية بدعم طالبان في تنفيذ هذه الهجمات.
من هذا المنطلق، يشكل تعيين هيبة الله آخوند زاده مثار إهتمام واسع، حيث إن وجوده على رأس طالبان، يخوله أن يتمتع برؤية مختلفة حيال تحقيق السلام. كما إن موقعه الجديد يمنحه سلطة أكبر لإقناع بقية قادة طالبان للبدء في عملية المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، في حين ذكرت مصادر نقلاً عن أحد قادة طالبان قوله “إن الزعيم الجديد لا يملك شخصية قوية مثل “الملا عمر”، وليس مواكباً للعصر مثل “الملا منصور”، فهو القائد الأكثر عناداً وتعقيداً”، مشيرة إلى أن “إستئناف محادثات السلام مع الحركة في ظل قيادة الملا هيبة الله ستكون أكبر مفاجأة”.
المصدر / الوقت