جريدة الوطن وإدعاء القرصنة: بين تصريحات بن نايف المُسرَّبة وتقاتل آل سعود الداخلي
وكالات ـ سياسة ـ الرأي ـ
قامت صحيفة الوطن السعودية بتسريب كلامٍ لولي العهد السعودي محمد بن نايف، اعترف فيه بضرورة تقديم تنازلات في سوريا واليمن ومراجعة سياسات المملكة.
فيما عادت الصحيفة لتنفي الخبر، وتؤكد أنها تعرضت للقرصنة من أعداء السعودية بحسب تعبيرها. في وقتٍ أكد فيه خبراء، بأن الكلام المنسوب لإبن نايف صحيح، خصوصاً أنه نُقل على مواقع أخرى وبصيغٍ مختلفة. وهو ما نسبه البعض للخلافات العميقة بين بن نايف وبن سلمان، والتي أصبحت علنية، وتؤثر على سياسات السعودية داخلياً وخارجياً. فماذا فيما قالته صحيفة الوطن السعودية؟ وما هي دلالات ذلك؟
ما قالته الوطن السعودية
نشرت صحيفة “الوطن” السعودية على موقعها على الإنترنت، خبراً منذ يومين، نقلت فيه تصريحات لولي العهد السعودي محمد بن نايف، على هامش اللقاء التشاوري لقادة مجلس التعاون الخليجي الذي عقد الثلاثاء الماضي. وبحسب الخبر فإن بن نايف اعترف بفشل عملية عاصفة الحزم التي قال إن “أمدها قد طال وخرجت عن توقعاتها”. وفيما يتعلق بالأزمة السورية نقلت “الوطن” قوله إنه “كان من المتوقع إزاحة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد بمساعدة تركيا وواشنطن. وعوّلنا كثيراً على الطمأنات التي كانت تأتي. ولكن لم تتحقق هذه الوعود على أرض الواقع”. ويختم الخبر الذي نشرته الصحيفة السعودية حديث ابن نايف بالقول: “كل هذه الأمور تحتّم علينا أن نراجع سياساتنا وحساباتنا، وإن تطلّب الأمر فعلينا تقديم تنازلات حقيقية ومؤلمة في نفس الوقت في كل الملفات التي تم ذكرها”.
ولم تكتف الصحيفة بنشر الخبر على موقعها الإلكتروني وحسب، بل غردت به على حسابها في التويتر، وبعد مرور قرابة نصف ساعة على انتشاره، أُغلق الموقع وحُذفت التغريدة التي تحوي التصريح. إلا أن النشطاء ووسائل الإعلام، تداولوا الخبر بعد تصويره. وعند الساعة السابعة مساءاً عاد موقع الصحيفة للعمل.وقرابة منتصف الليل أصدرت الصحيفة بياناً، ادعت فيه أن قراصنة اخترقوا موقعها ونشروا خبراً كاذباً نُسب إلى ابن نايف حول اليمن وسوريا، دون أي ذكر للتغريدة من حساب الصحيفة على تويتر، التي مُحيت. لم تنسَ الصحيفة ربط الحادثة بالمؤامرة على السعودية، والغيظ من إنجازات الرياض بحسب تعبيرها.
دلالات وتحليل
وهنا فإن بعض الخبراء أشاروا الى أنه من المؤكد أن الصحيفة أُجبرت على الإدعاء أن موقعها تقرصن لنفي الخبر من أساسه. وذلك لأن مواقع إخبارية خليجية أخرى، قامت بنشر الخبر بصيغ أخرى.
ويقول الخبراء بأن ذلك يدل على حجم التناقض الداخلي في الرياض، حيث أن من يواكب تفاصيل السياسة اليومية في السعودية، يعرف أن تصريحات ابن نايف تحمل في طياتها انتقاداً مباشراً وصريحاً لولي ولي العهد محمد بن سلمان وسياسته، خاصة في اليمن. فيما يضع البعض هذه الإنتقادات في مسار السعي الدؤوب لبن نايف، لتقديم نفسه كخيارٍ بديلٍ للحكم، يهدف لإعادة دور الرياض الإقليمي.
فبحسب المحللين، لم تعد مسألة الصراع الدائر بين بن نايف وبن سلمان تنحصر في إطار التكهنات والتحليل. بل هي حقيقة تُنغِّص مسار سياسة آل سعود بشكلٍ كبير. ولعل والمتابع لتسلسل القرارات الملكية التي تصدر عن الديوان الملكي والأخبار في صحف السعوديين يستطيع تلمّس هوس الأميرين أحدهما بالآخر والحرب المستعرة فيما بينهم للوصول إلى الحكم. وهنا فإن سرداً لتاريخ الخلافات يمكن أن يخدم المطلب:
أولى إشارات الخلاف بين بن سلمان وبن نايف، كانت في أيلول الماضي، عندما صدر أمر ملكي بإعفاء سعد الجبري من منصبه كوزير دولة في الحكومة. وهو الرجل المحسوب على بن نايف في مجلس الوزراء
في نيسان الماضي، صدر قرار عن مجلس الوزراء السعودي يقضي بتقليص صلاحيات ما يُعرف بـ “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. ومنع عناصرها من ملاحقة المواطنين في الشوارع ومراكز التسوق. اعتبر جزء كبير من المحللين السعوديين، أن القرار هو ضد بن نايف. فيما هاجم البعض سياسات محمد بن سلمان، ليدخلوا السجن بعد ذلك.
في السابع من أيار الماضي، صدرت أوامر ملكية تهدف لتسهيل مهمة بن سلمان في تطبيق رؤيته “السعودية 2030″، عبر إعادة هيكلة الوزارات والهيئات الحكومية. قضى الأمر الملكي بتعيين مساعد العيبان عضو مجلس الوزراء رئيساً لمجلس إدارة هيئة تقويم التعليم، ومن ضمن مهمات الهيئة إصلاح المناهج التعليمية. وهو ما اعتبره الكثيرون في الرياض ضد بن نايف، الذي ورث عن أبيه نايف رعاية الطبقة الدينية وحماية مصالحها ووضع المناهج التعليمية، وليس الإهتمام برؤىً منفتحة قد لا تستسيغها المناهج التعليمية التي تُخرِّج الإرهابيين بحسب بعض المحللين.
وهنا فإن القائمة تطول فيما يؤكد حجم الخلاف في البيت السعودي. فيما باتت الحرب بين الطرفين بن سلمان وبن نايف، علنيةً أكثر من ذي قبل. فلم يُخف بن نايف ومن باب انتقاده لبن سلمان، إعلان رأيه صراحة، بأن العدوان على اليمن قد فشل. فالجميع يعرف أن ملف العدوان بيد ابن سلمان حصراً، ولا يشك اثنان في أن الملفين السوري والعراقي قد خرجا، تقريباً، من يد السعودية منذ العام الماضي مع دخول روسيا إلى ساحة المعركة السورية وخسارة تنظيم داعش الحرب في العراق. فيما يؤكد الكثير من المحللين أن هدف بن نايف من انتقاد بن سلمان، هو طرح نفسه كخيار منقذ لحل المشاكل الإقليمية، وإعادة الدور المعهود المفقود للرياض، وذلك عبر طرحه ضرورة التنازل في ملفات المنطقة.
يحاول بن نايف إستغلال الوضع والسمعة التي وصلت لها السعودية، من أجل البروز كطرفٍ قادرٍ على إيجاد منعطفٍ قد يُنسي – فيما لو استلم بن نايف الحكم – العالم سياسات الرياض الفاشلة والآثار التي خلفتها. لكن تاريخ الرجل أيضاً، قد يلعب دوراً بارزاً في إبقائه أحد مؤسسي المناهج الوهابية، والتي بات الكثيرون حتى الغرب يرونها سبباً في تفشي الإرهاب. أما السعي الدؤوب لبن سلمان من أجل التفرُّد بالحكم، فهو واضحٌ للجميع. فيما تعيش الرياض أزمةً، يقول الكثيرون أنها ستؤثر على مستقبلها، إن بقي لها مستقبل.انتهى
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق