كواليس قصة دين سري بين السعودية و امريكا عمره 41 عاما
بدأت القصة في يوليو (حزيران) 1974، التوتّر يخيّم على الأجواء العالمية، إثر حرب أكتوبر ( تشرين الأول ) بين مصر و الكيان الإسرائيلی، و يخيّم كذلك على ركّاب الطائرة الأمريكية المُتجّهة إلى السعودية، و التي تحمل على متنها وزير المالية الأمريكي “ويليام سايمون”، و نائبه “جاري بارسكي”، إذ كلّفهما الرئيس الأمريكي نفسه بمهمّة لا مجال للفشل فيها بأي حال؛ هذه المهمّة التي غيرت وجه العلاقات السعودية الأمريكية تمامًا، على مدار أربعة عقود تلت.
فما هي حكاية الدين الأمريكي للسعودية؟ و لماذا لم نعرف بشأنه إلى الآن؟ ولماذا طلبت السعودية إبقاء الأمر سرًا؟ تقرير بجريدة “الإندبندنت” البريطانية يُجيب عن هذه الأسئلة.
سلاح النفط؛ و مهمة “سايمون”
في أعقاب اندلاع حرب أكتوبر، قرَّرت منظمّة الدول العربية المصدّرة للنفط ” أوابك ” OAPEC، و المؤلفة من الأعضاء العرب لمؤسسة ” أوبك ” OPEC بالإضافة إلى مصر وسوريا، و قرّرت فرض حظر نفطي على الولايات المتّحدة، بريطانيا، هولندا، اليابان وكندا؛ لتندلع أزمة شديدة عُرفت بـ” أزمة النفط الأولى”. أدى الحظر، الذي جاء ردًا على الدعم العسكري الأمريكي للإسرائيليين، في نهاية المطاف إلى زيادة أسعار النفط إلى أربعة أضعاف، وانهيار البورصة الأمريكية، لتفقد الولايات المتحدة السيطرة على اقتصادها، وفقًا للتقرير.
من أجل ذلك، كلّف الرئيس الأمريكي ” ريتشارد نيكسون ” وزير ماليته الجديد آنذاك، ” ويليام سايمون” ، بمهمّة تحييد سلاح النفط الاقتصادي، و إقناع السعودية بتمويل العجز الكبير في الموازنة الأمريكية.
للوهلة الأولى، لم يبد ” سايمون ” رجلًا مناسبًا للمهمة، خاصة و قد ارتكب خطيئة دبلوماسية قبلها بأسبوع لكن ” سايمون “، مع عصبيته و غروره، كان يعرف كيف يُقنع المملكة بتنفيذ ما تريده أمریکا ببساطة.
تمثَّلَ ما عرضته أمریکا في الآتي: أن تشتري أمریکا النفط من السعودية، و توفّر الدعم العسكري و المعدّات. في المقابل، يضخّ السعوديون ملياراتهم إلى خزانة الدولة الأمريكية، باعتبارها أكثر مكان آمن يحفظ دولارات النفط.
التعتيم
و وفقًا للتقرير، تطلّبت صياغة التفاصيل عدّة اجتماعات سرّية كما يقول ” بارسكي “. و في نهاية المفاوضات، التي استمرت أشهرًا، بقيت تفصيلة شديدة الأهمّية: الملك ” فيصل بن عبد العزيز آل سعود “، طالب بأن تبقى استثمارات السعودية في سندات الخزانة الأمريكية سرًّا، وفقًا لتسريب دبلوماسي من قاعدة بيانات الأرشيف الوطني الأمريكي. و قد كان طيلة أربعة عقود، ظلّت استثمارات السعودية سرًا لا يعرف به سوى حفنة من مسئولي وزارة المالية الأمريكية. كانت مخاوف الملك ” فيصل “، طبقًا للتسريبات، نابعة من التوترات الناشئة عن حرب أكتوبر، و النظرة العربية إلى السعودية حين تبرم مثل هذه الصفقة، وتعطي دولارات النفط لأكبر داعمي الکیان الإسرائيلی.
استجابة لطلب الملك، اتبعت وزارة المالية الأمريكية عدة إجراءات استثنائية لضمان إخفاء كل أثر للحصة السعودية من الدين الأمريكي، من ضمنها السماح للسعودية بتخطي عملية المزايدة بخلق سندات إضافية خصيصًا من أجل حل الأزمة. و حتى بعد أن بدأت وزارة المالية في الإعلان الشهري عن حصة كل دولة أجنبية من الدين الأمريكي، فإنها لم تكشف عن حصة السعودية منفصلة، بل ضمتها إلى مجموعة من 14 دولة، أسمتها ” مصدرو النفط “.
استمر الحال على ذلك أكثر من 41 عامًا، حتى بعد أن انتهى تحقيق مكتب المحاسبة الحكومية الأمريكي، في 1979، إلى أن التعتيم المفروض على استثمارات السعودية في أمریکا ليس له أي سند قانوني أو إحصائي. لم يمتلك المكتب السلطة الكافية لإجبار وزارة المالية على إنهاء التعتيم، لكنّه خلص إلى أن الولايات المتّحدة ” قدّمت التزامات خاصة بالسرية المالية إلى السعودية “، و ربما دولٍ أخرى من أعضاء منظمة الأوبك.
المصدر / الوقت