ماراثون عراقي – سعودي في الفلوجة.. ممَّ تخشى الرياض؟
منذ إنطلاق عمليات تحرير الفلوجة من العصابات الإرهابية قبل أكثر من أسبوعين بدأت السعودية بتسخير كافة إمكاناتها الإعلامية والسياسية لمنع تحرير هذه المنطقة الواقعة على بعد 55 كلم غرب بغداد، فيما بدأ العراق جولة شرق أوسطية لشرح أبعاد هذه العملية وطمأنة دول المنطقة بشأنها.
و ركّز الإعلام السعودي على قضية السكّان في الفلوجة، متهماً القوات العراقية والحشد الشعبي بإرتكاب إنتهاكات ضد المدنيين، فيما قاد السفير السعودي في بغداد “ثامر السبهان” حملة إعلامية وسياسية لهذا الغرض بالتنسيق مع مجموعة من القنوات الفضائية بينها “العربية” و “الجزيرة” وعدد من الصحف كالشرق الأوسط والحياة و مئات من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الإجتماعي.
وسعى الإعلام السعودي عبر هذه الهجمة الواسعة النطاق إلى تشويه صورة الحشد الشعبي بذريعة الخشية من حصول إنتهاكات ضد المدنيين في الفلوجة، وتصوير الحشد على أنه حشد طائفي يريد الإنتقام من السنّة الذين يشكلون الأغلبية السكّانية في هذه المدينة.
بعد ذلك بدأت الرياض بطرح قضية النساء السعوديات في الفلوجة دون أن تشير إلى أن هؤلاء النساء وعددهن أكثر من 300، هل هنّ مجرد مواطنات عاديات، أم ذهبن إلى الفلوجة لغرض “جهاد النكاح” مع إرهابيي تنظيم داعش وبقية الجماعات الإرهابية؟!
وكشف القيادي في الحشد الشعبي الأمين العام لكتائب سيد الشهداء “أبو آلاء الولائي” عن قيام السفير السعودي في العراق بإتصالات مكثفة مع عدد من المسؤولين العراقيين للمطالبة بفتح ممرات آمنة لخروج “الدواعش” من الفلوجة، مؤكداً كذلك بأن لديه وثائق تشير إلى وجود أكثر من 300 إمرأة سعودية في هذه المدينة.
وسعت السعودية أيضاً إلى خلط الأوراق من خلال إثارة لغط واسع بشأن مشاركة عدد من المستشارين الإيرانيين في عمليات تحرير الفلوجة خصوصاً بعد أن حققت القوات العراقية والحشد الشعبي إنتصارات باهرة وسريعة على الجماعات الإرهابية في المرحلة الأولى من العمليات وبشكل فاق ما كان مخطط له ضمن الخطة المرسومة.
وردّاً على هذه التخرصات أوضح وزير الخارجية العراقي “إبراهيم الجعفري” خلال مؤتمر صحفي عقده في القاهرة بعد لقائه الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إن وجود المستشاريين العسكريين الإيرانيين في الأراضي العراقية هو بعلم الحكومة العراقية ودرايتها التّامة، مشيراً في هذا الخصوص إلى أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء “قاسم سليماني” هو مستشار عسكري للحكومة العراقية في معارك تحرير الفلوجة.
كما ردّ الكثير من القيادات العسكرية والشخصيات السياسية العراقية بشدّة على التخرصات السعودية في هذا المجال وطالبوا بطرد السفير السعودي “ثامر السبهان” من العراق.
وإنتقدت وزارة الخارجية العراقية تدخلات “السبهان” في الشأن العراقي الداخلي وتصريحاته غير اللائقة والتي تتنافى مع الأعراف الدبلوماسية التي أقرتها القوانين الدولية، فيما أعلنت الحكومة العراقية بأنها ستتقدم بشكاوى لدى المنظمات القضائية الدولية ضد القنوات الفضائية المغرضة ووسائل الإعلام الأخرى التي تبث أكاذيب بشأن عمليات تحرير الفلوجة وتشجع على إثارة النعرات الطائفية بين العراقيين لتحقيق مآرب أجنبية.
في هذا الخصوص دعت رئيس حركة “إرادة” العراقية النائبة “حنان الفتلاوي” السعودية إلى إدخال سفيرها في العراق دورة مكثفة حول أصول العمل الدبلوماسي، مطالبة بطرد “السبهان” إن لم يرتدع عن إثارة الفتن والترويج للطائفية في إشارة إلى تصريحاته غير المنضبطة في هذا المجال والمتطفلة على الشأن العراقي، فيما أكد رئيس كتلة بدر النيابية “قاسم الأعرجي” إن الهدف من وجود السفير السعودي في بغداد هو خلق الفتنة الطائفية والدفاع عن الإرهاب وليس التمثيل الدبلوماسي.
وبلغ السخط العراقي إزاء تصريحات وإجراءات الحكومة السعودية حدّاً دعا عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي “عبد الباري زيباري” إلى التأكيد بأن بلاده باتت بحاجة إلى دعم دولي لمواجهة التطرف السعودي.
وقال “زيباري” في حديث صحفي إن العراق يعاني منذ سقوط نظام الدكتاتور صدام وبداية العملية السياسية من الفكر السعودي المتطرف، والذي يشجع على وجود كل من يتصل بهذه الأفكار، لافتاً إلى أن القرارات الدولية في هذا المجال واضحة وتقضي بإدخال أي دولة تشجع الإرهاب أو تتعاون معه تحت البند السابع في إشارة إلى السعودية.
ومع ذلك ومن أجل طمأنة الدول العربية التي أعربت عن خشيتها من حصول إنتهاكات ضد المدنيين في الفلوجة أرسل رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” وفدين رسميين برئاسة وزيري الخارجية “إبراهيم الجعفري” والدفاع “خالد العبيدي” إلى عدد من عواصم هذه الدول ومن بينها القاهرة وعمّان والكويت ومسقط لبيان حقيقة الأوضاع وسلامة الإجراءات الخاصة بعمليات تحرير الفلوجة.
ومن الإتهامات التي أطلقتها بعض وسائل الإعلام المأجورة والمدفوعة الثمن إن الحشد الشعبي قام بحرق وتهديم المنازل والمدارس والمساجد في الفلوجة والقرى التابعة لها وهو في طريقه لتحريرها من العناصر الإرهابية، في حين أظهرت لقطات كثيرة بثتها العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية دخول حافلات محمّلة بالمساعدات الإنسانية والأغذية لأهالي هذه المناطق فور تحريرها بأیدی الحشد الشعبي وباقي القوات العراقية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحشد الشعبي قد تشكل إستجابة لفتوى المرجعية الدينية وهو يمثل في الحقيقة مظلة كبيرة لكافة شرائح الشعب العراقي من الشيعة والسنّة والعرب والأكراد والتركمان والمسيحيين والآشوريين والإيزيديين وغيرهم من المكونات والأقليات الدينية والقومية في هذا البلد. ويعتقد المراقبون بأن عمليات تحرير الفلوجة وفّرت فرصة ثمينة للعراقيين للتعبير عن وحدتهم وتماسك نسيجهم الإجتماعي، وذلك من خلال مشاركة جميع أطيافهم في هذه العمليات.
المصدر / الوقت