التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

هل يشن الكيان الإسرائيلي الحرب على حزب الله؟ 

نظراً للتصريحات المتكررة التي يطلقها قادة الكيان الإسرائيلي ضد حزب الله والتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة يتبادر للكثير من المحللين والمراقبين بين الحين والآخر التساؤل التالي: “هل سيشن الكيان الإسرائيلي الحرب على حزب الله؟”

الإجابة عن التساؤل الذي يطرح بشكل تلقائي كلما عزّز الكيان الإسرائيلي مناوراته قرب حدود لبنان الجنوبية أو عمد إلى إغتيال أحد قادة محور المقاومة ترتبط بجملة معطيات يتعلق بعضها بالأوضاع الداخلية للكيان الإسرائيلي فيما يتعلق البعض الآخر بتطورات المنطقة لاسيّما على الصعيدين العسكري والسياسي.

من أبرز التحديات التي يواجهها الكيان الإسرائيلي على المستوى الداخلي:

الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة المعروفة بـ “إنتفاضة القدس” أو “إنتفاضة السكاكين” المتواصلة منذ أكثر من 7 أشهر لاسيّما في القدس الشرقية والضفة الغربية والتي أدت حتى الآن إلى مقتل وجرح الكثير من قوات الأمن والشرطة الإسرائيلية وأدخلت الرعب والهلع في نفوس المستوطنين الصهاينة إلى درجة جعلت الكثير منهم يفكرون بمغادرة الأراضي المحتلة.
تنامي قوة الفصائل الفلسطينية في قطّاع غزة خصوصاً حركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” رغم الحصار المفروض على القطاع. وتجدر الإشارة هنا إلى العامل الجديد الذي رفع من مستوى جهوزية المقاومة الفلسطينية المتمثل بحفر الأنفاق بين القطاع والمناطق المحاذية خصوصاً القريبة من المستوطنات الإسرائيلية. فهذا الأمر من شأنه أن يربك الحسابات العسكرية للكيان الإسرائيلي في أيّ مواجهة محتملة، بالإضافة إلى تنامي القدرة الصاروخية للمقاومة التي أثبتت فاعليتها في ردع العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014.
التفكك بين أقطاب الحكومة الإسرائيلية والذي ظهر مؤخراً بشكل واضح من خلال إستقالة وزير الحرب “موشيه يعلون” وإستبداله بوزير الخارجية الأسبق “أفيغدور ليبرمان” بسبب الخلافات العميقة حول كيفية مواجهة الإنتفاضة الفلسطينية المتواصلة رغم الإجراءات القمعية التي إتخذتها سلطات الإحتلال، وتحديداً في الضفة الغربية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطنية بقيادة محمود عباس.
الوضع الإقتصادي المتردي داخل الكيان الإسرائيلي بسبب مقاطعة الفلسطينيين للبضائع الإسرائيلية من جهة، وإمتناع الكثير من الدول الأوروبية من شراء هذه البضائع من جهة أخرى، بالإضافة إلى التراجع الذي شهدته العديد من القطاعات الإقتصادية والسياحية في هذا الكيان بسبب الخشية من الهجمات المباغتة التي يشنها الفلسطينيون في إطار إنتفاضة القدس.
أمّا على الصعيد الخارجي وأهم المتغيرات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة فيمكن الإشارة إلى ما يلي:

بعد هزيمته في لبنان على يد حزب الله في صيف عام 2006 بدأ الكيان الإسرائيلي بالبحث عن ردّ للتعويض عن هذه الهزيمة، ونفذ سلسلة من الأعمال العدوانية في إطار إستراتيجية تهدف إلى الإطاحة بمحور المقاومة إنطلاقاً من سوريا بإعتبارها الحليف الأقرب جغرافياً للمقاومة، ناسياً أو متناسياً أن حزب الله بات في وزن إستراتيجي وعسكري أكبر بكثير مما كان عليه قبل 2006.
ويعتقد المراقبون بأن إنشغال حزب الله في القتال إلى جانب سوريا لن يخضعه لقواعد اللعبة الإسرائيلية ولن يجعله يتردد في مواجهة الكيان الإسرائيلي إذا خرق الخطوط الحمراء، كما حصل في عملية القنيطرة حيث كان الجواب الإسرائيلي شبه معدوم، لأنه يخشى من أن تتدحرج الأمور إلى ما لا يحمد عقباه.

رغم تتابع الخطط المعتمدة من قبل قادة الكيان الإسرائيلي للإستفراد بحزب الله وإستغلال إنشغاله بالدفاع عن سوريا، إلاّ أن ما حصل من تغييرات جوهرية في دول أخرى في المنطقة خصوصاً في العراق واليمن عزّز قدرة محور المقاومة، ومن بين هذه التطورات تشكيل الحشد الشعبي في العراق إستجابة لفتوى المرجعية الدينية لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية التي إحتلت مناطق من هذا البلد، بالإضافة إلى بروز حركة أنصار الله في اليمن كقوة مؤثرة وفاعلة في محور المقاومة من خلال تصديها للعدوان السعودي وللجماعات الإرهابية الموالية للرياض في اليمن.
مشاركة روسيا عسكرياً إلى جانب سوريا في مواجهة الجماعات الإرهابية وتحقيق نتائج إيجابية في هذا المجال أدى بدوره أيضاً إلى تعزيز قوة محور المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران في المنطقة بإعتبار أن صمود سوريا الحليفة لإيران وقدرتها على الثبات والإستمرار من شأنه أن يديم الإتصال بين كافة أطراف المقاومة سواء في العراق أو في لبنان.
إبرام الإتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية الدولية (البلدان الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا) والذي أتاح لطهران التخلص من الحظر الإقتصادي سيؤدي أيضاً إلى زيادة قوة إيران وإتساع نفوذها في الشرق الأوسط، مما سيقود بدوره إلى تقليص نفوذ الكيان الإسرائيلي والدول الحليفة له في المنطقة.
الإعتراف بدولة فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة بعد عملية تصويت تاريخية في الجمعية العامة للمنظمة الدولية رغم معارضة أمريكا والكيان الإسرائيلي، وكذلك إعلان الكثير من الدول الأوروبية إستعدادها للإعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد شكّل هذا الوضع الدولي الجديد نصراً دبلوماسياً كبيراً للفلسطينيين حيث أتاح لهم العضوية في منظمات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية.
المبادرة الفرنسية لإستئناف محادثات التسوية بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي وإحتمال توجه باريس للإعتراف بدولة فلسطين، وما سيجره ذلك من قيام دول أوروبية أخرى بإتخاذ موقف مماثل.
إنكفاء الثورات العربية أو ما عرف بـ “الربيع العربي” بسبب تدخل القوى الغربية وفي مقدمتها أمريكا في شؤون الدول التي شهدت هذه الثورات لاسيّما مصر وليبيا وتونس والذي أدى بالتالي إلى إنشغالها بأزمات داخلية كثيرة ساهمت في إبعاد القضية الفلسطينية عن أولويات هذه البلدان لاسيّما مصر التي كانت في طليعة الدول العربية المواجهة للكيان الإسرائيلي. وقد ساعد هذا الأمر أيضاً في تهيئة الأرضية لبلدان عربية أخرى لاسيّما في مجلس التعاون إلى مد جسور التطبيع مع تل أبيب بشكل سرّي على أمل أن يتم الإفصاح عن ذلك بشكل علني في المستقبل.
قرب إنتهاء فترة الولاية الثانية للرئيس الأمريكي “باراك أوباما” وما قد يتركه ذلك من تغيير في العلاقة بين واشنطن والكيان الإسرائيلي خصوصاً بعد البرود الذي شهدته خلال السنوات الأخيرة بسبب عدم تمكن الإدارة الأمريكية من إقناع تل أبيب بمواصلة محادثات التسوية مع السلطة الفلسطينية نتيجة تعنت رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” خصوصاً فيما يتعلق ببناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تصنيف حزب الله كـ “منظمة إرهابية” من قبل الجامعة العربية رغم إعتراض العراق ولبنان وتحفظ الجزائر على هذا القرار الذي من شأنه أن يحوّل الصراع بين الدول العريبة والكيان الإسرائيلي إلى صراع بين هذه الدول من جهة ومحور المقاومة في المنطقة والجمهورية الإسلامية في إيران التي تقود هذا المحور من جهة أخرى.
محاولات الكيان الإسرائيلي المتكررة لضم منطقة الجولان السورية إلى الأراضي المحتلة، مستفيداً من إنشغال دمشق في مواجهة الجماعات الإرهابية وكذلك إنشغال الكثير من دول المنطقة بأزمات داخلية أو نزاعات عسكرية كما يحصل في العراق أو بين اليمن والسعودية.
قيام الكيان الإسرائيلي بسلسلة من الإغتيالات ضد عدد من قادة ورموز المقاومة كما حصل مع الشهيدين مصطفى بدر الدين وسمير القنطار، ما أعطى إنطباعاً بأن هذا الكيان لازال يرى في المقاومة لاسيّما حزب الله الخطر الأكبر الذي يهدد وجوده ومصيره في المستقبل.
هذه المعطيات وغيرها تجعلنا نعتقد بأن تقديرات الكيان الإسرائيلي تتحدث عن إحتمال متدنٍ لشن الحرب على حزب الله ولهذا تسعى تل أبيب لتجنب أيّ مواجهة مع المقاومة بشكل مباشر في الوقت الحاضر لكنها تحاول في الوقت نفسه جسّ النبض بين الحين والآخر من خلال بعض العمليات التي عادة ما تستهدف رموز المقاومة. والسيناريو الذي يقلق الكيان الإسرائيلي في هذا الوقت هو أن يؤدي أيّ حادث إلى تصعيد غير محسوب النتائج والذي قد يقود إلى حرب شاملة.

إنطلاقاً من هذه المعطيات يقدم الكيان الإسرائيلي نفسه في خطاباته على أنه منكفئ عن العدوان لأنه يدرك أن أيّ تجاوز للخطوط الحمراء سيكلفه كثيراً وربما يؤدي إلى زواله ومسحه من الخريطة كما صرّح بذلك مراراً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

من هنا يبقى الحديث عن مبادرة الكيان الإسرائيلي لشن حرب على حزب الله في إطار التقديرات الضعيفة خصوصاً وأن تل أبيب تعلم جيداً أن قدرات المقاومة قد تضاعفت كثيراً بعد 2006 وأن بإمكانها تدمير أيّ هدف داخل الكيان الإسرائيلي في أيّ وقت تشاء وبقوة لا يمكن الحد من تأثيرها من قبل القبة الحديدية أو أيّ منظومة صاروخية أخرى يمتلكها هذا الكيان.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق