العرب يقتلون أنفسهم بأسلحتهم
المتتبع لأحوال الدول العربية يجد الكثير من هذه الدول قد هاجمت دولاً عربية أخرى لأسباب تبدو ثانوية جداً إذا ما قيست بضرورة إستخدام السلاح للدفاع عن قضايا الأمة المصيرية لاسيّما القضية الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني الغاصب.
في هذا المقال نتناول بشكل خاص مواقف دول مجلس التعاون التي شكّلت القوات العسكرية المعروفة بـ “درع الجزيرة ” وأمور أخرى تكشف حقيقة مُرّة، وهي أن العديد من هذه الدول قد هاجمت بلداناً عربية أخرى أو دعمت بشكل مباشر أو غير مباشر التنظيمات الإرهابية لزعزعة الأمن والإستقرار من أجل تغيير الأنظمة في بعض تلك البلدان.
قبل الخوض في هذا الموضوع لابدّ من الإشارة إلى نبذة مختصرة عن درع الجزيرة:
“درع الجزيرة” هي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الذي يضم (السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وسلطنة عُمان)، وتم إنشاؤها عام 1982 بهدف حماية أمن هذه الدول ضد أيّ عدوان خارجي. ويقع مقر هذه القوات في السعودية وتحديداً في محافظة “حفر الباطن” قرب الحدود بين الكويت والعراق.
وتتألف القوة التأسيسة لـ “درع الجزيرة” من فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها وأغلب جنودها من السعودية مع أعداد قليلة من باقي الدول. وتشكل هذه القوة قيمة إستراتيجية محدودة من الناحية الأمنية وغير قابلة للتصدي لأيّ تهديد واسع النطاق.
قبيل الغزو العراقي للكويت في 2 آب/ أغسطس عام 1990 كانت قوات درع الجزيرة تتألف من لواء سعودي ولواء مشترك من باقي دول مجلس التعاون، ولم تقم هذه القوات بأيّ ردّ عسكري على الإجتياح العراقي للكويت، مما أظهر رمزية وفشل هذه القوات في حماية أحد أعضائها.
وبعد الإجتياح العراقي للكويت قامت السعودية بتكرار دعواتها لزيادة التعاون الداخلي للدول الأعضاء في درع الجزيرة كما دعمت إقتراح سلطان عُمان “قابوس بن سعيد” بزيادة أعداد قوات الدرع إلى مائة ألف جندي، إلاّ أن الأصوات الداعية إلى ذلك تقلصت فيما بعد إلى أن إنتهى مشروع زيادة قوات درع الجزيرة في كانون الأول/ديسمبر 1991 بضغط سعودي.
وفي ديسمبر 2005 أعلنت السعودية تفكيك قوات درع الجزيرة على أثر التوترات السعودية – القطرية وإدراك مجلس التعاون أن القوات لم تكن بالمستوى المطلوب.
وفي نوفمبر 2006 قرّر مجلس التعاون توسيع قدرات الدرع وإنشاء نظام مشترك للقيادة والسيطرة. وفي عام 2006 قدّرت قوة الدرع بحوالي 7000 عسكري. وفي عام 2010 تجاوزت القوة عتبة الثلاثين ألف. وفي عام 2003 قرر وزراء الدفاع والخارجية لدول مجلس التعاون نقل قوات الدرع إلى دولة الكويت أثناء حربه مع العراق بناء على طلب الكويت التي إتخذت إجراءات إحترازية.
إحتجاجات البحرين
في عام 2011 وخلال فترة الإحتجاجات الشعبية في البحرين طلبت حكومة المنامة الإستعانة بقوات درع الجزيرة لقمع هذه الإحتجاجات. وإعتبر الكثير من المراقبين إرسال هذه القوات بمثابة غزو للبحرين. وأُتهمت هذه القوات بإرتكاب جرائم منها منع الطواقم الطبية من تقديم العلاج للجرحى وقتل المدنيين. وشاركت السعودية بأكبر عدد من القوة المرسلة الى البحرين وجاءت بعدها الإمارات. وهو أمر يخالف بشكل صريح الإتفاق الذي تشكّلت على أساسه قوات درع الجزيرة والذي ينص على أن هذه القوات هي لغرض صد الخطر الخارجي وليس للتدخل في الشؤون الداخلية لأيّ دولة من دول مجلس التعاون.
حرب عربية – عربية من نوع آخر
بعد إندلاع الأزمة السورية في مارس / آذار عام 2011 بدأت حرب عربية – عربية من نوع آخر، وظهر ذلك بشكل واضح من خلال دعم الجماعات الإرهابية من قبل بلدان عربية في مقدمتها السعودية وقطر بهدف إسقاط حكومة الرئيس السوري “بشار الأسد”.
كما دعمت السعودية وقطر الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم “داعش” لزعزعة الأمن والإستقرار في العراق، وقد أدى ذلك إلى إحتلال مناطق واسعة من هذا البلد وإستشهاد وجرح الآلاف من العراقيين.
ولطالما صرّح المسؤولون السعوديون عن دعمهم لتلك الجماعات من بينهم وزير الخارجية “عادل الجبير” الذي أكد مراراً إن أيّ تسوية للأزمة السورية لا يمكن أن تحصل ما لم يتم إزاحة “الأسد” عن السلطة.
في هذا الإطار إستضافت الرياض مؤتمر المعارضة السورية التي عرفت فيما بعد بإسم “معارضة الرياض” وعملت على عرقلة جميع المساعي السلمية لتسوية الأزمة السورية عبر مفاوضات “جنيف” و “فيينا”.
وفي عام 2012 وقّعت السعودية وقطر وتركيا إتفاقاً سريّاً يهدف للإطاحة بحكومة “بشارالأسد”. وحظي الإتفاق بدعم دول غربية في مقدمتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا. وتم فضح هذا الإتفاق من قبل “جوليان أسانج” مؤسس موقع “ويكيليكس” الذي أشار إلى أن العداء السعودي لحكومة الأسد تخطى ما كان متفقاً عليه بهذا الخصوص مع الإدارة الأمريكية.
العداء السعودي – القطري للبنان
بعد فشل القيادات السعودية والقطرية في تحقيق مخططهم الرامي إلى إسقاط حكومة الأسد في سوريا، سارعت الرياض والدوحة للتخطيط لإشعال الفتنة الطائفية في لبنان خصوصاً بين السنّة والشيعة، وذلك من خلال دعم التنظيمات والشخصيات السلفية والمتطرفة ومن بينهم المدعو “أحمد الأسير” الذي عُرف فيما بعد بإسم “شيخ الفتنة”.
وكان الأسير شخصاً مغموراً قبل أن يطرح نفسه كمدافع عن سنّة لبنان، حيث قام بعدّة نشاطات معادية لحزب الله والشخصيات الشيعية المعروفة في لبنان. ودعا الأسير إلى إعتصام في ساحة الشهداء ببيروت للتحريض ضد الحكومة السورية. كما نظّم إعتصاماً آخر في مدينة “صيدا” وتحديداً في الطريق الرابط بين بيروت والمناطق الجنوبية من لبنان ذات الأغلبية الشيعية للمطالبة بنزع سلاح حزب الله.
وفي عام 2013 تحولت صيدا إلى ساحة قتال بين أتباع الأسير والجيش اللبناني أسفرت عن مقتل 18 جندي و11 من أتباع الأسير.
وبعد إعتقاله من قبل قوات الأمن اللبنانية إعترف الأسير خلال التحقيقات بتلقيه الدعم من السعودية وقطر لمحاربة حزب الله وإثارة الفتنة الطائفية في لبنان بهدف زعزعة الأمن والإستقرار في هذا البلد.
ولم تقف مساعي السعودية ضد حزب الله عند هذا الحد؛ بل حرّضت الدول العربية خصوصاً في مجلس التعاون لإتخاذ قرار داخل الجامعة العربية يصنف حزب الله كمنظمة إرهابية، الأمر الذي عارضه العراق ولبنان وتحفظت عليه الجزائر.
الحرب الاعلامية السعودية ضد لبنان
كرّست السعودية عداءها للبنان بسبب موقفها السلبي من حزب الله وإيران التي تربطها علاقة جيدة مع هذا البلد، وظهر هذا العداء بشكل واضح عندما قررت إدارة القمر الإصطناعي “عرب سات” وبتحريض من السعودية الضغط على الحكومة اللبنانية لإيقاف بث “قناة الميادين” الفضائية بسبب رفضها للعدوان السعودي على اليمن وسائر المواقف المعادية التي تتخذها الرياض ضد دول وشعوب المنطقة. وعلى أثر ذلك قررت إدارة “عرب سات” إنهاء عقدها مع الحكومة اللبنانية ونقل محطة البث التابعة لها من منطقة “جورة البلوط” في لبنان إلى العاصمة الأردنية “عمّان”.
العدوان السعودي على اليمن
شنّت السعودية بتاريخ 26 مارس/آذار 2015 وبدعم من أطراف كثيرة في مقدمتها أمريكا والكيان الإسرائيلي عدواناً غاشماً على اليمن أطلقت عليه إسم “عاصفة الحزم”. وشاركت في العدوان جميع دول مجلس التعاون بإستثناء سلطنة عُمان. كما أعلنت “الجامعة العربية” عن دعمها لهذا العدوان الذي أدى إلى إزهاق أرواح وجرح الآلاف من اليمنيين وتدمير البنى التحتية لبلادهم. وشمل التدمير المستشفيات والمدراس ومحطات الطاقة الكهربائية والمياه ومستودعات الأغذية والأدوية.
والتساؤل المطروح: لماذا يستخدم العرب أسلحتهم لضرب بعضهم البعض ولا يستخدمونها ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب للقدس الشريف، خصوصاً السعودية التي تدّعي أنها الراعية لمصالح المسلمين وتصف نفسها بأنها خادمة الحرمين الشريفين؟
الإجابة عن التساؤل بسيطة للغاية وهي أن هذه الدول لا تملك زمام إتخاذ القرارات وليس لها من الأمر شيئاً سوى إطاعة الأوامر التي تصدرها أمريكا لتنفيذ مشروعها في الشرق الأوسط الرامي إلى تمزيق دوله ونهب ثرواتها والتحكم بمصيرها خدمة لمصالح واشنطن والكيان الإسرائيلي وحلفائهما الغربيين على حساب بلدان وشعوب المنطقة.
المصدر / الوقت