سياسة الإقتصاد المقاوم: مقاربةٌ علمية و حاجةٌ ملحة
شكلت مسألة الإقتصاد المقاوم، مسألة مهمة لا سيما للدول الباحثة عن سبيلٍ للخروج من التبعية. وهنا فإن الفكرة الإقتصادية التي كانت باكورة أبحاثٍ أجرتها الجمهورية الإسلامية، شكلت بحد ذاتها حلاً للكثير من المعضلات والأزمات لا سيما الإقتصادية. في حين يشوب تطبيق هذه السياسة، عقباتٌ تتمثل بالذهنية الإقتصادية التي تحكم المجتمعات في منطقتنا. بعد أن ترعرعت الشعوب على فكرة التبعية، حتى في الإستهلاك والإنتاج. لكن إيران استطاعت أن تتميز عن غيرها، من خلال تقديمها نموذجاَ عملياً في هذا المجال. و ذلك عبر استفادتها من سنوات الحظر والعقوبات، حيبث خرجت من ذلك بنتائج جعلتها أقوى، وأكثر تعاظماً. فماذا في تعريف الإقتصاد المقاوم؟ وما هي أسباب الحاجة له؟ وكيف يمكن تحديد أهم خصائصه؟
الإقتصاد المقاوم: تعريفة وأسباب الحاجة له
إنّ سياسة الإقتصاد المقاوم، هي سياسة استراتيجية، عبارة عن تدابير طويلة الأمد لإقتصاد البلاد. وتهدف لمنع تدهور الإقتصاد في مواجهة الصدمات المختلفة. وتُستمد من الرؤية الإسلامية للعمل الإقتصادي. ولعل الحاجة للإقتصاد المقاوم، يجعلنا نتطرق لسببين أساسيين. السبب الأول والرئيسي هو أن اقتصاد الدول المرتبط بالإقتصاد العالمي، يجعلها تتأثر بما يحصل في العالم على الصعيد الإقتصادي لا سيما الأزمات. وهو ما قد ينعكس سلباً على مصلحة الدولة. أما السبب الثاني، فهو أن الدول الكبرى، تسعى لترسيخ واقع الهيمنة من خلال جعل السياسات الإقتصادية سياسات إبتزازية، تستخدمها في إرضاخ الدول. مما يفرض ضرورةً للإنتباه والإهتمام أكثر بتقوية أسس الإقتصاد الخاص بالبلاد، وجعله قادراً على مقاومة التحديات.
أهم عناصر الإقتصاد المقاوم
إن لسياسة الإقتصاد المقاوم عدة خصائص سنذكر منها أهمها فیما يلي:
تحقيق العدالة الإجتماعية عبر تحريك العجلة الإقتصادية: فمسألة إعتماد البلد على إقتصاده يساهم في تحريك عجلة الإقتصاد، مما يساهم في زيادة الإنتاج الوطني وبالتالي إيجاد فرص عمل جديدة، مما يجعل الطبقات الفقيرة والمحرومة تستفيد من هذا التقدم. خصوصاً أن هذا التوجه، سيجعل مسألة الإلتفات الى الطاقات الداخلية أكبر، وبالتالي سيتم الإعتماد على الموارد الداخليّة (العلميّة، الإنسانيّة، الطبيعيّة،…).
القدرة على مواجهة الأزمات: تُعتبر الأزمات الإقتصادية من أكثر الأمور التي تهدد اقتصاد الدول. في حين تُستخدم السياسات الإقتصادية من قبل الدول الكبرى، من أجل إرضاخ دولٍ أخرى لأسباب سياسية. وهو الأمر الذي يجعل مسألة اللجوء للإقتصاد المقاوم، سياسةً تحمي من الأزمات من جهة، ومن الحظر والعقوبات من جهةٍ أخرى.
جعل الشعب محور الحركة الإقتصادية: إن سياسة الإقتصاد المقاوم، تساهم في إيكال النشاط الإقتصادي للناس. حيث أنه يوجد الكثير من العناصر المستعدّة للعمل، والتي تمتلك المهارات والإبداعات، الى جانب العلم والمعرفة.
تحقيق الإكتفاء الذاتي: إن الإلتفات الى الإقتصاد المقاوم، يجعل بالنتيجة مسألة تحقيق الإكتفاء الذاتي أمراً ضرورياً. وبالتالي يجب الإلتفات الى المجالات التي تتطلّب اكتفاءاً ذاتيّاً وتأمين المواد الإستراتيجيّة والأساسيّة، التي قد تهم أي شعب، وهي المواد الغذائية، والأدوية في الدرجة الأولى. مما ينفي إمكانية تعرضها للإبتزاز في حاجاتها الأساسية.
تقليل الإعتماد على الطاقات القابلة للزوال: إن مسألة الإعتماد على الطاقات، هو من صلب إقتصاديات الدول اليوم. لكن وعلى سبيل المثال، فإن مسألة الإعتماد على النفط اليوم، جعلت العديد من الدول أمام أزمات كبرى، لا سيما بسبب إنخفاض قيمته السوقية. مما جعل اقتصاديات دول عرضةً للإنهيار. مما يفرض بالضرورة جعل مسألة الإعتماد على النفط الى الحد الأدنى.
إصلاح النموذج الإستهلاكي: إن مسألة ثقافة الإستهلاك، تعتبر من أهم الأسس التي تدفع العجلة الإقتصادية، نحو الأمام أو الخلف. فالمجتمع الإستهلاكي، هو ذلك المجتمع الذي يجعل سياسته استهلاكية، أكثر من كونها انتاجية. مما يعرضه لخطر الوقوع في التبعية. الأمر الذي يفرض بالضرورة، إقتصاداً قائماً على العقل والتدبير، ومنع الهدر والإسراف.
الأمن الإقتصادي ومكافحة الفساد: إن من أهم أسس وركائز الإقتصاد المقاوم، هي مسألة ترسيخ الأمن الإقتصادي عبر مكافحة الفساد وذلك يحصل عبر منع المستغلّين والمتحايلين على القانون.
العلم أساس التطور: يعتمد الإقتصاد المقاوم على العلم بشكلٍ كبير. بل إن التطور العلمي، هو من أهمّ البنى التحتيّة للإقتصاد في أيّ بلدٍ، حيث أن تطوير المستوى العلمي للموارد البشرية في البلاد، يساهم في بناء أرضيةٍ قوية لأي إقتصاد. مما يجعل دورة اتّصال العلم بالثروة وخاصة في الأقسام ذات المميّزات العالية تنطلق وتستمرّ.
إذن يعتمد الإقتصاد المقاوم على مبادئ وأسسٍ تنطلق من قدرات الأمة وتهدف لجعلها بعيدة عن كافة الأزمات بل يهدف الإقتصاد المقاوم، لإيجاد التوازن المطلوب بين الحاجات والموارد. وهو في الحقيقة جوهر علم الإقتصاد لكن السياسات الإقتصادية للدول لا سيما الرأسمالية، جعلت من الحرية وعدم احترام خيارات الآخرين، الى جانب تبرير المبادرة الفردية بشكلٍ عشوائي، أسساً لسياساتٍ ساهمت في خلق العديد من المبررات لحروبٍ كانت سياسية بمظهرها، إقتصادية في جوهرها. فالعارف بخفايا التخطيط السياسي، يُدرك أن الحروب كلها تقوم لأسبابٍ إقتصادية. وهو الأمر الذي يُبرز الحاجة للإقتصاد المقاوم، والذي يرتبط بنتائجه بمقاومة هيمنة أمريكا والغرب.
إن الإقتصاد المقاوم ليس سياسة مرحليّة، بل هو عبارة عن سياساتٍ طويلة الأمد. في حين نتائجها ستنعكس على الواقع الحالي، كما الإستراتيجي وتتمتع بمرونةٍ، كما أن مبادءها ثابتة.
لا شك أن العبور نحو هذا النوع من السياسات، هو أمرٌ يُشكل تحدياً للدول. فذلك يحتاج الى إرادةٍ في اتخاذ القرار، الذي سيجعل صاحبه يخطو الخطوة الأولى نحو التمرد على الإستكبار العالمي الذي يعتمد الإبتزاز الإقتصادي كوسيلة له. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن سياسة الإقتصاد المقاوم، هي عبارةٌ عن مشروعٍ علمي، ينطلق من أسسٍ واقعية، تدعمه الحاجةٌ الملحة له.
المصدر / الوقت