الفلوجة ولعبة حماية السنة
رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” أعلن عن إرجاء الهجوم على مدينة الفلوجة حتى يتم تأمين ممر آمن للمدنيين الذين تستخدمهم داعش كدروع بشرية. ويأتي إرجاء العمليات القتالية بعد يومين من إطباق القطعات العسكرية للجيش العراقي والوحدات الخاصة حصاراً كاملاً على مدينة الفلوجة مع استمرار لبعض العمليات العسكرية في اطرافها لكن بوتيرة أخف.
“العبادي” أكد أن حماية المدنيين تقع ضمن الخطة الأساسية للحكومة العراقية في الوقت الذي تحدثت فيه التقارير عن فرار معظم سكان الفلوجة وان هناك 50 ألف شخص ما زالوا محاصرين داخل المدينة يعانون من صعوبات في إيصال الماء والغذاء لهم وكانت منظمات دولية كمنظمة الأمم المتحدة للطفولة قد صرحت بأن ما لا يقل عن 20 ألف طفل موجودين في الفلوجة وهناك قلق عالمي إزاء مايمكن ان يتعرض له هؤلاء الاطفال من عذاب ومعاناة خاصة أن منظمة اليونيسيف تحدثت عن عمليات تجنيد قسري تقوم بها داعش بحق الاطفال وعزلهم عن ذويهم.
إذاً هل الوضع الإنساني وحماية المدنيين هو السبب الوحيد وراء إرجاء العمليات العسكرية في الفلوجة؟ أم أن هناك أسباب أخرى تتخفى وراء ستار المدنيين؟
هنا لابد من الإشارة الى الحملة السياسية والإعلامية المضادة التي أخذت تصرخ وتتباكى على مدنيي الفلوجة وكأن الجيش العراقي جاء ليدمر المدينة على رؤوس اهاليها الآمنين والتي بدأت مع انطلاق عملية تحرير الفلوجة وهدفها الترويج لما يسمى انتهاكات الحشد الشعبي للمدنيين وتحويل المعركة من تحرير للفلوجة العراقية من ايدي داعش الارهابية الى معركة طائفية هدفها القضاء على السنة في الفلوجة عبر وسائل اعلامها كالجزيرة القطرية والعربية السعودية التي بدأت عملية ممنهجة لتشويه هذه المعركة واهدافها والقائمين عليها وساعدهم في ذلك بعض الاطراف العراقية المعروفة بانحيازها للمحور السعودي القطري التركي كرئيس مجلس النواب العراقي “سليم الجبوري” الذي أشار الى وجود معلومات تؤكد حصول بعض التجاوزات ارتكبها افراد جهاز الشرطة الاتحادية وبعض المتطوعين بحق المدنيين والتي بدورها على حد قوله تسيء الى التضحيات التي يقدمها الجيش والقوات المقاتلة بالفلوجة، وحتى لو صحّت بعض هذه الاخبار إلا أنها قدمت خدمة مجانية لوسائل الاعلام المناهضة لتحرير الفلوجة التي تلقفت هذه التصريحات وبدأت تقوم بحبك القصص عن الانتهاكات بحق المدنيين. وتأتي تصريحات النائبة العراقية لقاء وردي الرافضة لمشاركة الحشد الشعبي في عملية التحرير في نفس السياق.
هناك من يتسائل اين كانت هذه القنوات عن التقارير العالمية التي تحدثت عن انتهاكات داعش بحق المدنيين في الفلوجة وغيرها، أين هي عن عمليات التجنيد القسري بحق الاطفال، اين كانت عن ممارسات داعش اللاانسانية بحق النساء والتي لم يبق منظمة انسانية الا وذكرتها.
وللجواب على هذه التساؤلات لابد من الاشارة الى المعلومات المسربة عن تحركات السفير السعودي في العراق “ثامر السبهان” وتواصله مع عدد من الشخصيات المعارضة للحكومة العراقية كطارق الهاشمي و”علي حاتم سليماني” و”جمال الزاري” والتي يهدف من خلالها الى ايجاد طرق آمنة لإخراج مسلحي داعش المحاصرين في الفلوجة وايصالهم الى الموصل. الامر الذي يعارضه الى الان الكثير من الفرقاء السياسيين والمسؤولين العسكريين العراقيين.
وهذا يوضح الهدف الرئيسي من هذه الضجة الاعلامية وهو حماية عناصر داعش المحاصرين في هذه المدينة من الموت المحتوم على يد الجيش العراقي وليس كما يتم الحديث عنه من حماية للمدنيين الذين استطاع الجيش العراقي حتى اليوم تحرير 6000 شخص منهم من قبضة داعش إذ تمكن من تحرير 3300 شخص خلال عملية واحدة فقط.
و من المعروف ان عملية تحرير الفلوجة كان ينتظرها العراقيون منذ زمن وقد تأخرت كثيرا لأسباب سياسية وأخرى عسكرية وكان من المتوقع لهذه العملية بعد كل هذا الانتظار ان تكون متكاملة من كل النواحي وأن تكون الخطط دقيقة ومحكمة لأن الفلوجة ذات اهمية استراتيجية كبيرة كونها الاقرب الى العاصمة بغداد التي تبعد عنها 60 كيلومتر فقط وتعد عقدة مواصلات مهمة تربط الدول الثلاث العراق وسوريا والاردن ببعضها البعض ولا ننسى انها اهم معقل لداعش في العراق الذي يتواجد فيها منذ سنتين وقد اقام فيها العديد من مقراته وتحصيناته بالاضافة الى مراكز تنسيق مع عناصره المتواجدة في سوريا.
صحيح أن الجيش العراقي اليوم أحكم الخناق على الفلوجة من كل الجهات الا ان المراقب لسير العمليات يلاحظ وجود بطء فيها يمكن اختصاره ببعض الملاحظات :
فبالإضافة الى ما تحدث عنه العبادي من ضرورة حماية المدنيين الذين يعوقون الاستمرار بالعمليات على نفس الوتيرة التي بدأت بها، نقول ان العبوات الناسفة التي زرعها عناصر داعش في كل مكان بالاضافة الى انتشار القناصة على طرق تقدم القطعات كان ومايزال له دور بتاخير هذه العمليات الا ان جيشاً بهذا الحجم والتسليح والخبرة لا يجب ان يعيقه هذا السبب وخاصة مع وجود وسائل عسكرية ككاسحات الالغام والجرافات المدرعة والقناصين العراقيين ذوي الخبرة.
وموضوع حصار الفلوجة ليس امرا سهلا لأن عمليات التطويق والحصار تكون ناجحة لمدينة صغيرة او وحدة عسكرية معينة ولكنها لا تنجح لمدينة كبيرة كالفلوجة لتنوع تضاريسها التي تشمل الانهار والبساتين الكثيفة وتلال وطرق رئيسية وثانوية وأخرى صحراوية وهذا ما يجعلها بحاجة الى وحدات عسكرية كبيرة جدا والى تجهيزات متطورة وامكانات متقدمة وهذا ما يفتقر اليه الجيش العراقي الذي يعاني من مشكلة اخرى وهي انه جيش كلاسيكي بينما معركة الفلوجة تحتاج الى حرب عصابات هذا من جهة ومن جهة ثانية نرى الجيش العراقي يعتمد على نظام المحاور فدائما نسمع عن تحرير محورين وثلاثة والمحور كما هو معروف يضم عدة كيلومترات ويضم العديد من الطرق الرئيسية والفرعية بينما القادة العراقيين يعتقدون ان اي طريق عبارة عن محور وهو مفهوم خاطئ في حرب المدن.
وفي كل المعارك في التاريخ خصوصاً في معارك المدن يتم انتخاب محور رئيسي ومحور أومحورين ثانويين للهجوم وفي المحور الرئيسي يتم جمع القطعات العسكرية التي تقوم بخرق دفاعات العدو كما يتم تعزيز هذه المحاور بقطعات أخرى لضمان استمرارية الهجوم على هذا المحور كما يتم تامين الإسناد الناري الأرضي والجوي اللازم لنجاح الهجوم وينطبق هذا الحال على المحاور الثانوية لكن بنسب أقل.
ومن الملاحظات المهمة ايضا تصريحات القادة العسكريين والأمنيين لوسائل الإعلام والتي تكشف بصورة غير مباشرة عن الخطط العسكرية المراد القيام بها وتعطي معلومات عن اماكن تواجد القوات العراقية وبالتالي يصبح من السهل على الارهابيين تنفيذ كمائن لوحداته القتالية فمثلا عندما يصرح أحد القادة إنهم على بعد عشرة كيلومترات من المنطقة المعينة فانه بذلك يحدد مكان قواته لتصبح هدفا سهلا لداعش ثم إن التصريح لوسائل الإعلام يجب أن يكون منحصراً فقط ببعض القادة العسكريين الذين لا يتحدثون الا بالعموميات.
ولا ننسى الانباء التي تم تناقلها مؤخراً والتي تحدثت عن نقل بعض القطع العسكرية المشاركة بمعركة الفلوجة الى منطقة مخمور قرب الموصل لبدء معركة تحرير الموصل هذا الامر الذي أكده بعض الاطراف واعتبروه نوع من الخيانة للوحدات المقاتلة في الفلوجة وسيؤثر كثيرا على مجريات عملية التحرير هناك، لكن من جهة ثانية هناك من نفى ذلك واكد انها قوات اخرى غير المشاركة في الفلوجة تم ارسالها الى الموصل للضغط على داعش وفتح جبهتي الفلوجة والموصل معاً للاسراع في عملية القضاء عليه.
ومن الامور التي ادت الى البطء في العمليات القتالية في الفلوجة هو عدم مشاركة التحالف الدولي ضد داعش والذي تقودة امريكا فيها بل اقتصر دعمه على بعض المعلومات التي تم تقديمها للجيش العراقي عن اماكن تواجد عناصر داعش في داخل المدينة بينما لم تشارك طائراته بأي عمليات جوية ضد مواقع التنظيم الارهابي.
وأخيراً هناك من يعتقد ان تصريحات “العبادي” الاخيرة التي تحدث فيها عن ان مهمة الحشد الشعبي في الفلوجة ستقتصر على الاسناد والامداد لوحدات الجيش العراقي، جاءت نتيجة للضغوطات التي يتعرض لها من بعض اللاعبين الاقليميين في المنطقة وخاصة الجهات التي تلعب على الوتر الطائفي تحت مسمى حماية السنة.
أما ما يخص حديثه عن إرجاء العمليات في الفلوجة فهناك من يرى بأن المقصود ليس ايقاف العمليات بل ايقاف هذه الحملة الاعلامية المناهضة والاستمرار بعملية التحرير لكن بوتيرة اخف حمايةً لارواح المدنيين كما ذكرنا سابقاً.
والمعلومات القادمة من الميدان العراقي تشير الى تقدم مستمر للوحدات المقاتلة وربما سنشهد خبر تحرير الفلوجة عما قريب.
المصدر / الوقت