التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

داعش في العمق الأمريكي..ماذا بعد؟ 

رغم أن إستهداف تنظيم داعش الإرهابي للغرب لم يعد أمراً جديداً، إلا أن النقلة النوعية للتنظيم الإرهابي الأبرز من خلال هجومه على مدينة اورلاندو بولاية فلوريدا، جعلت أمريكا وجهةّ جديدة لهجمات إرهابية مرتقبة.

الهجوم الذي وصفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بـ” أسوأ حادث إطلاق نار في تاريخ أمريكا”، حمل في طياته جملة من الرسائل والدلالات، لطالما حاولت أمريكا إخفائها أو تجاهلها خلال الفترة الماضية، إلا أن طلقات الشاب الأمريكي، أفغاني الأصل، “عمر متين”، أخرجتها إلى العلن حيث بات التطرق إليها في هذه الظروف أكثر إلحاحاً.

لا تنحصر أهمية الحادث بطبيعته الإجرامية، خاصّة أنها تأتي قبيل فترة من الإنتخابات الرئاسيّة الأمريكية وفي ظل الهجوم والهجوم المتقابل من قبل مرشحي الرئاسة “هيلاري كلينتون” و”دونالد ترامب”، ولعل هذا الهجوم سيصب في صالح الأخير الذي إتخذ من سياسة “الإسلام فوبيا” شعاراً أساسياً في حملته الإنتخابية، وهذا ما يفسّر إرتفاع أسهم هذا الشعار في الداخل الأمريكي خلال الـ24 ساعة الماضية.

إن الهجوم على ملهى ليلي يؤمه المثليون من الجنسين، والذي أودى بحياة حوالي الـ50 شخص، يحمل في طياته جملة من التفسيرات والأبعاد، ويمكن إيجازها في النقاط التالية:

أولاً: يعد هذا الهجوم تحدياً غير مسبوق للإدارة الأمريكية الحالية والمقبلة، فبعد أن كانت واشنطن تبعث برسائل الشجب والإدانة لفرنسا وبروكسل، غدت اليوم تتلقى هذه الرسائل، ما يعني دخول الداخل الأمريكي، الذي لطالما حاولت واشنطن تحييده، على خط المواجهة. في الواقع، فتح هجوم “متين” باب السؤال حول الأهداف المرتقبة للتنظيم الإرهابي في الداخل الأمريكي.

ثانياً: وضع هذا الهجوم الإدارة الأمريكية أمام تحدّ غير مسبوق حيث باتت مجبرة على تقديم إجابات شافية لشعبها حول كل ما يتعلّق بالتنظيم الإرهابي. لم يعد بإستطاعة الإدارة الأمريكية الموازاة في عدائها بين داعش والرئيس السوري على سبيل المثال، لأن أي شرط مسبق حول ذهاب الرئيس “بشارالأسد” الذي يحارب داعش سيضع الإدارة الأمريكية في “خانة اليك” أمام شعبها قبل بقيّة الشعوب.

ثالثاً: رغم أن داعش من يتحمّل مسؤولية طلقات متين في فلوريدا، إلا أن السعودية التي زارها مرتين هي المسؤولة عن الأفكار التي تسلّلت إلى أذهان الشاب الأمريكي. في الحقيقة حتى لو تمّ القضاء على داعش سنكون أمام فكر وهابي-سعودي آخر كجيش الإسلام وبقية التنظيمات الإرهابية التي تدين بالولاء للرياض.

رابعاً: يعد المرشح الرئاسي “دونالد ترامب” الذي كتب في صفحته على موقع التواصل الإجتماعي “التويتر”: “انه كان محقا في التركيز على الارهاب الاسلامي وضرورة مواجهته”، يعد من أكثر المستفيدين سياسياً من هذا الهجوم، خاصةً لناحية شعار “الإسلام فوبيا” الذي بدأ ينتشر كالنار في الهشيم مع العلم مسبقاً أن متين ولد وترعرع في أمريكا. رغم أن كفّة “كلينتون” هي الأرجح حالياً في الداخل الأمريكي، وفق العديد من المراقبين، إلا أن متين، الأفغاني الأصل، قدّم خدمة لا تنسى لترامب العنصري، ربّما تجعله بعد أشهر سيّداَ للبيت الأبيض، الأمر الذي يصب في صالح الكيان الإسرائيلي واللوبي الصهيوني في واشنطن.

خامساً: لعل التركيز على الطابع الإسلامي للهجوم يهدف لتغييب جانب آخر لطالما سعت واشنطن لطمسه. فالطبيعة العدوانية لشريحة كبيرة في الشارع الأمريكي تعد من أسباب هذا الهجوم، ولعل إرتفاع معدل جرائم القتل المسلح في المدن الأمريكية خلال العام الماضي خير دليل على ذلك ( قتل أكثر من 120 أمريكي العام الماضي، بينما لم يتعد عدد الذين قتلوا في العام 2015 بكاملة 86 شخصاً).

سادساً: ستعلو الكثير من الأصوات لدعم “حقوق” المثليين في أمريكا والعالم، وبالتالي سنكون أمام قوانين جديدة ترفع بعض الحدود التي لازالت موجودة أمام هؤلاء المثليين، وهذا ما طالبت به أمريكا بالأمس خلال جلسة للأمم المتحدة حيث أدعت جميع الدول لاحترام حقوق المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً.

لا ندري ردّة الفعل الأمريكية على هذا الهجوم الإرهابي، فهل ستقتصر على التنظيم الإرهابي في الرقة ومنبج وغيرها من المناطق في سوريا والعراق؟ هل ستتعاون مع روسيا في توجيه ضربات مشتركة للجماعات الإرهابية؟ هل ستضع شرط رحيل الرئيس بشارالأسد جانباً؟ أم هل سيدفع المدنيون في سوريا والعراق تكلفة هذا الهجوم الإرهابي كما حصل إبان حادثة 11 سبتمبر؟

اذاً، يتوجّب على الإدارة الأمريكية الوقوف وبحزم أمام سياسة الإسلام فوبيا، لأن أي ردّات فعل بغير مكانها، قد تولّد عشرات الأمريكيين أمثال “عمرمتين” الذين يمتلكون الأرضية المناسبة لتلبية نداء العدناني، إلا أنهم ينتظرون الذريعة المناسبة. تدرك الإدارة الأمريكية أن كافّة هجمات تنظيم داعش الإرهابي في باريس وبروكسل وفلوريدا لا تتعدى ربع ضحايا مجرزة سبايكر، وبالتالي، فإن المسلمين هم من يدفعون التكلفة الباهظة أمام التنظيم الإرهابي الأبرز.

بعيداً عن الرسائل التي حملها الحادث الإرهابي في مدينة اورلاندو، يتوجّب على الإدارة الأمريكية أن تعيد حساباتها في التعاطي مع الإرهاب، لأن هذا التفجير يعد أحد أبرز نتائج سياسة الكيل بمكيالين من قبل البيت الأبيض. ويبدو أن واشنطن لم تتعلّم من أخطائها السابقة في 11 سبتمبر، وها هي اليوم تدفع مجدداً فاتورة نفاقها و تواطئها مع الجماعات الإرهابية والوقوف أمام العديد من الجهات التي تسعى للقضاء عليها.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق