معهد الأمن الأمريكي الجديد: أمريكا فشلت في إدراة الأزمة السورية
في مقالٍ يفضح مساعي واشنطن، خرج “نيكولاس هيراس” الباحث في برنامج أمن الشرق الأوسط، ليتحدث عن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا، والقائمة على إطالة أمد الأزمة عبر تحويلها لحرب استنزاف. فيما مثَّل مقاله، دليلاً واضحاً على حجم الفشل الذي مُنيت به السياسة الأمريكية في سوريا. وتحت عنوان ” From the Bottom, Up: A Strategy for U.S. Military Support to Syria’s Armed Opposition “، أي “بالتدريج نحو الأعلى: استراتيجية الجيش الأمريكي لدعم المعارضة المسلحة”، نشر مركز الأمن القومي الأمريكي الجديد مقالة للكاتب “هيراس” بداية الشهر المنصرم. سنعرضها فيما يلي، وبتصرُّف، مع إضافة التحليل عليها، في محاولةٍ لتسليط الضوء على النهج المُعتمد من قِبل السياسة الأمريكية. فكيف فشلت واشنطن؟ وماذا في استراتيجيتها الجديدة؟
اعتراف أمريكي بصعوبة الحسم العسكري
بحسب الكاتب فإن تداخل الأطراف الإقليمية والدولية في الصراع القائم على الساحة السورية، منع القدرة على الحسم العسكري من قبل أي طرف. وهو ما يُثبت أن واشنطن كانت ما تزال تراهن على الحل العسكري وليس السياسي كما تدعي. وهو الأمر الذي يدفع واشنطن بحسب الكاتب، لتحقيق ثلاثة أهداف:
محاولة إيجاد نقلةٍ نوعية في الميزان العسكري، لصالح ما يُسمى بالمعارضة السورية المعتدلة، وجعلها الطرف الحليف لها على الأرض.
فيما يُحقِّق هذا الهدف، قدرةً على قتال التكفيريين ومنعهم من الهرب نحو الدول الغربية وتهديدها.
مما يضمن “الإنتقال” إلى نظام يرث النظام الحالي، أي ما بعد الأسد، دون أن يسفر ذلك عن حكم دائمٍ للمنظمات الأيديولوجية المتطرفة.
وهنا ربط “هيراس” تحليله لمتطلبات الإستراتيجية الأمريكية تجاه المعارضة السورية بنجاح واشنطن في تحقيق تلك الأهداف، والذي يُعتبر رهناً لقدرة أمريكا على تنسيق جهودها مع الشركاء الإقليميين والمحليين. الى جانب اعتماده على تقديم الحوافز الدائمة والمستمرة للمعارضة السورية المسلحة، كي تتحد في تحالفات إقليمية أوسع تحت قيادة موحدة وفاعلة، وتستطيع بالنتيجة بناء مؤسسات متماسكة ومعتدلة، تمكنها من هزيمة التنظيمات الأيديولوجية المتطرفة، على نحو يُخوّل لها حكم المناطق (ذات الأغلبية السنية) – بحسب التقرير – داخل سوريا.
وهنا يعترف الباحث الأمريكي بأن محور المقاومة، أو حلفاء الأسد كما يقول هو، يستطيعون فرض شروط أقوى في العملية الديبلوماسية، في وقتٍ يفصل فيه الأمريكيون بين الخيارين. حيث يقودون الحل الدبلوماسي، دون القيام بدعمه بالطريقة الصحيحة في الميدان. وهو ما يعني بالنتيجة، بحسب رأينا، مراهنة واشنطن على إحداث تغييرات في الواقع الميداني، وسعيها لإطالة أمد الحرب.
سياسة دعم منطقة تلو الأخرى
يقترح الكاتب قيام أمريكا بدعم المعارضة المسلحة في مناطقها، حيث أن عدداً من الأمور جعلها تفشل في مهمتها وهي على الشكل التالي:
تواجه المعارضة السورية المسلحة تحديات جمة جراء تشرذم قيادتها بحسب الباحث. الى جانب تخبط أهدافها الأيديولوجية، وغياب رؤيتها للنظام السياسي السوري حالياً وما بعد الأسد. مما يجعل أمر الحسم العسكري لصالحها أمراً متعذراً إن لم يكن مستحيلاً.
كما أن تصاعد قوة التنظيمات الأيديولوجية التكفيرية، يُمثل تحدياً أمام المعارضة المعتدلة بحسب الكاتب، والتي تحظى بالدعم الأمريكي.
وهنا نقول بأن سياسة الخداع الأمريكية تبدو جلية وواضحة. فإذا كانت واشنطن تريد بحسب ادعائها دعم الأطراف المعتدلة، فلماذا تغض النظر عن أطراف تكفيرية أخرى. وهو الأمر الذي يجب أن تفهمه المعارضة السورية، حيث أنها لا تُمثِّل إلا ورقةً حاليةً للرهان، تستخدمها أمريكا إن نجحت.
ولنجاح ذلك، يقول الباحث، بأنه يجب على واشنطن أن تتبنى نهج “منطقة تلو أخرى” أي ” A Region by Region Approach “،”لحماية المؤسسات المدنية الوليدة للمعارضة المعتدلة من ناحية، وتدعيمها وتوحيدها تحت قيادة واحدة تمكنها من تنسيق حملاتها العسكرية بشكل مباشر وفعال ضد النظام السوري وحلفائه والتنظيمات الأيديولوجية المتطرفة، بحسب الباحث. ولم يُخف السعي الأمريكي ومنذ التدخل الروسي في الحرب السورية، لدعم المسلحين، عبر تدريب ما يزيد عن عشرة آلاف مقاتل من المعارضة السورية المسلحة في إطار برامج تقودها الولايات المتحدة. حيث يقول الكاتب أنه كان لتلك الجهود، أثر بالغ في مخرجات المعارك (أي نتائجها لصالح المسلحين).
دروس لتحسين الإستراتيجية الأمريكية
وفيما من شأنه تحسين الإستراتيجية الأمريكية تجاه المعارضة، يجب الإعتماد على التالي:
أولاً، وبحسب الكاتب، يجب أن تأتي الشرعية من المستوى المحلي. حيث اعتبر الكاتب أن ما يُسمى بالمجلس العسكري للجيش السوري الحر، هو أكبر مثال على فشل الولايات المتحدة في توحيد المعارضة السورية المسلحة. وذلك بسبب عجزه عن توفير الدعم اللوجيستي المستمر من الدول الداعمة للمعارضة إلى المقاتلين المعارضين للنظام السوري، الى جانب تبنيه نهجاً طموحاً عبر محاولته ضم عددٍ من الجماعات التي لا تتفق سياسياً وأيديولوجياً. لذلك يجب دعم الخيارات المحلية وتطويرها، للإعتماد عليها فيما بعد.
ثانياً، يقول الكاتب بأنه يجب على الولايات المتحدة التحلي “بالصبر الاستراتيجي”، حيث يجب على واشنطن بحسب الكاتب، تحديد أولوياتها عبر تركيز جهودها لدعم وتأييد التنظيمات الراهنة الأكثر نجاحاً من منظمات المعارضة المسلحة، خاصة في غرب سوريا. وذلك عوضا عن التخلي عن الشركاء الذين يُعانون من الإنتكاسات. مما يُظهر وبوضوح بحسب رأينا، حجم النفاق الأمريكي في التعاطي مع أدواتها أيضاً، حيث تتركهم بعد العجز عن تأدية المهام.
ثالثاً، الإستعداد التام لتوفير الدعم العسكري التقليدي، وهو عبارة عن ضرورة الخروج من النمط التقليدي لواشنطن في وضعها استراتيجيات متكاملة، غير مرنة في تطبيقها. حيث أن هناك ضرورة في تقديم الدعم التقليدي والعسكري للمنظمات المعارضة المسلحة عند حاجتها للدعم، بعيداً عن القدرات المؤسساتية لتلك المنظمات.
إذن خرج “هيراس” ليعترف بالفشل الأمريكي ويُقدم النصيحة. فيما يمكن من خلال كلامه الإستدلال، على حجم المؤامرة التي تقودها واشنطن في سوريا. في حين يُعتبر سيناريو الحروب المتعاقبة الذي اقترحه هيراس، أي ” War after the War Scenario”، وبغض النظر عن شرحه، دليلاً على وجود النية الأمريكية لجعل سوريا ميداناً لحرب إستنزافٍ طويلة. حربٌ لدعم أطرافٍ ضد أخرى، يتلوها حربٌ لدعم القوي بين الأطراف. فيما يدفع الشعب السوري ثمن السياسة الأمريكية القائمة على إشعال الحروب.
المصدر / الوقت